طلع علينا اليوم جاريد كوشنير, صهر ومستشار الرئيس الأمريكي ترامب في مشهدين : الأول في حوار مع قناة "الجزيرة " حيث أكد فيه على ما يشكل جوهر الإستراتيجية الأمريكية وخياراتها بخصوص القضية الفلسطينية ويتمثل في : _ أولوية أمن دولة الكيان الصهيوني _ حق إسرائيل في اختيار القدس عاصمة لها _ رفض ما يعرف بالمبادرة العربية للسلام التي أصبحت في نظره متجاوزة رغم ما تتضمنه من تنازلات وما أدت إليه من توجهات تطبيعية مع الكيان الصهيوني .. أما المشهد الثاني ففي " ورش المنامة" حيث وقف شارحا ومبشرا بما ستحمله " صفقة القرن" أو كما سماها " فرصة القرن" من ازدهار لفلسطينالمحتلة و لكل المنطقة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية وفي البنيات التحتية ..الخ , مؤكدا أن كل ذلك ما هو إلا " جزء من عملية السلام" .. بمعنى أنه تمهيد ومقدمة للجزء السياسي المتعلق " بالوضع النهائي " للصراع الإسرائيلي الفلسطيني . وهاهنا يتضح تهافت بل وتضليلية من يبررون مشاركتهم في هذا الورش المسموم بكونه " ورشا تقنيا وماليا" ولا صبغة سياسة له , وبالتالي يجب التعاطي معه " بواقعية" و " عقلانية" و " براغماتية" تراعي مصلحة كل دولة مشاركة . إن كوشنير , في المشهدين معا لم يخف انحيازه المطلق للعدو الصهيوني , ولم يسحب عن هذا الورش المذل أبعاده السياسية والجيواستراتيجية عندما تجاهل وجود شعب ( كان ينعته بالناس في الضفة والقطاع) تحت الاحتلال والحصار والتجويع والقتل اليومي والأسر لشبابه وشيوخه وأطفاله ونخبه وأطره القيادية ..الخ , فرهان الإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل هو أبعد وأكبر من مخططات اقتصادية استثمارية وتمويلية لمشاريع تنموية وتجهيزية , إنه رهان استراتيجي يرمي إلى : أولا , خلق وقائع جديدة على الأرض , في فلسطينالمحتلة,وفي أراضي السلطة الفلسطينية بالتحديد, تكرس الاستيطان الإسرائيلي وتوسع من رقعته , وتلتف بالتالي على مطلب العودة وعلى حل الدولتين وعلى خيار " الأرض مقابل السلام" . وثانيا , دمج إسرائيل في كامل منطقة الشرق الأوسط باعتبارها شريكا قويا وآمنا لحلف عربي خليجي وجزءا لا يتجزأ منه في مواجهة القوى الإقليمية الصاعدة, وتلك الممانعة والمقاومة للإستراتيجية الأمريكية الصهيونية الخليجية في المنطقة . وكما سقطت سلسلة مؤامرات وصفقات سابقة بفعل الصمود الوطني الفلسطيني ورفض الشارع العربي من صنعاء إلى الرباط للتطبيع ولمخططات التصفية للقضية الفلسطينية كقضية وجود وهوية وحقوق تاريخية .. فستسقط " صفقة القرن" سريعا بعد هذا "الورش التقديمي" لها .. والمخجل لكل من حضره سواء عن اقتناع وطواعية أو من منطلق " واقعية " لا مبدئية في نهاية التحليل.