استضافت المكتبة الوطنية بالرباط، مساء الجمعة 09 يناير الجاري، حفل تقديم كتاب «إيكولوجيا الأمل» بمشاركة عدد من الأساتذة : إلهام السوسي العبدلوي، أستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، عبد اللطيف البريكي سابق بكلية الحقوق، محمد العربان بمركز البحث العلمي ونائب رئيس جمعية عمل المواطنة والإيكولوجيا, وقد سير اللقاء، الإعلامي الصافي الناصري. تناولوا كتاب الأستاذ عمر الزيدي من الجوانب المتعددة على المستوى الإيكولوجي، والإقتصادي والإجتماعي والسياسي. وذلك باعتبار أن الزيدي عمر أعد كتابه، حسب ما جاء في متنه، «انطلاقا من الوعي التام بالعلاقة المعقدة بين الأزمة الإجتماعية والأزمة الإيكولوجية والأزمة الديمقراطية». اغتنمنا هذه المناسبة وأجرينا معه الحوار التالي: { أصدرت مؤخرا كتاب «إيكولوجيا الأمل»، ما هي أهم خلاصاته؟ فضلت تعويض الخلاصة ب»استئناف البدء» وعنونتها ب»خطاب للمستقبل» لما يكتسيه موضوع الإيكولوجيا من أهمية قصوى في المعيش اليومي لجميع البشر وما يتطلبه من فعل سياسي باستناده على العلم وبحثه الدائم لتحقيق الإنصاف الإجتماعي والمساواة وسيادة حقوق الإنسان. إنه تفكير القرن 21 ودعوة إلى تغيير فلسفة الحياة من أجل العيش أحسن في ظل السلم واستغلال أقل للبشر والطبيعة وغاز ثاني الكاربون أقل وحفاظ للثروات غير المتجددة للأجيال القادمة. أوضح أكثر : عاش البشر منذ 200 ألف سنة في انسجام تام مع الطبيعة الذي هو جزء منها، وذلك وفق شروط تحمل الكرة الأرضية. وفي مغامراته التاريخية نحو التقدم والتطور أحدث العديد من التقنيات والوسائل لإستغلال ثروات الأرض، وفي مسيراته التاريخية أحدث العديد من المظالم في بعضه البعض وانقسم إلى طبقات وفئات حسب كسب الثروة والقوة والجاه. وفي كل ذلك بقي في حدود تحمل الكوكب الأزرق، إلى أن جاء عصر الثورات الصناعية الأولى والثانية ثم الثورة التكنولوجية والإعلامية فكثرت الحروب والتصفيات العرقية والهوياتية وازداد التجبر والإعتداء ليمس المحيط الحيوي للطبيعة بحيث اختل التنوع البيولوجي للكائنات النباتية والحيوانية مما أصبح يهدد استمرار الحياة فوق الكوكب خاصة مع ازدياد الإحتباس الحراري الذي يؤدي إلى ازدياد حرارة الغلاف الجوي مع تأثيره على المناخ واختلال لإنتظام الفصول ووصول الحرارة إلى درجاتها القصوى التي تعطينا الجفاف وزحف التصحر وكذلك التساقطات الكثيرة وغير العادية في مدة زمنية قصيرة. الخطير في الأمر هو أن نفس القوى المالية والإجتماعية المعتمدة على اقتصاد السوق والمتسببة في مآسي البشرية، بحيث 20 في المائة من سكان الأرض تستفيد من 80 في المائة من ثرواتها، هي نفس القوى المتسببة في اختلال التوازن الطبيعي للكرة الأرضية وفي الإحتباس الحراري، فهي تعتمد على الإنتاجوية المتطرفة والإستهلاك المتطرف وتغرق الدول والأفراد بالقروض. { كيف السبيل لتجاوز هذا الوضع، فهو غير مرتبط بوطن بعينه ولكن له طابع عالمي؟ صحيح، ليس مرتبط بوطن واحد، فهو مرتبط بنظام اقتصادي نيو-ليبرالي معولم، لكن مراكزه القوية تتحمل فيه المسؤولية الرئيسية، ذلك أن نتائج التحولات المناخية لا تطال الغرب وحده، بل تطال كل بقاع الدنيا، بنغلاديش أحسن مثال، فهي مهددة بالغرق في حدود 2040 وكذلك عدة جزر والمناطق المنخفضة بما فيها حوض النيل وسواحل المغرب الكبير. لذلك يرفع الإيكولوجيون شعار واضح «التفكير كونيا والعمل محليا». فالمطروح هو تغيير فلسفة الحياة، وتغيير نمط الإستهلاك مما يقتضي نمط الإنتاج ونموذج التنمية الذي يعتمد على الربح وإغراق السوق دون الإهتمام بمختلف الشرائح الإجتماعية للأجيال الحالية والأجيال المقبلة. فلابد من بديل اقتصادي متحمل في إطار التنمية المستدامة. ولعل «الإقتصاد الأخضر» يشكل خطوة هامة في هذا الإتجاه. فهناك بدائل مهمة على مستوى انتاج الطاقة البديلة مثل : الطاقة الشمسية، والريحية، والكتلة البيولوجية، وبدأ الآن الكلام عن الطاقة «إيكو-تيرميك». { هل تعتقد أن هناك وعي إيكولوجي في المغرب؟ صحيح أن الوعي الإيكولوجي لازال في بداياته، فالعمل ينصب عند العديد من الجمعيات المدنية في مجال البيئة وهو مؤشر مهم إلا أنه يبقى غير كاف، بحيث أنه يتعامل مع البيئة كعنصر خارج عن سلوكات وممارسات البشر، وهذا وعي قاصر. من حسن الحظ أن هناك جمعيات لها وعي أعمق، وعي إيكولوجي، يتضح من خلال مناهضة استغلال غاز الشيست، والكفاح ضد تسمم الأنهار (ملوية وسبو) ومناهضة الإستغلال الجائر للغابات واقتلاع الأشجار والمطالبة بإعادة هيكلة المدن واحترام المساحات الخضراء إلخ.... { وماذا عن مخططات الدولة؟ الطاقة الشمسية، الريحية إلخ.... بالنسبة للدولة المغربية، نجد أنفسنا أمام سلوكات متناقضة، وذلك تعبير من جهة عن التفاوت بين المسؤولين في الوعي الإيكولوجي، ومن جهة أخرى سيادة الريع وتجاوز القانون وسياسة «أباك صاحبي»، إذ كيف نفسر مخططات هائلة من حجم مشروع «نور» لإنتاج الطاقة الشمسية والمولدات الريحية في الشمال وحوض الصويرة وغيره، وفي نفس الوقت إقامة اتفاقيات مع شركات بترولية للتنقيب واستغلال «غاز الشيست» بطريقة الإنكسار الهيدروليكي، وهي الطريقة التي تحدث دمار للطبيعة والبشر. وقد حدرنا الحكومة بهذه الأخطار، وأكرر لهم من هذا المنبر، إذا ساروا في هذا المنحى وما يتهيأ في تيمحضيت وطرفاية يدل على ذلك، عليهم أن يودعوا «المخطط الأخضر» في الفلاحة، لأن الإنكسار الهيدروليكي سيسمم النبات والماشية ولن يترك لهم تربة للإستغلال من جراء تسمم المياه في الفرشات العميقة التي تشكل الإحتياطي الوطني. كيف نفسر القوانين المتقدمة بالنسبة لمديرية المياه والغابات ومحاربة التصحر، والميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ويسمح بإعدام آلاف أشجار الأركان في أمسكروض على امتداد 11000 هكتار حيث لم يشفع لهذه الشجرة النبيلة والفريدة في العالم ولا كونها من المحميات التي ترعاها «الأونيسكو». هذا هو التناقض الذي تعيشه الدولة، وهذا لا شك أنه تعبير عن التناقضات التي تخترقها والتي تدفع إلى استفادة المفسدين والمصالحيين في مختلف المستويات المحلية والوطنية. { هل بالإمكان توضيح التمييز بين البيئة والإيكولوجيا؟ البيئة يعنى بها كل الكائنات الموجودة في الكون، من نبات في اليابسة وفي البحر وحيوانات مختلفة بما فيها من أسماك وتربة وماء وهواء، والإنسان يشكل جزء من هذه البيئة وليس خارج عنها. أما الإيكولوجيا فهي في التعريف الأكاديمي هي علم دراسة العلاقة بين مختلف الظواهر البيئة. من هنا يتبادر السؤال عن «الإيكولوجيا السياسية» هل هي علم أم سياسة؟ إذا كانت علم فقط، لماذا لا نتكلم عن الإيكولوجيا بتعريفها الأكاديمي وكفى؟ ويبقى مجالها أكاديمي محض، تعنى بدراسة العلاقات بين المكونات البيئية المختلفة. هي سياسة إذن؟ سياسة الذين يريدون «إيكولوجيا جيدة» للحياة أحسن. تعتبر الإيكولوجيا السياسة بحق، علم وسياسة في نفس الوقت، إنها سياسة مستندة على العلم. إن الإيكولوجيا السياسية، هي إيكولوجيا الكائن البشري، وهو كائن اجتماعي وسياسي. لا يمكن اختزال الإيكولوجيا السياسية في البيئة والإهتمام بها، أشبه الإيكولوجيا السياسية بمثلث متساوي الأضلاع، الضلع الأول يمثل البيئة، الضلع الثاني يمثل كل العلاقات البشرية الإجتماعية المختلفة، أما الضلع الثالث فيمثل كل العلوم والتقنيات والتكنلوجيات إلخ...إن تفاعل مكونات الأضلاع الثلاث يشكل الإيكولوجيا السياسية، إنها سياسة العيش أحسن في توازن بيئي ونمو اقتصادي وإنصاف اجتماعي وسيادة لحقوق الإنسان.