انتقلت وسائل الاعلام الجزائرية الخاصة والحكومية من الصمت التام تجاه الاحتجاجات الى النقل المباشر للتظاهرات بما فيها التلفزيون الحكومي، ومع ذلك ما زال عمل الصحافة معقدا ويتعرض للنقد بشكل دائم. والجمعة، يوم التعبئة الكبرى، بثت القنوات الإخبارية الخاصة تظاهرة الجزائر العاصمة مباشرة على الهواء، وكذلك فعل التلفزيون الحكومي الذي نقل أيضا صورًا للمسيرات في مدن عدة في البلاد. ورغم ذلك، كان الآلاف من المتظاهرين يرددون “صحفيين يا الشياتين” ويقصدون “أيها الصحافيون انتم في خدمة السلطة”. كما احتجوا بالصفير على طواقم بعض القنوات وهاجموا الصحافيين الذي كانوا يغطون الحدث. وبحسب الصحافي خالد درارني ممثل منظمة “مراسلون بلا حدود” في الجزائر “تلك هي نتيجة كراهية المتظاهرين” للقنوات الإخبارية الخاصة الرئيسية – النهار والشروق ودزاير نيوز – لأنهم تجاهلوا تمامًا التظاهرات الأولى في 22 فبراير وفي الأيام التالية لها. وكان ذلك قرارا صادما للمتظاهرين الجزائريين من القنوات التي عادة ما تتحمّس للبث المباشر للأحداث. ولكن تلك القنوات هي أيضا ملك لرجال الأعمال المرتبطين ارتباطا وثيقا بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل ان يستقيل. وأضاف درارني الذي يعمل مراسلا للعديد من وسائل الاعلام الأجنبية، “منذ ذلك الحين تحاول القنوات تصحيح الخطأ بتغطية التظاهرات (…)، لكنهم في الوقت نفسه ينقلون اتهامات بأن الاحتجاجات جزء من مؤامرة وكل ما يمكن أن يضر بصورة الحركة”. استياء وفي الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، أدى الصمت التام خلال الأيام الأولى للاحتجاج والحذر مما سيليه إلى استياء كبير داخل قاعات التحرير، حيث رفض بعض الصحافيين أن يكونوا “الغائبين الرئيسيين في المسيرة الجزائرية نحو الحرية والديموقراطية”. ويقوم بضع عشرات من الصحافيين من الإذاعة والتلفزيون العامين باعتصام أسبوعي كل اثنين للمطالبة بمزيد من الاستقلالية. وتأسفت مقدمة الأخبار بالفرنسية في قناة “كنال ألجيري” إيمان خميسي لأن “نشرات الأخبار هي التي تمثل واجهة القنوات العامة الخمس، لكنها لا تترجم المطالب الشعبية الحقيقية للجزائريين”، ما يقلل من تأثير شعارات الاحتجاج. ومع ذلك، في الأيام الأخيرة، “تم فتح نوافذ صغيرة للتعبير الحر مثل برامج متخصصة حيث يمكننا دعوة أشخاص من أطياف مختلفة، بما في ذلك المعارضة، بدون رقابة” كما قالت خميسي. وبذلك أصبح المعارضون الذين قاطعتهم وسائل الاعلام الحكومية يشاركون في نقاشات على الهواء في التلفزيون وكذلك في الاذاعات المملوكة كلها للدولة. وقال عمر بلهوشات، مدير صحيفة الوطن اليومية الناطقة بالفرنسية، إن “الأمر الذي يلفت الأنظار أكثر هو تطور وسائل الإعلام العامة، وخاصة الإذاعة (…) بفضل نضال الصحافيين، هناك انفتاح أكبر على المجتمع”. وبحسب صحافية من القناة الإذاعية الثالثة الناطقة بالفرنسية لم تشأ كشف اسمها، فإن البرامج الحوارية “المحظورة لسنوات، قد عاودت الظهور عدة مرات في الأسبوع، لأن الغالبية العظمى من الصحافيين يساندون الحركة الاحتجاجية”. كما حصلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية على بعض الحرية غير المتوقعة، بحيث أصبحت تنقل مطالب الاحتجاج. في عام 1989، مع نهاية هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية واحتكار الدولة لوسائل الإعلام وُلدت صحافة خاصة بشكل ملحوظ. لكن حرية التعبير الكبيرة التي تمتعت بها تعرضت لخطر شديد في عام 1992، مع بداية عقد من الحرب الأهلية التي شهدت اغتيال العديد من الصحافيين على أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة، فضلاً عن الرقابة التي مارسها الجيش. وبعد عشرين عامًا من حكم عبد العزيز بوتفليقة، تراجعت الجزائر في شكل كبير على التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود”. وهي تحتل حاليا المركز 136 من أصل 180، وخصوصا بسبب “القيود المالية للإعلام من قبل السلطات”. حذار الاخبار الخاطئة لا تزال الصحافة تعتمد إلى حد كبير على الإعلانات الحكومية وشبه الحكومية، والتي تمنحها وكالة إعلانات حكومية أيضا بطريقة غير عادلة. أما بالنسبة للإعلانات الخاصة، فهي تأتي أساسًا من مجموعات اقتصادية مرتبطة غالبًا بشكل او بآخر بالسلطة ، كما يوضح رضوان بوجمعة، الاستاذ في المدرسة العليا للصحافة، مشيرا إلى أن تعددية وسائل الإعلام “تمثل التنوع داخل زُمر النظام اكثر من التنوع بين الجزائريين “. وحذر بوجمعة ان تطورات الأسابيع الأخيرة لا تقود بشكل متجانس نحو حرية أكبر للتعبير وقال “انتقلنا من الرقابة إلى الأخبار الخاطئة، خصوصا في القنوات الخاصة”. وهناك مبادرات عدة لتعزيز التقدم المحرز مؤخراً. فقد قامت مجموعة من الصحافيين من القنوات العامة بصوغ مدونة سلوك لأخلاقيات المهنة تضم 40 مادة، تم تسليمها للمدير الجديد للتلفزيون على أمل أن يتم تبنيها. وشكّل وزير الاتصال حسان رابحي لجنة لضمان “الشفافية” في منح الإعلانات الحكومية، حتى لا تستخدم أداة للضغط على وسائل الاعلام. وعلق عمر بلهوشات “هذه الحركة الشعبية ستفتح آفاقا تشمل حرية الصحافة، لكن لا شيئ تحقق حتى الآن”.