تمرّ هذه الأيام، الذكرى المئوية الأولى على رسالة الشريف مولاي أحمد الريسوني إلى الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون Woodrow Wilson سنة 1919، التي طالب فيها باستقلال المغرب عن الاستعمار الإسباني والفرنسي. لا نعرف إن كانت هذه الرسالة وصلت أم لا للمرسل إليه، لكنها تعطينا معلومات في غاية الأهمية حول مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، وخاصةً حول شخصية مولاي أحمد الريسوني “الوطنية” وتعاطيه الذكي مع تطورات الأحداث العالمية. ظروف كتابة هذه الرسالة على الصعيد الدولي، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، في نوفمبر 1918، بدأ الخلاف يبرز بين الحلفاء المنتصرين، أوروبا المنهكة والولاياتالمتحدة المتعافية والتوّاقة إلى تعزيز مكانتها الدولية. وقد كانت المبادئ الأربعة عشرة التي وضعها ويلسون إحدى تجليات هذا الخلاف في مؤتمر فرساي،ذلك أنَّ الولاياتالمتحدة عارضت اتفاقية سايكس – پيكو، الموقعة عام 1916، وطالبت بدلا من ذلك بحق تقرير المصير. كانت تلك المبادئ بمثابة مصدر إلهام لأولئك الذين يشعرون بأنهم ضحايا للنظام الاستعماري. وعلى الصعيد المحلي، فاجأ الموت المقيم العام الجنرال فرانسيسكو غوميز خورداناFrancisco Gómez Jordana يوم 18 نوفمبر سنة 1918، بعد أن انتهى من كتابة رسالة مطولة لوزير الدولة (الخارجية) يشتكي المعاناة التي لاقاها بسبب سياسة الحكومات الإسبانية المتعاقبة مع الشريف الريسوني، (لقد بذلت جهداً خارقاً لأظهر كصديق مخلص ومتواضع لهذا الرجل…). وتعطينا المراسلات بين الشريف والمسؤولين الإسبان بتطوان أيضا فكرة واضحة عن انهيار العلاقة بين الطرفين. وتطبيقاً لما جاء في رسالة خوردانا ( الانالريسوني عقبة أمامنا ويجب التخلص منه…)، عينت مدريد وزير الحرب الجنرال داماسوبرنكير فوسطي .DamasoBérengerFuste مقيماً عاماً، والذي رد على رسالة الترحيب من الشريف الريسوني ببرودة ودعاه للحضور بين يدي الخليفة. عرف الريسوني أن إسبانيا لم تعد تراهن عليه في إخضاع منطقة جبالة، فبدأ المقيم العام الجديد بالاقتراب من أعداء الريسوني والسيطرة على القبائل المعادية له كقبيلة أنجرة وودراس. أما في منطقة الحماية الفرنسية، فقد خرجت هذه الأخيرة منتصرةً من حرب جندت لها المغاربة بدون مقابل سياسي، غير أنها لم تنسى محاولات الشريف الريسوني إثارة القبائل الواقعة على حدود منطقتي الحماية. محتوى الرسالة يظهر من محتوى الرسالة أن مولاي أحمد الريسوني كان على دراية بولادة نظام دولي جديد، حيث فهم جيداً أهداف الرئيس الأمريكي ويلسون من إصدار هذه المبادئ. فالولاياتالمتحدةالأمريكية لم تكن ترضى على السياسة الدولية “السرية” بين بريطانياوفرنسا للسيطرة على العالم، فعمل على إثارة النقاط التي تهمه. وحول هذه الرسالة، يقول الدكتور العرائشي، كارلوس تساينيرطوماسيش، Carlos TessainerTomasich في كتابه، “الريسوني، حليف وعدو إسبانيا”: ” يرى الريسوني أن من حق المغاربة نيل الإستقلال جزاءً على مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى. كما أنه تعهد، باسم الشعب المغربي، أن يعمل على تنمية البلاد في جميع الميادين تحت رعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول صغيرة ليس