"برنامجنا هو برنامج سيدنا" هكذا أجاب الوزير الأول عباس الفاسي المنتهية ولايته ، لما سئل عن برنامجه الحكومي ، وما أشبه اليوم البارحة ، فهاهو عبد الاله بنكيران يعيد نفس الإجابة تقريبا في الحوار الذي أجرته معه جريدة أخبار اليوم ، عقب فوز حزبه بالانتخابات لما سئل عن وزارة السيادة، حيث قال : ".. وزارة السيادة انتهت ولجلالته واسع النظر". – وأصبحت بعد ذلك العبارة المفضلة لديه- وإذا كان أمر حكومة عباس الفاسي قد انتهى إلى فشل ذريع ، حتى أن الكثير يصنفها كأضعف وأسوأ حكومة في تاريخ الحكومات المغربية الضعيفة والسيئة ... فإن تصريح رئيس الحكومة المرتقبة وما تلاه من مواقف وتفسيرات للتعيينات الملكية الأخيرة ، التي انتهكت الدستور يشي بأننا أمام حكومة ضعيفة وفاقدة للمبادرة فالمثل المغربي الدارج يقول " نهار الأول يموت المش " لا خير يرجى من مرؤوس لا يقول لرئيسه لا حيث يجب أن يقولها ، كيفما كان هذا الرئيس ، هذا في المطلق ، أما في حالة وجود دستور ينظم العلاقة بين الطرفين ، فإن انتهاكه له مغزى والسكوت عن هذا الانتهاك أيضا له مغزى ومعنى . لا أحبذ الشخصنة، لكن ما الحيلة في بلد مدار السياسة فيه على الأشخاص لا على المؤسسات . ليس خافيا أن رئيس الحكومة الجديدة السيد عبد الإله بنكيران، لم يكن يوما ما متحمسا للإصلاح الدستوري، فهو كان يرى أن مشكل المغرب مشكل حكامة وليس مشكل حكم، أي أن الرجل ليست له مشكلة مع الملكية التنفيذية،وكان يقدر أن امتلاك حكومة نظيفة كاف لاستئصال الفساد والاستبداد !.... إن هذه القابلية الفظيعة لدى الرجل للخضوع لقرارات القصر دون مناقشة ولا أخذ ورد ! ، هي القشة التي ستقصم ظهر الحكومة المقصوم أصلا بنص الدستور غير الديموقراطي، الذي لا يترك إلا هامشا ضيقا لممثلي الشعب لممارسة الحكم ، لكن حتى هذا الهامش يزهد فيه صاحبنا وكما هو معلوم فشخصية الفريق من شخصية رئيسه ، ورئيسنا هذا معروف بقدرته على فرض أرائه على من حوله ، وتاريخه في الحزب خير شاهد على ما أقول. هذا دون أن ننسى الخطورة الكبيرة التي يمثلها هذا الخليط العجيب وغير المتجانس من الأحزاب الذي تشكل التحالف، على تماسك الحكومة وصمودها ، لا أقصد الاختلاف الإيديولوجي، وإنما أقصد نزاهة هذه الأحزاب ونظافتها أو على الأقل نزاهة بعض قيادييها المعروفين بتاريخهم غير المشرف وضعفهم أمام رجال المخزن... و الدليل على ذلك أن من بينها حزب كان قبل أيام فقط حليفا لحزب مشبوه ومدان من طرف أغلبية الفرقاء السياسيين ؟.... وثالث الأثافي هو الحديث الذي يدور هذه الأيام حول حكومة غامضة ، تم تشكيلها مؤخرا في الرباط في قصر العرش ، ويقول أصحاب الشأن وأهل الاختصاص، أنها هي الحكومة الفعلية والحقيقية التي ستدير شؤون البلد وستمسك بالملفات الحساسة ، بينما ستكون مهمة حكومة "ميدلت" هي إطفاء حرائق احتجاجات حركة 20 فبراير واحتجاجات القطاعات الاجتماعية التي لا تنتهي حتى تبدأ ،أي أنها سترابط على خطوط النار إلى أن تحترق أجنحتها . هذا ما يقوله أهل الشأن والاختصاص والله أعلم وما تزال تجارب الحكومات السابقة التي قضت فيها أحزاب – كان يقام لها ويقعد- في طريق المخزن المليئة بالألغام ماثلة أمامنا، وأخص بالذكر هنا تجربة حكومة التناوب التوافقي بقيادة الاتحاد الاشتراكي ،التي صاحبها حماس كبير وتفاؤل مفرط ، فماذا كانت النتيجة ؟ إهدار الوقت والجهد والأموال ، التنفيس عن نظام مستبد مختنق تتهدده الموت بالسكتة القلبية في أي لحظة، تمييع العمل السياسي ، تغول الفساد أكثر فأكثر... أما الحزب فقد انتهى أمره إلى أن أصبح هيكلا لا روح فيه ولا حياة، تتحكم فيه كائنات انتخابية وبرلمانية مشدودة إلى الكراسي و ما وراءها من مكاسب ومغانم، وهاهو اليوم يخرج إلى المعارضة هائما على وجهه بعد طول غياب لعل عطار المعارضة يصلح ما أفسده دهر المشاركة في الحكومة ؟ ولن أجد أفضل تصوير لحال حكوماتنا المتعاقبة من تصوير ذلك الشاعر العربي الذي قال واصفا حال قبيلة "تيم" المهمشة : يقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود