من سمات اقتصاد الحرمان استمرار العجز الاجتماعي بالرغم من الجهود المبذولة على مستوى الاستثمار (الأوراش الكبرى، البرامج القطاعية المهيكلة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية). لماذا فشلت السياسات "الصديقة" للفقراء (بحسب المؤسسات المالية الدولية) في محاربة الفقر والتهميش والإقصاء؟ لماذا لا تستفيد سوى الأقلية من السياسات الماكرواقتصادية؟ لماذا لا يتم "جريان" النمو من الأعلى نحو الأسفل اجتماعيا، ومن المراكز إلى الأطراف مجاليا؟ فرضية الفوارق الاجتماعية، فرضية قديمة/جديدة. النظرية التقليدية التي بلورها كوزنيتس سنة 1955(النمو الاقتصادي والفوارق في الدخل) تقول ب "الضرورة التاريخية" لنسبة من التفاوت في توزيع الدخل بين الأرباح والأجور، في المراحل الأولى من السيرورة التنموية، وحينما تكتمل القاعدة التراكمية، فإن حدة الفوارق تخف بالتدريج. وبحسب كوزنيتس، فإن العلاقة بين التفاوت والتنميةهي علاقة طردية في بداية التراكم، ثم تتحول بعد ذلك إلى علاقة سلبية. تحيل إشكالية الفوارق في صيغتها الجديدة (ستيجليتز، وكروكمان في الولاياتالمتحدةالأمريكية، طوما بيكيتي، 2015) إلى نظرية العدالة، بمعنى الإنصاف، التي بلورها جون راولس، والتي تربط مقبولية الفوارق بمدى مساهمتها في تحسين مستويات الفئات الاجتماعية الضعيفة. وسيكون لأمارتيا سين الدور الأعظم في تطوير نظرية العدالة وإغنائها باعتبار مستوى القدرات التي يتوفر عليها الأفراد في "اختيار نمط الحياة الذي يرومون". تكمن أهمية مفهوم القدرات في التنزيل الفعلي للحقوق الشكلية، أو السلبية (الحق في التعليم، في الصحة، في السكن، في الشغل)، وتحقيقها على أرض الواقع، لتتحول إلى خدمات فعلية يستفيد منها الجميع بنفس الشروط والمواصفات (المدرسة، المستشفي، سوق الشغل، الولوج إلى المناصب، إلى غير ذلك). في وضعية الحرمان الشامل، وضعف مؤشرات التنمية البشرية، يشكل شرط التمكين من القدرات، بالاستثمار فيها، قاعدة لتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص، ولتحقيق العدل، ولإنجاز الأفراد لنمط العيش الذي يصبون إليه . تعتمد الحكومة، في الأغلب، على المؤشر المالي، أي على مستوى الدخل، في صياغة السياسات الاجتماعية، بينما تقوم الفوارق على عجز أصلي، متراكم ومتفاقم، في الضروريات من القدرات، من جهة، وعلى الاختلال الحاصل في شروط التحقيق، والتفعيل، والإنجاز (نفس المؤهلات والكفاءات لا تقابلها نفس الفرص) من جهة أخرى. من هنا فإن عملية التقليص من الفوارق الاجتماعية تتطلب، كما سبقت الإشارة، تعديل الأولويات بالاستثمار في الضروري من التنمية بصفة عامة، ومنه الاستثمار في القدرات، والارتقاء بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى مستوى الساق الثانية التي تقف عليها استراتيجية التنمية الشاملة (يشكل الاستثمار في البنيات الثقيلة والمادية الساق الأخرى)، أي بالمزاوجة بين الكفاءة الاقتصادية القائمة على الاستثمار المنتج، وبين العدالة الاجتماعية التي تتطلب التمكين من القدرات، "في نفس الآن"بتعبير بول ريكور. 28 يوليوز 2019