لها أطماع بالمغرب”. وبالفعل، نجد أن الشريف و بأسلوب رفيع، توجه للرئيس الأمريكي باسم كل المغاربة، وتعهد بإحلال الأمن وتنمية البلاد. يقول في رسالته ” إذا وفقنا الله إلى رحمته، وأعنتمونا على إقناع الغزاة بالخروج من أرضنا و ديارنا، فسنقوم بعون الله على إصلاح شؤون البلاد و العباد…”. ولا ندري بأي طريقة وما هي الآليات لتحقيق وعده هذا، لكن المعروف أنه كانت له ميولات لألمانيا منذ زيارة الإمبراطور غليوم الثاني لطنجة سنة 1905. وقتها كان الريسوني باشا الفحص والقبائل المجاورة. والحال أنه كان الحاكم الفعلي لمدينة طنجة. وهنا نستحضر شركة ألمانية عملاقة في مجال البحث واستغلال المناجم، “شركة الإخوان مانيسمان” الذين سبق لهم أن عرضوا على إسبانيا مشروعا لكراء منطقة حمايتها لمدة 99 سنة، الأمر الذي رفضته إسبانيا بشدة. ومن جهة أخرى، نلاحظ أن الريسوني ركّز في رسالته على فرنسا أكثر من إسبانيا، كعدوة للشعب المغربي. وهذا يعطينا فكرة عن كونه عرف كيف يعرض قضيته قانونياً أمام مسؤول دولي مثل ويلسون، لأن فرنسا هي الطرف الثاني في عقد الحماية مع المغرب سنة 1912، أما إسبانيا فهي مجرد مفوضة. كما أنه عرّض على مؤتمر الجزيرة الخضراء وذكر ويلسون بأن الولاياتالمتحدة تعتبر وسيطاً في هذا المؤتمر. وأشارت النقطة الثانية والثالثة من مبادئ ويلسون إلى حرية الملاحة وإلغاء الحواجز الاقتصادية. لذلك يقول الشريف الريسوني في رسالته: (إنه لمن المعلوم أننا حمينا دائما التجار والتجارة…) ويضيف لاحقاً، (…حتى يستقر الأمر وتعم الطمأنينة والأمان كل شعب المغرب وحتى نحمي التجارة والتجار). وتنص النقطة الأخيرة من إعلان ويلسون على (إنشاء جمعية عامة للأمم…) ومنه انبثقت عصبة الأمم. نجد الريسوني يقول في رسالته، بعد تعهده بضمان الأمن وتنمية البلاد : (… وإن بدا لكم، بإمكان رؤساء البلدان أن يعينوا ممثلين عنهم حتى يكونوا حاضرين ويدرسوا الوقائع وسير كل الشؤون وأطلب منكم أن تختاروهم من فوركم من أنبه وأنبل رجال الأمم الصغيرة التي لا مطمع لها في الغزو والنهب…). وركز الرئيس الأمريكي ويلسون في مبادئه على حق وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، ونجد أن الريسوني ذكر مصطلح “الحق” و”الحرية” أكثر من 30 مرة. محاولات “إحياء” الرسالة سبق للمؤرخ الإسباني الدكتور Carlos TessainerTomasich أن نشر ترجمة لهذه الرسالة في كتابه المشار إليه أعلاه. ورأى أن الريسوني كان دائماً يطمح بأن تبقى جبالة مستقلة عن أي سيطرة خارجية، واستغل من أجل ذلك كل فرصة أتيحت له. وفي الجانب المغربي، تم عرض هذه الرسالة بالعربية في كتاب صدر سنة 2016 تحت عنوان: “الوثيقة الأولى للمطالبة باستقلال المغرب، رسالة زعيم المقاومة الجبلية الشريف مولاي أحمد الريسوني إلى الرئيس الأمريكي ويلسون” للشيخ مولاي علي الريسوني، وكما قال نقلها من كتاب للمؤرخ محمد بن عزوز حكيم، تحت عنوان “موقف الشريف الريسوني من الاستعمار الإسباني”. والحقيقة أننا لا نعلم بوجود كتاب بهذا العنوان لابن عزوز حكيم. حيث أشار المؤلف إلى أن كتاب الأخير “غير منشور”. كتاب “الوثيقة الأولى للمطالبة باستقلال المغرب… ” لم يأتي بأي جديد غير نقل صور هذه الوثيقة، فمؤلفه لم يبدي أدنى مجهود لفهمها وتحليلها وفقاً للطرق المنهجية المتعارف عليها بين المؤرخين. ولا ندري ما الفائدة من نشر خمس ترجمات بالإسبانية لوثيقة مكتوبة بالعربية؟ وبالإضافة لهذه الرسالة موضوع الدراسة، يعرض الكتاب وثائق أخرى لا تقل أهمية مرتبطة بها وموجودة في نفس المحفظة بالأرشيف الإداري العام ببلدة Alcalá de Henares القريبة من مدريد، وهي: 1- رسالة الريسوني للسفير الأمريكي بمدريد، وهنا لا نعرف لماذا لم تتم إعادة كتابة الرسالة بالعربية؟ 2- رسالة سفير الوكالة الدبلوماسية الإسبانية بطنجة إلى وزير الدولة يخبره بهذه الرسالة ولقائه مع المندوب الأمريكي بطنجة، الذي رفض طلب الريسوني بنقل الرسالة لويلسون. 3- رسالة وزير الخارجية إلى المقيم العام بتطوان، يخبره بالرسالة وبعض محتواها. ونستغرب هنا عدم ترجمة الوثيقتين الأخيرين، إذ اكتفى الكتاب بنقل صورها كما هي بالأرشيف الإداري العام. ويحتوي الكتاب على مغالطات كثيرة لا يجوز السكوت عنها، سنقف في هذه المساهمة على نقطتين منها: النقطة الأولى: حول غياب المقاومة الريفية من 1912 إلى معركة أنوال جاء في الصفحة 23 من الكتاب أن ” المقاومة الريفية الأولى ابتدأت من 1909 إلى 1912 بقيادة الشهيد المرحوم المجاهد محمد أمزيان، ثم في حدود علمنا وتقديرنا المتواضع لم تطلق ولو رصاصة واحدة منذ نهاية حركة الشهيد أمزيان ،1912 أي ظل الريف بجناحيه الناظور والحسيمة بعيداً عن الجهاد الحربي من 1912 إلى 1921، أي حوالي تسع سنوات من سكوت البندقية. فكانت الريف في هذه الفترة خالية من الكفاح المسلح في الوقت الذي كانت فيه منطقة جبالة تغلى بالكفاح أن كان مسلحاً أو بالكفاح الدهائي والحيلة والسياسة”. وهذا عكس ما جاء في فيديو تقديم الكتاب، حيث قال بأن ” ثورة الريف تتكامل مع ثورة جبالة، وجهاد جبالة يتكامل مع جهاد الريف، الريف وجبالة وجهان لعملة واحدة”. ولمعرفة الحالة العسكرية لمنطقة الحماية الإسبانية، نشير إلى ما جاء في رسالة وزير الحرب الجنرال لوكي Luque إلى المقيم العام خوردانا في يناير سنة 1918، (… بالضبط إنها السياسة الريسونية () يعني ربح الوقت، في نظري سيكون جيداً لو اتبعتها حتى تتضح الحالة الدولية). وفي برقية أخرى في 19 يوليوز: (إذا استطعتم المحافظة على الحالة الراهنة التي تضمن لنا حيادنا في الحرب العالمية القائمة، وتمكنتم من الحيلولة دون أن يقوم الشريف بهجوم ضد المنطقة الفرنسية، ستكونون قد أديتم لإسبانيا مرة أخرى خدمة عظيمة). وتجدر الإشارة إلى أنه بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى نهايتها، اتجهت الحكومات الإسبانية، بسبب خوفها من رد فعل الفرنسيين، إلى سياسة المهادنة في كل منطقتها، إذ كانت هناك أوامر صارمة من وزارة الخارجية ووزارة الحرب بالابتعاد عن ذكر كلمة حرب، كما أن المجتمع الإسباني كان يرفض التجنيد والالتحاق بشمال إفريقيا، وحقناً لدماء جنودها. ولم تكن هناك أي حرب منظمة حتى ربيع 1919، بإستثناء الحرب على قبيلة أنجرة، المعروفة ب “يوم أنجرة” 29 يونيو 1916، والتي شارك فيها الريسوني بجانب الجيش الإسباني. وفي الجهة الغربية، قبائل جبالة، ونتيجة لحالة السلم بفضل إتفاق 13 شتنبر 1915 مع الشريف الريسوني، والموقع بمدشر المخلوط بقبيلة بني غرفط، استطاع خوردانا في أقل من سنتين استرجاع 20563 جندي و3900 من