في التجربة الصينية التي تناولتها التدوينة السابقة إرهاصٌ لصيغة بديلة للتنمية عنوانها العريض"التحوُّل الإيكولوجي"، وهو تحول يُضارع ذلك "التحوُّل الكبير" (K. Polnyi, La grande transformation, Gallimard,1983) الذي عرفته الرأسمالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والمرتبط بالمنظومة الماكرواقتصادية الفوردية (نسبة إلى فورد) الجامعة بين قوانين السوق وآليات الضبط، بين الإنتاجية الاقتصادية والحماية الاجتماعية، بين رأس المال والعمل، بين الاستهلاك الداخلي والتبادل الخارجي. التحول الإيكولوجي هو المدخل الرئيس إلى الاقتصاد الأخضر والأزرق الذي لا يضاد الطبيعة، ولا يُسْرِف في استغلال نباتاتها، ومياهها، وهوائها. أخبرني الصديق الأستاذ محمد محتان عن تأسيس "جمعية أمان لأم الربيع". وكلمة "أمان" تعني الماء في اللغة الأمازيغية. مبادرة تستحق التنويه، والتشجيع والدعم. لأن الماء، مثله مثل الهواء، خيْرٌ مشاع، لكنه لم يعُد مُتاحاً كما كان من قبل، بل هو اليوم ينحو نحو النُّدْرة، كما تنحو الشمس نحو المغيب، بفعل "البصمة الإيكولوجية"، وهي نتيجة حتمية للغريزة الإنتاجوية، الاغتصابية للطبيعة وللبيئة، التي هي النزعة الطاغية على الرأسمالية في طورها النيوليبرالي. وبطبيعة الحال، فإن الكارثة البيئية التي لا ريب فيها، سوف تصيب الكُلَّ في مقتل إن استمر الافتراس، البلدان المُصنَّعة الضالعة في الغَصْب، والبلدان النامية المُقْتفِية أَثَرَها، على حد سواء. التغيُّر المناخي في المغرب تكشف عنه سنوات الجفاف التي هي سنوات عجاف، كما تكشف عنه السيول الجارفة للبلاد، والعاصفة بالعباد (سنة 1995 في أُوريكا، 1996 في الدارالبيضاء والمحمدية، 2000 في شمال المغرب، 2002 في المحمدية، 2006 في الراشدية، 2009 و2010 في الغرب، والحوز وسوس). كل المؤشرات تدل على أن غَضَب الطبيعة لن يهدأ ، وأن الظواهر الجوّية من احترار وصقيع ورياح وفيضانات لن تزيد سوى سوءاً، وقساوة على الناس الضعفاء، خاصة بالمرتفعات والجبال (25 ٪ من التراب الوطني ، 24٪ من الساكنة، 30٪ من الاستغلالات الفلاحية، 70٪ من الثروات المائية، 62٪ من الغابات). الخطاب الرسمي يفيض بمفردات تُفْصِحُ عن وعي بالتحديات البيئية، وبالرهانات المرتبطة بالتنمية المستدامة. هل يكفي الوعي الذي لا يلازمه الفعْل لكي لا تتيه السفينة في القاموس؟ الرؤية التنموية البديلة هي التي من شأنها أن تجُبَّ، بالتدريج، السياسات المُبدِّدة للبيئة، والبرامج المُبذِّرة للثروات. مخطط "المغرب الأخضر"، على سبيل المثال، يتمادي في تصدير المنتجات الزراعية المُسْتنزِفة للمياه على نُدْرتها، بينما تقتضي السياسة العقلية أن يتوقف النزيف البيئي، وأن تسلك بلادنا سبيل النمو الحسن الذي هو سيبل التقدم الحسن، الذي هو سبيل الأمان بالمعنيين العربي، والأمازيغي حتى لا تقع حرب الماء عندنا، وبيننا.