رسالة تسلّمها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، من نظيره الملك محمد السادس، تعتبر الأولى منذ الحديث قبل شهرين عن وجود “توتر” بين البلدين. رسالة تضيف فصلا جديدا في مسلسل الشد والجذب بين البلدين، من خلال مواقف أو تصريحات تظهر تارة وجود “أزمة صامتة” أو “معلنة”، وتارة أخرى، لا يعدو الأمر أن يكون سوى “سحابة صيف عابرة”، على حدّ وصف سفير المغرب لدى السعودية مصطفى المنصوري. رسالة لم يُكشف عن فحواها، غير أنها جاءت بعد أيام من تصريحات لوزير الخارجية، ناصر بوريطة، قال مراقبون إنها تعكس الأزمة بين البلدين، وقد تزيد من بعد المسافات بين المملكتين. وخلال مؤتمر صحفي بالعاصمة المغربية، نهاية مارس الماضي، قال بوريطة: “مستعدون في جميع الحالات للاستمرار بالتنسيق مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات، لكن الرغبة يجب أن تكون من الجانبين، وليست حسب الطلب”. وجاءت هذه التصريحات بعد أسبوع من اتصال أجراه، في 20 مارس الماضي، العاهل السعودي مع الملك محمد السادس، وهو ما رأى فيه محللون “خطوة” لإعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين عقب فترة من “الفتور”. مواقف معلنة تفجّر استفهامات عديدة حول ما إن كان “التوتّر الصامت” بين البلدين لا يزال سيد الموقف، خصوصا أن تصريحات بوريطة جاءت في مؤتمر صحفي، عقب لقاء العاهلين المغربي والأردني بالدار البيضاء. “أزمة” و”خلاف حقيقي” خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر أنه “من الناحية الدبلوماسية، نقول إن هناك أزمة بين البلدين، ولكن من ناحية الرؤية الاستراتيجية، فهناك خلاف حقيقي بين المصالح الاستراتيجية للرباط والرياض”. وأوضح يايموت أن “الأزمة بين السعودية وقطر تعتبر إحدى الخلافات الجوهرية بين الرياضوالرباط”، في إشارة إلى قطع المملكة والإمارات والبحرين ومصر علاقاتهما مع الدوحة، في يونيو 2017. وأوضح أن “المغرب يعتبر أن أي تحالف عربي يجب أن يُبنى على وحدة مجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن جميع الهياكل (المؤسسات/ المنظمات) العربية جامدة”. وبحسب الباحث المغربي، فإنه “عندما اندلعت الأزمة الخليجية، وأثّر ذلك على مجلس التعاون، رفضت الرباط هذا التوجه، كما رفضت أن تكون رهينة لتحالفات كبرى، وخضوع الأطراف العربية كمقدمة للتناقضات الدولية”. تغير في منهج العلاقات يايموت رأى أيضا أن “العلاقات بين المغرب ودول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات، كانت مبنية على مبدأ المشاركة في صنع القرار وفي تنفيذه، وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبقي الأمر مستمرا حتى منتصف 2017″، تاريخ قطع العلاقات بين الرباعي العربي وقطر. لكن “هذا المنحى تغير من جهة بعض دول الخليج (خصوصا السعودية والإمارات)، ما جعل المغرب ينبه، في مناسبات عديدة، من حياد البلدين المذكورين عن هذا النهج الذي تأسست عليه العلاقات التاريخية، وأدى إلى تحالف استراتيجي، حول القضايا الإقليمية والدولية”. وتابع الخبير أن “التحول وقع من جهة السعودية في علاقته مع الرباط”، مرجعا هذا التغير إلى “طبيعة التغيرات الدولية السريعة القائمة حاليا، وطبيعة البناء الجديد للقيادات بكل من السعودية والإمارات، والدفاع على مصالحها على المستوى العربي والإفريقي والشرق الأوسطي”. آفاق العلاقات يايموت أشار أيضا إلى أن “العلاقات القديمة التي تربط الرباطوالرياض تقف أمام خيارات صعبة؛ فإما الاستمرار وفق منهج جديد، أو أن تبحث الرباط عن بدائل جديدة، كما قال بوريطة”. وبالنسبة للباحث، فإن “التحول الدولي يفرض على البلدين مراعاة مصالحها الاستراتيجية التي لم تعد هي نفسها بالنسبة لكليهما”. أما بخصوص مستقبل العلاقات، فرأى أنه “إما أن يكون هناك بحث عن بناء منهج جديد مبني على الحوار، أو أن يتوجه كل طرف إلى بناء علاقات مع دول أخرى”. وفي 14 فبراير الماضي، نفى بوريطة استدعاء سفيري المغرب لدى السعودية والإمارات. لكنه قال آنذاك إن “منطقة الخليج تعرف تحولات على المستوى الداخلي وبين الدول، ولها تأثير على العلاقات الخارجية بما فيها مع المغرب”. وجاء النفي المغربي الأول بعد أسبوع من أنباء عن استدعاء الرباط لسفيريه، وسط تضارب حول السبب، فيما أكد سفير الرباط لدى الرياض مصطفى المنصوري، خبر استدعائه للتشاور، آنذاك. وقال المنصوري في تصريح، في حينه، لموقع “360” المقرب من السلطات، إن بلاده “استدعته من الرياض، وذلك قصد التشاور بشأن العلاقات بين البلدين”، واصفا الأمر ب”سحابة عابرة”. وأشار المنصوري إلى أن سبب استدعائه يتعلق بالمستجدات التي طرأت أخيرا على مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة بعد بث قناة “العربية” السعودية، تقريرا يمس ب”الوحدة الترابية للمغرب”. واعتبر التقرير ردّ فعل على مرور “بوريطة”، في برنامج حواري مع قناة “الجزيرة” القطرية. مد وجزر مد وجزر تشهده العلاقات المغربية السعودية، فبعد “فتور” بين البلدين في الآونة الأخيرة، أجرى العاهل السعودي، في مارس الماضين، مكالمة هاتفية مع الملك محمد السادس، اعتبر مراقبون أنها مؤشر على عودة “الدفء” إلى العلاقات الثنائية. وبحسب الوكالة السعودية الرسمية للأنباء (واس)، أكد العاهلان السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والملك محمد السادس، حينها، “حرصهما على تعزيز وتطوير العلاقات بين بلديهما في كافة المجالات”. ولكن بعد أسبوع من المكالمة الهاتفية، قال وزير الخارجية ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي: مستعدون في جميع الحالات للاستمرار بالتنسيق مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات، لكن الرغبة يجب أن تكون من الجانبين، وليست حسب الطلب”. وأضاف: “قد لا نتفق على كل شيء، ربما هناك اختلاف في الرؤى في بعض النقاط، لأن السياسة الخارجية هي سياسة سيادية”. واعتبر أن “الحفاظ والحرص على هذا التنسيق من الجانبين، وفي حال انعدام ذلك، فمن الطبيعي عدم استثناء البحث عن بدائل أخرى”. والشهر الماضي، أكد الناطق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، عدم وجود توتر في العلاقات بين المغرب من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر.