1- المدرسة :مؤسسة لاكتساب وتنمية الرصيد اللغوي للمتعلم المدرسة هي مجتمع صغير داخل كيان المجتمع الكبير, لها نظامها الخاص و طبيعتها المتفردة ومعطياتها المتميزة , وهي مؤسسة تهدف إلى تكثيف وتطوير عملية التلقين والتثقيف الاجتماعي وتخضع لنظم مدروسة ترتقي بها عن العفوية أو العشوائية , والمتعلم يكتسب منها ما يكتسب من مهارات اللغة على نحو مكثف ومنتظم ومتوازن ومتدرج ومستمر ويتوافر لديه من البواعث والحوافز لهذا الاكتساب ما لا يتوافر في المجتمع في إطاره العام وهذا ما جعل المدرسة مصدرا أساسيا لاكتساب اللغة . يقول جون ديوي John Dewey أن المدرسة (مؤسسة اجتماعية ….وهي صورة للحياة الجماعية التي تتركز فيها جميع تلك الوسائط …واهم هذه الوسائط هي اللغة…و من هنا اعتبرت مشكلة تنمية المدارك اللغوية للمتعلم أول مشكلة تقابل المدرسة عند التحاق الطفل بها ) و يرى بياجي أن الأفكار والمفاهيم تكتسب من المجتمع والوسيلة الأساسية لاكتساب هذه الأفكار والمفاهيم هي اللغة , ولذالك فاللغة في رأي بياجي تساعد الطفل على تصنيف ادراكاته وعلى تثبيتها في ذهنه وعلى التفكير المستمر في العلاقات . على ضوء ما سبق يمكن القول أن المتعلم في المدرسة يعيش اللغة في مجاليها النظري والتطبيقي ويعيشها بمختلف مظاهرها ومستوياتها وأشكالها كتابة وتلقينا وتعبيرا, لان المؤسسة التعليمية تنتسب إلى “القطاع الاجتماعي” , وعلاقة بذالك يتم ربط مسالة اللغة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فتبرز كوسيلة طبيعية للتواصل بين أفراد المجتمع , ووحدة المجتمع تفرض استعمال اللغة الوطنية أو بالأحرى لغتينا الوطنيتين( العربية و الامازيغية) , ولكن هذا لا يمنع من التفتح على اللغات ألأجنبية ,للاستفادة من تجارب الآخرين بلغاتهم وكذلك باعتبارها لغات العولمة والبحث العلمي والتواصل مع الثقافات والحضارات الإنسانية . 2- تدريس اللغات الأجنبية …..شر لابد منه انه لا يمكن – مثلا – أن ندعو إلى ملائمة التعليم مع التحولات العالمية أو مع متطلبات سوق الشغل وندعو في نفس الآن للاقتصار على لغة واحدة , وذالك لسبب بسيط هو أن لغات الوظائف الجديدة و في أغلبية المهن الجديدة هي اللغات العالمية المستحوذة على سوق الخدمات من قبيل الفرنسية والانجليزية والألمانية… , كما أن عولمة المعرفة تفرض الانفتاح على لغات البحث العلمي في المجال الاقتصادي والتكنولوجي حيث لا يمكن أن تكون هناك متابعة ومشاركة في البحث العلمي و الإبداع والابتكار التكنولوجي إلا بواسطة هذه اللغات المستحوذة على السوق اللغوية العالمية , لذا على مدارسنا أن تعمل على تهيئ الأجيال للتعامل مع رهانات العولمة في مختلف حقولها ومنها الحقل اللغوي. لقد لوحظ – في السنوات الأخيرة – أن غالبية الأسر من الفئات الاجتماعية المتعلمة أو المتوسطة يدفعون أبنائهم – وبقوة – ويحفزونهم للإقبال على تعلم اللغات الأجنبية , إما لان هذه اللغات كما سبق القول مفروضة في مجال التعليم و العمل ولا مناص من اكتسابها وتعلمها وممارستها ومن تكريس الاهتمام بها , أو لتوافر فرص العمل المغرية بها والداعية لتعلمها والمشجعة على تغليب الاتجاه إليها , أو لمجرد الانبهار بها واعتبارها عنوانا للتقدم والحضارة . هكذا عرف تدريس اللغات الأجنبية في منظومتنا التربوية تحولات عديدة منذ الاستقلال إلى الآن , سواء من حيث الأسلاك التعليمية أو من حيث الغلاف الزمني المخصص لها , والمكانة التي تحتلها في المقررات والامتحانات , أو الدور الذي اسند إليها في تدريس بعض المواد .. حتى أصبح من الصعب مثلا اعتبار اللغة الفرنسية مجرد لغة أجنبية بعدما تحولت إلى لغة تدريس لبعض المواد الدراسية كالمواد العلمية وعلوم الاقتصاد ومواد الشعب التقنية . 3-الميثاق الوطني يزيد من مستوى الصبيب اللغوي الأجنبي نعتقد أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد سار في تعزيز الوجود اللغوي الأجنبي داخل فضاء السوق اللغوية التعليمية , فأعطى أهمية قصوى لهذه اللغات الأجنبية , ووسع من امتدادها الكمي والتربوي داخل النظام المدرسي , وذلك بإقرار اللغة الأجنبية الأولى ( الفرنسية ) منذ السنة الثانية من التعليم الابتدائي إضافة إلى إدخال اللغة الأجنبية الثانية قصد الاستئناس في التعليم الابتدائي , أما في التعليم الثانوي الإعدادي و ألتأهيلي فكان للغات الأجنبية أهمية اعتبارية . انه قبل صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين في شتنبر 2000 كانت اللغات الأجنبية تنقسم إلى : لغة أجنبية أولى وهي اللغة الفرنسية وتدرس بحصص متفاوتة ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي إلى نهاية التعليم الثانوي ألتأهيلي, ولغات أجنبية ثانية كالانجليزية والألمانية والاسبانية والايطالية وتدرس بحصص زمنية متفاوتة . – في السلك الابتدائي كانت اللغة الفرنسية تدرس من المستوى الثالث ابتدائي إلى المستوى السادس ابتدائي بمعدل 8 ساعات في الأسبوع وبغلاف زمني يقدر 1024 ساعة . – وفي السلك الإعدادي كانت اللغة الفرنسية تدرس في مستوياته الثلاث بغلاف زمني قدره 576 ساعة ودون أن تدرس فيه أي لغة أجنبية ثانية. – وفي السلك الثانوي ألتأهيلي يتراوح الغلاف الزمني لتدريس الفرنسية ما بين 320 و480 ساعة و يتراوح الغلاف الزمني لتدريس اللغات الأجنبية الأخرى بنفس المستويات ما بين 224 و416 ساعة ويتغير هذا الغلاف الزمني الأسبوعي حسب السلك المتخصص للمادة بحسب الشعب والتخصصات . بعد ذالك عرفت المناهج والبرامج التعليمية تحولات بفعل الإصلاحات التي واكبت مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين وهكذا مع بداية الموسم الدراسي 2003/ 2004 تم توسيع تطبيق المناهج والبرامج الجديدة في السنتين الثانية والرابعة ابتدائي حيث تم إدراج تدريس اللغة الفرنسية في السنة الثانية ابتدائي مع الزيادة في الغلاف الزمني المخصص للمادة في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي ليرتفع الغلاف الزمني المخصص للغة الفرنسية بالنسبة لهذا السلك من 1024 إلى 1091ساعة . (يدرج تعليم اللغة الأجنبية الأولى في السنة الثانية من السلك الأول للمدرسة الابتدائية . ويدرج تعليم اللغة الأجنبية الثانية ابتداء من السنة الخامسة من المدرسة الابتدائية .) (الفقرة 117 من الميثاق الوطني ) وفي التعليم الثانوي الإعدادي تم الشروع في تدريس اللغة الانجليزية والاسبانية في السنة الثالثة من هذا السلك ليعتزز مكون اللغات الأجنبية الثانية ويرتفع الغلاف الزمني المخصص لها . وفي التعليم الثانوي ألتأهيلي تم تخصيص غلاف زمني أسبوعي موحد قوامه 5 ساعات بالنسبة للغة الفرنسية وغلاف زمني مماثل