الخيول والبغال، أي وفرّ على الدولة الإسبانية 23 مليون بسيطة، كما جاء في آخر رسالته. وأما في الجهة الريفية، فعكس ما ادعاه كتاب مولاي علي، فالمقاومة الريفية لم تبتدئ سنة 1909 ولا انقطعت بصفة نهائية إلا بعد القضاء على بقايا حركة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1927. فالمعروف أنّ قبائل الريف شاركت في معركة إيسلي سنة 1844 ضد فرنسا، وبعدها في حرب تطوان ضد إسبانيا سنة 1859/60. ولم تكن هذه آخر حروب الدولة المغربية مع جارتها الإسبانية في القرن التاسع عشر. ففي أواخر سنة 1893، وقفت القبائل المجاورة لمليلية ضد الزحف الإسباني خارج حدود مليلية، فأُعلِنت الحرب على المغرب في 9 نوفمبر 1893 بعد مقتل الجنرال مارغايو (حرب مليلية الأولى). ويقول المؤرخ المغربي إبراهيم حركات، في كتابه 'المغرب عبر التاريخ‘، ج 3، ص 231 : “من الطبيعي أن يكون احتلال الإسبان لمليلية وسبتة وجزر كبدانة، على تقادمه، موضع غضب المغاربة لا سيما أهل الريف الذين كانوا غصة في حلق هذا الاحتلال العسكري، وكانت المناوشات على الحدود لا تفتر بين السكان المجاورين وجيش الإحتلال”. وفي بداية القرن العشرين، وبعد أن سمح الجيلالي الزرهوني لإسبانيا وفرنسا باستغلال مناجم المنطقة، ثارت القبائل الريفية ضده. فلم تجد إسبانيا من يحمي شركاتها لاستغلال تلك المناجم، فكانت حرب مليلية الثانية سنة 1909 المعروفة بحرب واد الذئاب، حيث تكبدت خسائر فادحة كانت لها عواقب وخيمة على الشأن الداخلي الإسباني. وبعد استشهاد المجاهد محمد أمزيان سنة 1912، وحتى معركة أنوال، عرفت المقاومة الريفية تراجعاً في حجم عملياتها ضد التوسع الإسباني بالمنطقة، غير أنها لم تتوقف بقيادات مختلفة غالباً ما كانت تسقط أمام إغراءات الإسبان. وبالرجوع إلى الجريدة الرسمية لمنطقة النفوذ الإسباني بالمغرب BoletínOficial de la Zona de Influencia Española enMarruecos)، نجد معلومات مهمة حول التوسع العسكري الإسباني ومقاومته من طرف القبائل، انطلاقاً من 1913 إلى غاية سنة 1918. وقد وقفت قبائل الجهة الشرقية لنهر الكرت، بقيادة الحاج اعمار الكلوسيالمطلسي، ضد زحف الجيش الإسباني، خاصة قبيلة ايت بو يحيى، وقبيلة ايت سعيد… إلا أن استسلام الأخير للجنرال Aizpuru سنة 1916، أتاح الفرصة للاسبان للسيطرة على قبيلة ايت بو يحيي وإنشاء مخيمات عسكرية لأول مرة يسار مجرى نهر الكرت. وفي الجهة الغربية للريف تمكنت قبيلة بقيوة صيف 1915 من الإستيلاء على أسلحة سفينة حربية غرقت قبالة شواطئها وتم اعتقال 13 من طاقمها. و انطلاقاً من سنة 1916 تحولت قبيلة بني سعيد لمركز المقاومة، تحت قيادة بوراحايل. فكان شيوخ ووجهاء القبيلة يدعون القبائل للجهاد، إلا أن “الحزب الإسباني” (المغاربة المأجورون الذين يعملون لصالح التدخل الإسباني) كان دائماً يعرقل عمل هذه اللجان بالمساجد والأسواق. وغالباً ما تكون هناك مواجهات بين الطرفين يتبعها الانتقام من العملاء، نذكر هنا على سبيل المثال، ما تعرض له القاضي عبد الكريم الخطابي حيث تم حرق منزله وتهديده بالقتل، فهرب إلى جزيرة النكور، ومنها لتطوان. ولم تكتفي السياسة العسكرية للمحتل بإشعال الفتن بين القبائل وبين أبناء القبيلة الواحدة، بل لجأت إلى سياسة الأرض المحروقة بمنع أعمال