شهدت مصر، مساء أمس، تطوراً أمنياً خطيراً، بلغ حجم الكارثة، حيث قتل 74 شخصاً على الأقل، وأصيب أكثر من ألف، بعضهم في حال الخطر، في مواجهات بين مشجعي مباراة لكرة القدم في إستاد مدينة بور سعيد، وذلك في حادث أثار أكثر من علامة استفهام حول ملابساته وتوقيته وتداعياته المحتملة في ظل أجواء التوتر السياسي الذي تشهده البلاد. وبحسب شهود عيان فإن هذه الأحداث وقعت فور إطلاق حكم المباراة صفارة انتهاء المباراة بفوز فريق «المصري البورسعيدي» على فريق «الأهلي» (3 1)، حيث اندفعت جماهير مشجعي «المصري» نحو المدرجات المخصصة لمشجعي «الأهلي» بسبب ما قيل أنها لافتة «استفزازية» رفعت على مدرجاتهم. وفي حصيلة غير نهائية لضحايا الحادث تحدثت وزارة الصحة عن مقتل 74 شخصاً، وإصابة أكثر من ألف بجروح، بعضها خطيرة، فيما سجل أحد الأطباء الميدانيين وجود إصابات مباشرة في الرأس. وتحدث شهود عيان، عبر موقع «تويتر» عن استخدام المهاجمين مختلف أنواع الأسلحة، من بينها المسدسات والسكاكين والسيوف والعصي. وأظهرت لقطات بثها التلفزيون المصري هجوماً بدا شبه منظم على مدرجات «الأهلي»، في ظل غياب شبه تام للقوات الأمن، التي شوهدت مجموعات منها داخل الملعب من دون أن تتحرك لمنع وقوع المذبحة. وأشارت قناة «أون تي في» التلفزيونية إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تقام فيها مباراة بين «الأهلي» و«المصري» من دون حضور محافظ بور سعيد ومدير الأمن في المحافظة. وتحدث ناشطون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن «مؤامرة مدبرة» ضد مشجعي «الأهلي»، مذكّرين بالدور البارز الذي قام به «التراس» ناديي «الأهلي» و«الزمالك» خلال التظاهرات التي رافقت ثورة 25 يناير ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وما تلاها من تظاهرات ضد المجلس العسكري. وقال أحد سكان بور سعيد، في تعليق على موقع «فيسبوك»، إن»عناصر الأمن هي من فتح البوابات، وقالت للجماهير الغاضبة: روحوا خدوا حقكم بإيديكم علشان كتبوا البلد دي ما فيهاش رجالة»، فيما كتب آخر: «أنا من بورسعيد وكنت استقل ميكروباص، وقال أحد الركاب إنه نزل الملعب، ورجل الأمن قال له: روحوا طلعوا عين أبوهم (الأهلي) دول لأنهم بيقولوا إنكم مش رجالة». وسبق المذبحة حملة تحريض واسعة النطاق منذ يوم أول أمس، إذ كتب عدد من مستخدمي صفحة «محبي فريق المصري البورسعيدي»، عبارات ساهمت في توتير الأجواء، ومن بينها «قولوا لمشجعي النادي الأهلي اللي رايحين بور سعيد: ما تنسوش تكتبوا وصيتكم». وفي هذا الإطار، قال النائب البدري الفرغلي (يساري عن محافظة بور سعيد) في مقابلة تلفزيونية إن «الأمن سمح بوجود لافتات تصف أهالي بور سعيد بأنهم (مش رجالة)»، مشيراً إلى أنه «سمح بدخول كافة أنواع الأسلحة إلى إستاد بور سعيد، بما في ذلك السيوف والمسدسات المصنوعة محلياً، وسمح كذلك للجماهير بنزول الملعب». وتأتي هذه المجزرة، بعد يوم من إعلان وزير الداخلية المصري أمام مجلس الشعب، أن مصر ما زالت في حاجة إلى قانون الطوارئ، الذي يطالب شباب الثورة بإلغائه كلياً، ما طرح علامات استفهام إضافية حول ما إذا كان الحادث مدبرا لإشاعة الفوضى وتبرير اتخاذ تدابير أمنية قمعية، خاصة أن الحادث قد جاء في سياق سلسلة من الحوادث الأمنية الخطيرة، ومن بينها عمليات سطو استهدفت مصرفاً وشركتين في أقل من أسبوع، وخطف 25 صينياً من قبل رجال القبائل في سيناء، سرعان ما أطلق سراحهم بوساطة من ضباط في الجيش. وقال النائب زياد العليمي، وهو من شباب الثورة، في مقابلة تلفزيونية، إن «ما يجري أمر غير طبيعي»، موضحاً إن «من غير الطبيعي أن تأتي حوادث السطو المسلح والانفلات الأمني بعد يوم من ترحّم وزير الداخلية على قانون الطوارئ»، ، في وقت طالب النائب الليبرالي المستقل عمرو حمزاوي بالإقالة الفورية لوزير الداخلية ومدير الأمن في بور سعيد والمحافظ. وحمّل نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة»، التابع لجماعة «الإخوان المسلمين»، عصام العريان المجلس العسكري والأجهزة الأمنية مسؤولية المجزرة، مشدداً على ان مجلس الشعب سيقوم بدوره في محاسبة المسؤولين. وقال العريان إن مجلس الشعب المصري سيعقد جلسة طارئة اليوم لبحث أحداث العنف في بور سعيد. وفي أول رد فعل من قبل المجلس العسكري على ما حدث، رفض مدير إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة اللواء إسماعيل عثمان إلقاء اللوم على المجلس العسكري أو وزارة الداخلية في مذبحة بور سعيد. وأضاف في مقابلة مع قناة «المحور» أن قوات الجيش لم تكن المسؤولة عن تأمين المباراة. وفي اتصال هاتفي مع قناة «الأهلي» الفضائية، أكد المشير حسين طنطاوي أن عملية نقل السلطة للمدنيين ستتم برغم هذه الأحداث، مضيفاً «سنجهض أي مخطط لإشاعة الفوضى في مصر». ووعد طنطاوي بصرف تعويضات للمتوفين، وبمعالجة المصابين في مستشفيات القوات المسلحة. كما تعهد بملاحقة الضالعين في هذه الأحداث، لكنه شدد في المقابل على أن إقالة محافظ بور سعيد أو مدير الأمن في المحافظة غير مطروح الآن. أما وزارة الداخلية فأشارت في بيان إلى أن «أحداث مباراة الأهلي والمصري شهدت تصعيداً شبه متعمد من قبل بعض الجماهير باقتحام الملعب، وإحداث حالة من الفوضى والشغب»، مضيفة أنه «بالرغم من جميع الاستعدادات والتنسيقات الأمنية التي تم اتخاذها قبل المباراة، إلا أنه كان هناك تصعيداً عدائياً شبه متعمد من قبل بعض الجماهير، التي تعاملت معها الأجهزة الأمنية بحكمة بالغة». أما أولى تداعيات مذبحة بورسعيد فكانت في السويس، فجر اليوم، إذ حاصر المئات من مشجعي النادي الأهلي مديرية الأمن في السويس، في وقت خرجت مسيرات غاضبة في القاهرة وسط دعوات للتظاهر اليوم، تزامناً مع الذكرى الأولى ل«موقعة الجمل».