بالنسبة للغة الأجنبية الثانية . ومع بداية الموسم الدراسي 2006/2007 تم التأكيد على تعميم اللغة الأجنبية الأولى حتى تشمل جميع مستويات سلك التعليم الابتدائي ليرتفع الغلاف الزمني الإجمالي لهذا السلك من للغة الفرنسية ليصل إلى 1139 ساعة . ونفس الإجراء والتغيير الكمي مس السلكين الإعدادي والثانوي مما يدل على التطور الكمي لهذه المادة , وخصوص اللغات الأجنبية الثانية كالانجليزية والاسبانية والألمانية والايطالية . ومقابل هذا التعزيز الكمي لتدريس اللغات الأجنبية بسلك التعليم الثانوي ألتأهيلي سيعرف هذا الأخير تعزيزا نوعيا باعتبار الموجهات الجديدة للبرامج والمناهج الدراسية ذات العلاقة والمستندة إلى مقاربات تقوم على التقليص من الكلفة من حيث الزمن مع الرفع من نجاعة التدريس والزيادة في مردود يته. وذالك بالانتقال من اعتبار اللغات الأجنبية موادا مدرسة إلى اعتبارها لغات للتلقين والتدريس . ( يدعم تعليم كل لغة أجنبية باستعمالها في تلقين وحدات أو مجزوءات ثقافية , تكنولوجية أو علمية تسمح بالاستعمال الوظيفي للغة , والتمرن على التواصل بها , وبالتالي توطيد كفايات التعبير اللغوي نفسه… وذالك داخل الحصص المخصصة للغة المعنية) (الفقرة 117 من الميثاق الوطني) ولتحقيق ذالك يدعو الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى الرفع من مستوى تكوين مدرسي اللغات بصفة منهجية ومبرمجة وكذا إجراء تقويم منتظم لحصيلة المكتسبات اللغوية حتى يتحقق الانتقال من مرحلة التلقين باللغة الأجنبية إلى مرحلة التدريس بها . 4- المجلس الأعلى يضع الأصبع على مكمن الداء اعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعلمات وفي النجاح المدرسي , وفي المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة , جاء في تقرير المجلس الأعلى للتعليم عن واقع المدرسة المغربية بعد مضي سنوات من بدا تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين حين لاحظ المجلس أن هناك حصيلة متباينة : هناك انجازات حقيقية وهناك اختلالات مازالت قائمة ومن ابرز هذه الاختلالات ما يتعلق بضعف اكتساب اللغات الوطنية والأجنبية – على السواء- حيث أن هناك نسبة مهمة من تلامذتنا تعاني من نقص في التحكم اللغوي سواء تعلق الأمر باللغة العربية أم باللغات الأجنبية . وتظل (إشكالية التحكم في اللغات إحدى النقائص الأكثر حدة على مستوى التحصيل البيداغوجي لكونها لا تؤثر على المدرسة فحسب بل وعلى المحيط المهني والاجتماعي . فضعف التحكم في الكفايات اللغوية لدى فئات من تلامذتنا كما تؤكد ذالك الآراء المعبر عنها من قبل المدرسين والمهتمين بالشأن التربوي يعد امرأ مقلقا بالنظر إلى كون إتقان اللغات يمثل عاملا حاسما في الارتقاء الدراسي للتلميذ وفي مسار حياته . ويشكل التمكن من اللغة أساس تنمية الكفايات اللازمة لمختلف التعلمات ولا سيما فهم خطاب الغير واستيعاب المعلومات والقدرة على التواصل والتعبير الشفهي والكتابي وتملك المعرفة والثقافة ونقلهما وبناء الشخصية والانفتاح على العالم وفهمه والتفاعل معه .) ( المجلس الأعلى للتعليم – التقرير السنوي 2008- ) لاحظ المجلس الأعلى للتعليم أن التباين بين مستوى التلاميذ والغلاف الزمني المخصص لتدريس اللغات يستدعي مراجعة طرائق تدريسها التي قد تكون غير ملائمة للتحكم