من الصعب على المتتبع للوضع في الصحراء أن يجد ملامح تغيير على مستوى التدابير المتخذة من طرف الدولة، لعل الوضع يتحسن ولو قليلا في ذلك المكان. بل على العكس حقوق الإنسان في تردي مستمر، و المقاربة الأمنية هي العنوان الكبير، وما كان مؤخرا من انبثاق لمبادرات أممية و دولية حول الرفع من صلاحيات البعثة الأممية في الصحراء هو مؤشر خطير لتدني حقوق الإنسان. للأسف كثيرا ما يتم تناول الواقع سواء السياسي أو الحقوقي من غير تبني الموقف الرسمي المبني على نظرية المؤامرة، و هذا التبني لا يرتكز فقط في الفاعلين السياسيين، بل يطال حتى الرأي العام بكل ممثليه بما فيه هيئات المجتمع المدني و الصحافة المستقلة ! وللأسف أيضا، الشأن الحقوقي و بكل تجلياته ( سياسية، اجتماعية ، ثقافية... ) لا تسلط عليه أضواء التعاطي و الطرح إلا بإعطائه صبغة سياسوية خالصة، و ربطه بخلفية الانفصال و الأيادي المنتمية لبوليساريو الداخل. هنا و من خلال هذه المعادلة توأد الحقوق، ويصبح السياسي غالب على غيره من روافد مفهوم حقوق الإنسان الأخرى، و يصبح المُطالب بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية وحتى الثقافية عميل و خائن و مهدد للوحدة الترابية ! كلنا نتذكر ما وقع بالعيون و الداخلة، و كلنا نتأسف لما أريق من دماء هناك . لكن القليل منا فقط من تحفظوا على الرواية الرسمية التي صَممت جزء كبيرا منها الدولة بمعية آلاتها الإعلامية. القليلون فقط من تعاطفوا مع الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و الحقوقي المتدني لساكنة الصحراء، القليلون فقط يعرفون أن ما أخرج الصحراويين في "اكديم ايزيك" هي الفوارق الطبقية الشاسعة، حيث هناك الغنى الفاحش و الفقر المدقع، وليس شيء آخر. القليلون فقط يعرفون أن أحداث الداخلة هي ليست نتاج عدوانية أهل الصحراء بل هي نتاج لسياسة تنتمي لعهد البصري في تسعينيات القرن الماضي، حيث قام بنسخ قرى و مداشر بأكملها، بحيث بعد أن أمست في أماكنها أصبحت في مدن الصحراء المختلفة بدون وضع أي اعتبار للخصوصيات الثقافية و الاجتماعية التي تتغير من منطقة إلى أخرى. كل هذا بالإضافة إلى المقاربة الأمنية الصارمة، الشيء الذي جعل من الصحراء قنبلة موقوتة تنتظر أقل فرصة احتكاك لتنفجر. مؤخرا شاهدنا كيف انقذت فرنسا المغرب من خطر رفع صلاحيات البعثة الأممية لتطال مراقبة حقوق الإنسان هناك. أحسست أن المغرب تنفس الصعداء مع هذه العرقلة التي قام بها الحليف الإستراتيجي المتمثل في فرنسا، و لكن السؤال الذي ظل يؤرقني ولم أجد له إجابة حتى الأن، هو كالتالي: هل هذا التطور في موقف الأممالمتحدة هو فقط نتيجة -كما يدعي أصحاب القرار- الضغط الدبلوماسي للجزائر وحلفائها؟ أم أن بالفعل الوضع الحقوقي و الإنساني هناك جد متردي مما أفرز إرادة دولية لحماية حقوق الإنسان في الصحراء، وفي المقابل هل سيكتفي المغرب بالاعتماد على فرنسا في صد هذه التوجهات الدولية التي كثرت مؤخرا، أم أنه سينكب ليصحح الوضع المتأزم الذي آلت إليه الأمور في الصحراء، بإرادة حقيقية تقطع مع المقاربات الأمنية التي تزكيها و تكرسها سياسة أخرى تُعتمد هناك، ألا وهي اعتبار تلك المنطقة بمثابة الزنزانة التي يعاقب داخلها كل المغضوب عليهم ممن اقترفوا تجاوزات من رجال السلطة. هذه السياسة جعلت من الصحراء مرتعا للفاسدين و المرضى النفسيين الذين يعيثون في الأرض فسادا، ينتهكون الحقوق و يسرقون و ينهبون، في تغييب للمحاسبة وللقانون. لطالما تساءلت هل هناك إرادة حقيقية من طرف الدولة للوعي بحق الإنسان في أن يعيش حياة كريمة وفي أن يعبر وفي أن يحتج، حيث يصبح هذا الوعي أساس كل تعاط سياسي، بعيدا عن المقاربات الأمنية التي لم تنجح يوما. إن الحق في التعبير، و الحق في العيش الكريم، و التوزيع العادل للثروات، واحترام القناعات السياسية للناس بغض النظر عن مدى تطرفها إلا فيما يتماشى مع القانون، قد يكون أفضل من الاعتماد على فرنسا -التي لا تؤمن إلا بلغة المقابل- في تدبير ملف الصحراء على المستوى الدولي و الأممي . هذا الاعتماد الذي يدفع ثمنه المغاربة بكل ما تحمل هذه الكلمة من فقر و تهميش و بطالة. هذا الاعتماد الذي يُلزم المغرب أن يرضخ لصفقات لا حاجة له بها ليس لشيء سوى لضخ بعض الأرباح في جيب أصحاب الفيتو الحليف . في الأخير لا يسعنا سوى القول إن الالتفات إلى الناس و الوعي بحقوقهم و احترام كرامتهم، وخلق إرادة جديدة كاملة الصلاحيات، تنبني على رؤية سياسية عميقة وناضجة لتدبير ملف الصحراء، والتخلص من ثنائية الخطاب التي يتم فيها تصوير الصحراء على المستوى الدولي على أنها جنة الله في أرضه ، في مقابل واقع يحكي عكس ذلك. قد تكون هذه النقاط إذا ما أخذت بعين الاعتبار أكثر نجاعة و أقل تكلفة من الحلول التي تؤدى فواتيرها باهظة .. و باهظة جدا .