الزراعة وحرق المحاصيل، لإجبار “المتمردين” على الاستسلام، إذ من المعروف أن الفساد في منطقة الحماية الإسبانية كان أمراً عادياً. فالمراسلات بين المسؤولين في تطوان و مدريد نجدها تتكلم عن شراء المتعاونين معها كأمر عادي… ولم يتغير هذا حتى خروج الاحتلال من المغرب. وبعد غياب دام أربع سنوات عن شمال المغرب، عاد الجنرال مانويل فرنانديز سيلفيستريManuel Fernández Silvestre، بتفويض من الملك ألفونسو الثالث عشر Alfonso XIII، صيف 1919 كقائد للقوات الإسبانية بسبتة. وكان ذلك استمراراً لسياسة برينغر في المنطقة، حيث تم إخضاع أغلب قبائل جبالة وتم تأمين الطرق بين تطوانوطنجة والعرائش، وملاحقة الريسوني، إلا أن علاقته -سيلفيستري- بالمقيم العام لم تكن جيدة، فتم تعيينه قائداً للقوات الإسبانية لمليلية في يناير 1920، حيث قاد الجيش الإسباني لأسوأ هزيمة في تاريخه المعاصر. النقطة الثانية: حول الكتاب “غير المنشور” لمحمد بن عزوز حكيم جاء في الصفحتين 79 و80 بعنوان ” المسودة الأولى (والثانية) من غلاف الكتاب غير المنشور – الجزء الثاني- “موقف الشريف الريسوني من الإستعمار الإسباني” الذي ألفه المرحوم المؤرخ محمد بن عزوز حكيم ويظهر في واجهة الكتاب التعديل الذي وضعه بن عزوز حكيم. وهذا الكتاب تضمن الحديث في بعض ملاحقه عن الرسالة”. وعرض تحت هذا العنوان صورتين معدلين حيث تم حذف كلمة ” الفرنسي” يدويّاً وتعويضها ب”الإسباني” بعد شطب تاريخ ومدينة الإصدار. ومن البديهي أن يتساءل كل من يرى الصورة: هل فعلاً بن عزوز هو الذي أصلح العنوان بيده كما يدعي المؤلف؟ وقبلها هل فعلاً يوجد هذا الكتاب؟ وبالرجوع إلى إصدارات المؤرخ ابن عزوز حكيم التي جمعتها الدكتورة عزيزة بناني في كتابها “فهرس مؤلفات وأبحاث المؤرخ الباحث محمد ابن عزوز حكيم (1942-1997)” وإلى أعمال الراحل انطلاقاً من 1997 حتى وفاته سنة 2014، والتي تجاوزت 320 كتابا وبحثا، منها (سلسلة المقاومة المسلحة في شمال المغرب) التي تضم 8 عناوين بعضها في جزئين وحتى ثلاثة أجزاء وبعضها لم يعرف النور بعد. ومن هذه الكتب، نجد كتاب “موقف الشريف الريسوني من الإستعمار الفرنسي”، تطوان 1981. لم نجد أثرا لكتاب بالعنوان الذي أشار إليه مولاي علي – موقف الشريف الريسوني من الإستعمار الإسباني – وإذا كان كما قال “غير المنشور” فإننا ننتظر ظهور هذا الكتاب، وإن كنا نستبعد وجوده لأسباب عديدة. خاتمة تكشف الوثيقة الريسونية بين سطورها عن حقائق وأسرار في غاية الأهمية حول شخصية سياسية ملمة بالسياسة الدولية، لن نكون مبالغين إذا قلنا إن جل كتب التاريخ التي تناولت شخصية الشريف مولاي أحمد الريسوني مشوهة وتنقصها الصفة العلمية. فإذا كانت الأسطورة والمحاباة والخيانة هي السمة التي طبعت الكتابات المغربية والعربية، نجد الكتابات الغربية وخاصة الإسبانية مضللة أفرطت في تشويه صورته. لا جرم أنّ تاريخ “بلريسول” محطة مهمة لمعرفة مرحلة من تاريخ المغرب منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في أوج الصراع بين القوى الأوروبية للسيطرة العسكرية على البلاد. لذلك فهو يحتاج إلى مراجعة وتدقيق وإعادة بناء المشهد العام لهذه الحقبة خاصة إذا كانت هناك وثائق بين الضفتين مازالت لم تقل بعد كلمتها. *باحث مغربي مقيم بإسبانيا