في الأداة اللغوية من قبل التلاميذ , ويحمل هذا المعطى نوعا من المفارقة إذ من المفروض أن يكون التلاميذ قد تلقوا في نهاية التعليم الإلزامي ما يناهز 3800 ساعة تدريس باللغة العربية ليصل الغلاف الزمني إلى 5000ساعة في نهاية التعليم الثانوي ألتأهيلي وهو غلاف زمني يعتبره الخبراء كاف لإتقان استعمال اللغة و أي لغة . ( – التقرير السنوي للمجلس الأعلى 2008-) 5- الرؤية الإستراتيجية : تسريع حركية الإصلاح / توسيع مجال اللغات / تنويع لغات التدريس اعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعلمات وفي النجاح الدراسي وفي المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة وفي النهوض بالبحث وفي تحقيق الاندماج فان هذه الرؤية الإستراتيجية جعلت من الرقي باللغات الأجنبية إلى مستوى لغات التدريس رافعة قائمة بذاتها . وفي هذا الإطار اعتبر المجلس (إن تحديد وضع كل لغة على حدة داخل المدرسة يعد عاملا حاسما في تطوير تدريس اللغات والتدريس بها ومن تم تحقيق التكامل فيما بينها وكذا الانسجام بين المكونات القطاعية للمنظومة ) فقرة من الوثيقة الإصلاحية. وحسب المادة 86 من الرؤية الإستراتيجية فان تنظيم الهندسة اللغوية المقترحة حسب الأسلاك التعليمية والتكوينية والتي ينبغي الشروع في تطبيقها على المدى القريب و المديين المتوسط والبعيد جاءت كما يلي : -التعليم الأولي : إدراج اللغتين العربية والفرنسية مع التركيز على التواصل الشفهي . -التعليم الابتدائي : إلزامية اللغة العربية في كل مستويات هذا السلك بوصفها لغة مدرسة ولغة تدريس جميع المواد. -إلزامية اللغة الامازيغية في مستويات هذا السلك كافة بوصفها لغة مدرسة مع التركيز على الكفايات التواصلية . -إلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك بوصفها لغة مدرسة مع إدراج اللغة الانجليزية في السنة الرابعة . -التعليم الإعدادي : -إلزامية اللغة العربية في مستويات هذا السلك بوصفها لغة مدرسة ولغة التدريس الأساسية . -إلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك بوصفها لغة مدرسة كما يتم على المدى المتوسط إدراجها لغة تدريس بعض المضامين أو المجزوءات. -إلزامية اللغة الانجليزية بوصفها لغة مدرسة . التعليم الثانوي ألتأهيلي : -إلزامية اللغة العربية بوصفها لغة مدرسة ولغة التدريس الأساس . -إلزامية اللغة الفرنسية بوصفها لغة مدرسة كما يتم إدراجها لغة التدريس بعض المضامين أو المجزوءات في المدى القريب . -إلزامية اللغة الانجليزية بوصفها لغة مدرسة كما يتم إدراجها لغة تدريس بعض المضامين أو المجزوءات على المدى المتوسط . هكذا وضعت الوثيقة الإصلاحية مخططا وهندسة بيداغوجية- لغوية- وجدولا زمنيا لتعليم وتدريس اللغات الوطنية و الأجنبية من أول سنوات التعلم , بل البدء من مرحلة التعليم الأولي لتأهيل المتعلم قصد التواصل مع الذات و الآخر والانفتاح على الثقافات والحضارات الإنسانية, ووسعت الرؤية الإستراتيجية فضاء اللغات داخل النظام المدرسي من خلال جعل : – اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة ولغة معتمدة في تدبير الشأن العام ومقوم أساس من مقومات الهوية المغربية علاوة على كونها اللغة الأساس الأولى للتمدرس. – اللغة الامازيغية وهي –أيضا- لغة رسمية للدولة ورصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء (كما ورد ذالك في الدستور) وما يزال كيفية إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة غامضا . – اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم, باعتبارها من أهم وسائل التواصل والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة , والانفتاح على مختلف الثقافات و حضارة العصر , مع تنمية تدريسها وتعلمها في كل أسلاك التعليم والتكوين وكذا توظيف المقاربات البيداغوجية الكفيلة بتعلمها المبكر. والغاية من هذه الرؤية الإصلاحية اللغوية المقترحة بلوغ الأهداف التالية : – تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التمكن من اللغات فهما ونطقا وقراءة وكتابة وتعبيرا ومن تم تحصل جودة التعلمات . – جعل المتعلم عند نهاية التعليم الثانوي ألتأهيلي متمكنا من اللغتين الوطنيتين ومتقنا للغتين الأجنبيتين على الأقل و أوصت الرؤية الإستراتيجية بتحقيق ذالك عبر: – إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة في ترسيخ الهوية والانفتاح الكوني واكتساب المعارف والكفايات الثقافية . – مراجعة مناهج وبرامج تدريس اللغات الأجنبية طبقا للمقاربات والطرائق التعليمية الجديدة . 6 – كان الميثاق, وجاءت الرؤية , والإشكالات لا تزال قائمة إن إشكال توسيع مجال اللغات الأجنبية, و إشكال التدريس بها ما يزالان يشكلان معضلة كبرى يجب الحسم معهما تربويا وفي إطار سياسة تربوية لغوية وطنية لبلوغ الوضعية المثالية : أولا :إن التوسع الكمي الحالي لفضاء اللغات داخل النظام التربوي لم يكن مطبوعا بالانسجام بين جميع مراحله في التعليم الأساسي والثانوي والعالي , وأدى الارتجال في تدريس اللغات الأجنبية ثم التدريس بها (- الفرنسية – الانجليزية – الاسبانية … ) إلى حدوث صعوبة في الانتقال من مرحلة إلى مرحلة, ومن مسار إلى مسار , ومن مسلك إلى مسلك , مما اضر بهذا الجيل الجديد . و إذا كان تعدد اللغات فيه تعدد للتجارب , وتعدد للمعارف , واستيعاب ما لدى الآخر ,والاستفادة منه , إلا انه يجب أن يكون ذلك مدرجا في تصميم شامل ومتناسق , ومتدرج من البسيط إلى المركب . ومن ” تسلق لغوي” تدريجي بدءا من التعليم الأولي إلى السنة النهائية من التعليم الثانوي. ففي السابق بدأ تعميم التعريب بطريقة تدرجية من الابتدائي إلى الثانوي ,والتعريب هو من بين المبادئ الوطنية الأربعة التي تم الانطلاق منها لبناء المدرسة الوطنية إلى جانب التوحيد والتعميم والمغربة , لكن مع التراكمات الإصلاحية الارتجالية والإخفاقات المتتالية و الاختلالات الوظيفية للبرامج التربوية ,وتحديات العولمة بينت أن تلقين المواد العلمية بلغة واحدة زاد المشكل تعقيدا وانعكس بكيفية سلبية على التعليم العالي الذي لم يشمله التعريب , بل ان في غياب التعريب الشامل في ميادين التعليم والحياة الاقتصادية والاجتماعية غابت الجودة التعليمية وغابت السياسة اللغوية الوطنية للدولة في إعداد ناشئة متعلمة قادرة على استيعاب ما لدى الآخر والاستفادة منه. إن علوم العصر اليوم تتطور بلغات أخرى , و ليست الفرنسية اليوم أقواها بكل تأكيد وهذا ما دفع الوزارة في السنوات القريبة الأخيرة إلى جعل اللغات الأجنبية (الفرنسية – الانجليزية ….) لغات تدريس لبعض المضامين و المجزوءات العلمية والتقنية والتطبيقية وسندها في ذالك ضعف نتائج التعريب وضعف المستوى الدراسي والتناقض بين تعريب المواد العلمية في التعليم الثانوي الإعدادي و ألتأهيلي و الإبقاء في نفس الآن على التدريس باللغة الأجنبية في التعليم العالي ؟ ثانيا : المدرسة ليست بطبيعة الحال المسؤول الوحيد عن ضعف التلاميذ في اكتساب اللغة ولا عن كل الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف اللغوي ولكن وجود هذا الضعف وتفشيه في البيئة المدرسية قد يدل على تقصير المدرسة لدينا أو يدل على قصورها وفشلها في القيام بدورها تجاه اللغة على النحو المطلوب ومن هنا نشأت ضرورة مناقشة الدور الذي تقوم به المدرسة في تلقين اللغة وتنمية حصيلة التلميذ وضرورة تقصي و إقصاء العوائق , وبحث المشاكل التي تواجهها في تأديتها هذا الدور . إن قصور المدرسة أو تقصيرها عن أداء مهمتها في تنمية حصيلة التلميذ اللغوية وفي تطوير مهاراته فيها لها أسباب متعددة ومتشعبة بعضها يعود إلى أساليب ونظم التعليم المتبعة وبعضها إلى الكتب والبرامج والمناهج الدراسية , كما أن وجود لغات أجنبية مزاحمة للغة الأم واللغتين الوطنيتين أو منافسة لها قد خلق نوعا من ا لتدبدب لكن يجب أن نفرق بين وضعية وقيمة تعلم اللغة الأجنبية كجزء من المقرر الدراسي وبين وضع اللغة الأجنبية كلغة تدريس منافسة للغة الوطنية الرسمية. هناك من الدارسين والباحثين من يخالف الرأي المدافع عن إدراج اللغة الأجنبية كلغة تدريس المواد العلمية و التقنية , و يرى أن تعريب المواد العلمية هو مكسب بالنسبة للمستقبل – عكس ما تدعيه الأطراف الأخرى – فالتعريب الذي حصل في منظومتنا التربوية ما هو إلا تعريب وظيفي يسهل على التلاميذ فهم واستيعاب القواعد والمعطيات والمضامين العلمية والتكنولوجية , حيث أن الآليات الذهنية للمتعلم تدرك بيسر ما هو منتظر منه أن يقوم به , لأننا نتكلم معه بلغة وظيفية تواصلية يسهل عليه فهمها و إدراكها أما في حالة التدريس باللغة الأجنبية فالمتعلم مطالب باستعمال مرحلتين من الفهم : فهم رموز اللغة أولا , ثم فهم رموز المادة ثانيا فإذا لم يفهم المتعلم رموز اللغة فلن يتحقق له الفهم الوظيفي اللغوي للمادة . إن التبرير بضعف المستوى العام للمتعلمين لا يمكن إرجاعه إلى التعريب وحده لان هذا الضعف والتردي العام لمستوى التلاميذ يشكل ظاهرة عامة مست جميع المواد بدون استثناء وبالتالي فالمشكل ليس هو التعريب – حسب المدافعين عنه – وإنما المشكل هو وجود خلل في المنظومة التربوية والسياسة التعليمية بكاملها , ثالثا : إن ضعف التحكم في اللغات الأجنبية , إذا كان يعود نسبيا إلى التنوع اللغوي (وليس الازدواج اللغوي فقط )و الذي يعيشه التلاميذ لأنهم مجبرون على التعامل مع أسواق لغوية متعددة : اللغة الأم – لغات الدراسة – لغات التدريس – المصطلحات اللغوية العلمية في مجالات الاقتصاد و الإعلام والتكنولوجيا – …… ان اعتبار التعدد اللغوي مؤشر سلبي على تحسين جودة التعلمات , هو تقييم افتراضي غير صحيح حيث بينت الدراسات والبحوث أن (إتقان الفرد للغته الأولى يسهل عليه تعلم اللغة الثانية) لأنه يكسب خبرة في تعلم اللغة بشكل عام . كما بينت البحوث والدراسات أن الأطفال الذين يتعلمون اللغة الثانية قبل إتقان اللغة الأولى يعانون من اللغة الأولى واللغة الثانية على السواء , ويضعفون