يعود نقاش لغة التدريس في المغرب ليطفو على السطح من جديد لكن هذه المرة بشكل مختلف عبر مقترح قانون إطار يقضي بتدريس بعض المواد العلمية، في السلك الثانوي التأهيلي، باللغة الفرنسية رغبة في تجاوز الهوة الحاصلة على المستوى اللغوي بين التعليم الثانوي والتعليم العالي، وهي الهوة تخلق مجموعة من الصعوبات لدى المتعلمين الذين يقررون متابعة دراستهم بكليات العلوم أو كليات العلوم التقنية أو كليات الاقتصاد أو بواحد من المعاهد العليا التي يتم فيها التدريس باللغة الفرنسية… قد يبدو الأمر مقبولا إن ما نحن نظرنا للغايات "السطحية" التي سطرها هذا المقترح، إلا أن هذه الغايات نفسها غير مقنعة. لذلك فالحل الأول والأخير هو تعريب التعليم العالي وليس "فرنسة" التعليم الثانوي. لماذا نقول ذلك؟ أولا: يجب أن نعرف أن ثلثي الإنتاج العلمي في العالم يتم باللغة الإنجليزية سواء في الطب أو الهندسة أو الفيزياء أو الكيمياء أو الاقتصاد… والباقي يتوزع بين اللغة الألمانية واليابانية والصينية ولا تكاد الفرنسية تجد لنفسها مكانا بين هذه اللغات. لهذا نتساءل، إذا كانت أغلب الأبحاث والمعارف التي يتم تدريسها في جامعاتنا ومعاهدنا هي في الأصل مترجمة للفرنسية عن اللغة الانجليزية فما الذي يمنع من تجاوز الفرنسية لننقلها مباشرة من الإنجليزية إلى العربية؟ لماذا نجعل الفرنسية وسيطا بين لغة المعرفة(الانجليزية) ولغة المتعلم المغربي (العربية).. ثانيا: فاعلية التحصيل المعرفي دائما ما ترتبط بمدى إتقان المتعلم اللغة التي تلقن بها المعرفة لذلك فمن البديهي أن اللغة الأصلية(العربية) هي أكثر ما يتقنه المتعلم المغربي مهما بلغت درجة إتقانه للفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها من اللغات الكونية، لذلك فالأجدر أن يتم تدريس المواد العلمية، سواء في السلك الثانوي أو العالي، باللغة العربية خاصة وأن المصطلحات العلمية في التخصصات التي تدرس بكليات العلوم وكليات الطب والصيدلة وكليات الاقتصاد والمعاهد العليا… لا يتعدى 5 % والباقي مجرد لغة تواصلية.. وهنا نورد مثال الطبيب عدنان العلوي الاسماعيلي الذي قرر عن قناعة اختيار كتابة رسالته للدكتوراه(الطب المجتمعي والصحة العمومية" باللغة العربية والذي أكد كما أكد المشرفون على بحثه أن العربية جعلت عمله وتحصيله أكثر جودة على عكس الفرنسية التي تؤثر على تحصيل الأطباء وكفاءتهم.. ثالثا: يجب أن نعرف، وهذا هو الأهم، أن اللغة أكبر من أن تكون مجرد وسيلة لنقل المعرفة لأنها و قبل أن تكون ناقلة للمعرفة فهي ناقلة لثقافة وهوية مجتمع بأكمله إذ لا توجد لغة مفرغة من حمولتها الثقافية مهما كان المجال المكاني المستعملة فيه.. لذلك فمحاولة تصوير لغة التدريس العلمية كمجرد وعاء أجوف محمل فقط بالكلمات والإشارات المعرفية هو توجيه خاطئ للنقاش من قِبل "الطابور الفرنسي" بالمغرب.. أقصد القول أن النقاش بشأن لغة التدريس هو في الأصل صراع هوياتي بين من أجندتهم هي خدمة فرنسا وبين من يؤذيهم انهيار القيم المغربية.. في الأخير نعود لنقول عن قناعة تامة، أن الحل لم يكن ولن يكون أبدا في اللغة الفرنسية وأن المخرج من أزمة تدهور منظومة التربية والتعليم يبدأ أولا عبر تعريب شامل لهذه المنظومة بدءا من التعليم الأولي وصولا للتعليم العالي طبعا مع الانفتاح الإيجابي على اللغات الأجنبية وأولها الإنجليزية.