هل يحق للحكومة أن تقوم بتشريد مواطنيها في عز البرد القارس؟ قد يبدو السؤال استفزازيا، لكن هذا ما حصل ويحصل في العديد من المدن المغربية من الجديدة إلى سلا وقبل ذلك أكادير...يدخل ذلك في إطار ما تسميه الحكومة الجديدة محاربة السكن العشوائي! قد تبدو القضية قانونية، لكن أساليب التنفيذ والتوقيت والمقاربة الانتقائية في التنفيذ...كلها أمور تطرح أكثر من سؤال على الفريق الحكومي والسلطة التي يستند إليها في تطبيق القانون. أولا، من الناحية الأخلاقية والإنسانية، ففي الدول الديمقراطية يمنع تنفيذ قرارات الإفراغ، حتى لو كانت معززة بقرار قضائي، ضد أشخاص بدون مراعاة ظروفهم ومآلهم، ويصبح هذا المنع صارما عندما يكون الموسم فصل برد قارس مثل هذا الذي يعرفه المغرب في الأيام الحالية. بل وفي حالات أخرى يمنع تنفيذ قرارات، حتى لو كانت قضائية بقطع الإمداد بالكهرباء والغاز والماء للبيوت إذا ما كان تنفيذها سيهدد حياة أشخاص بداخلها. والحال أن السلطة في المغرب، وتحت إشراف وزارة الداخلية في حكومة عبد الإله بنكيران قامت في الفترة الأخيرة بمداهمة بيوت أسر مغربية في الجديدةوسلا، في ساعات مبكرة من الصباح بدون سابق علم أو إنذار، وهدمتها فوق رؤوس ساكنيها الذين أصبحوا مشردين في عز البرد القارس الذي تعرفه الكثير من مناطق المغرب. ثانيا، المقاربة التي تعتمدها السلطة في تطبيقها للقانون تبقى انتقائية، فهي استهدفت أحياء بعينها، في مدن بعينها، دون أحياء ومدن أخرى ينتشر فيها السكن العشوائي. بل حتى في المناطق المستهدفة بتطبيق القانون اعتمدت سلطة التنفيذ نفس المقاربة الانتقائية في تشريد أسر دون غيرها، وهدم بيوت دون غيرها ! رابعا، جميع الشهادات التي عبر عنها المستهدفون بقرارات السلطة انتقدت أسلوب التنفيذ المباغت. ففي مدينة الجديدة تم هدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها في الساعة الرابعة صباحا، وفي سلا داهمت الجرافات البيوت في الساعة الثامنة صباحا. وفي كلتا الحالتين لجأت السلطة إلى استعمال القوة المفرطة والعنف، وأقدمت على الإعتقلات التعسفية في حق المواطنين الذي احتجوا عندما وجدوا أنفسهم حفاة عراة في عز البرد القارس ! خامسا، السكن العشوائي ليس وليد اليوم، وإذا ما اختارت الحكومة الجديدة التصدي له كمدخل للإصلاح الذي وعدت به، فما عليها إلا أن تفتح الملف على مصراعيه، وتبحث عن المسؤولين الحقيقيين عن تفشي هذه الظاهرة في المدن والقرى المغربية. فحتى الآن وبعد أن قامت السلطة بهدم عشرات البيوت، لم يعلن عن محاسبة مسؤول واحد من أعوان السلطة وقيادها وعمالها وولاتها ممن نبتت مثل هذه البنايات العشوائية أمام أنظارهم وتحت حمايتهم وبترخيص منهم. هذا عن المسؤولية المباشرة، أما المسؤولية السياسية فتتحملها الحكومات التي تعاقبت على حكم المغرب منذ الاستقلال وآخرها حكومة عباس الفاسي، التي ظل أحد وزراء حزبه، هو توفيق حجيرة، يدير هذا القطاع لمدة تزيد عن ثماني سنوات، وهو يرفع شعارا كاذبا يقول "مدن بدون صفيح" ! حنظلة...