في اللغتين معا , لهذا فان تعليم اللغة الثانية بعد إتقان اللغة الأولى قرار في صالح اللغتين في أن واحد , وبناء عليه فان اكتساب اللغة الأولى يؤدي إلى تهيئ المجال لإتقان اللغة الأجنبية الثانية ولممارسة التعلم بها بنجاح دون أن يكون هناك خطر على اللغة الوطنية أو اللغة الأم – رابعا :إن توسيع فضاء اللغات داخل النظام التربوي يستدعي من الوهلة الأولى تصورا سياسيا و لغويا واضحا للدولة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتعليمية , مع انفتاح الفضاء اللغوي المدرسي أمام اللغات الأجنبية للمساهمة عبر هذه اللغات في تكوين شخصية منفتحة على التطورات المعرفية والثقافية , ولكن شريطة أن لا تأخذ مكانة خاصة تخل بالتوازن اللغوي بين اللغات داخل السوق اللغوية الوطنية المدرسية . لكن أن يتم القفز على الثوابت الوطنية الدستورية وتفضيل لغة أجنبية على اللغة الوطنية وإخفاء الفشل في السياسة اللغوية الحالية (التعريب) ,حتى تعود اللغات الوطنية إلى الصفوف الخلفية , وتجد الحجة لصياغة مشروع “إصلاحي” استعجالي فيه استنساخ لنموذج مدارس البعثات التي وجدت أصلا لتعليم أبناء الأجانب. فذالك لن يزيد إلا في تقوية القطبية اللغوية المهينة اقتصاديا وماليا مع إذلال اللغات الوطنية.وعليه بجب التفكير في سياسة تقوي تعليم اللغات الأجنبية دون أن يكون ذالك متناقضا مع سياسة اللغات الوطنية ذات الأولوية . -خامسا : ان التدريس باللغة الأجنبية للمواد العلمية يجب أن يكون دون ما تسرع مرتجل , ودون إدراجها دفعة واحدة, بل بإدماجها في النظام التربوي بشكل متدرج زمنيا ووظيفيا من المستوى الابتدائي إلى المستوى الثانوي سنة بعد أخرى كما حصل مع عمليات تعريب المواد العلمية . أن اللغة هي معرفة المعارف بمعنى انه بواسطة اللغة تكتسب كل المعارف والمهارات والمواقف ومن ثمة فان النجاح أو الإخفاق الدراسيين جد مرتبطين بالتحكم أو بعدم التحكم في اللغة. يرى علماء التربية وعلماء النفس أن النمو العقلي للإنسان منوط بنموه اللغوي وانه كلما تطورت واتسعت لغة هذا الإنسان ارتقت قدراته العقلية فنما ذكاؤه وقوي تفكيره . و أكد الفيلسوف الفرنسي –آتيين كندياك – Etienne Condillac على أن المعارف والمفاهيم والخبرات تستمد أساسا من التجارب الحسية , ولكن الواسطة الأولى لاكتساب هذه المعارف والمفاهيم والخبرات هي اللغة , وبذالك تصبح الأحاسيس واللغة معا أساسا لتكوين الأفكار الكلية وإنشاء العمليات النفسية وتطوير القدرات العقلية وأساسا للذكاء …ومن هذا المنطلق أكد كندياك ضرورة اكتساب المهارة اللغوية كأساس لارتقاء الذكاء والنجاح في الحياة . خلاصة : استنتجنا أن من بين أهم المعيقات البيداغوجية , تظل إشكاليات التحكم في اللغات وهي إحدى النقائص الأكثر حدة على مستوى التحصيل البيداغوجي لكونها لا تؤثر على المدارس فحسب , بل وحتى على المحيط المهني والاجتماعي,وضعف التحكم في الكفايات اللغوية لدى فئات من تلاميذنا يعد أمرا مقلقا بالنظر إلى كون إتقان اللغات يمثل عاملا حاسما في الارتقاء الدراسي للتلميذ وفي مسار حياته. وعليه فمن الضروري حضور لغات أجنبية إلى جانب اللغات الوطنية , وذالك للمساهمة عبر هذه اللغات في تكوين شخصية منفتحة على التطورات المعرفية الثقافية في العالم . ذ:محمد بادرة مدير ثانوية- الدشيرة الجهادية