خيبة أمل أحسستها عند عدد من أصدقائي وأنا أتصفح تعليقاتهم في الفايسبوك،فقد صدموا عندما سمعوا بخبر تعيين الملك للهمة مستشارا له،فكأن من صوت منهم في الانتخابات الأخيرة قد طعنته الدولة من الخلف عندما جازت واحدا من أكبر الأسماء التي صرخ الشارع بمحاكمتها بمنصب قوي قريب من المؤسسة الملكية. أقول لهؤلاء الأصدقاء:صباح الخير و مبروك لكم الاستيقاظ مبكرا من أحلام الليل الوردية التي بينت لكم أن المغرب سيدخل إلى عهد الديمقراطية بمجرد فوز حزب العدالة والتنمية،فالديمقراطية لا تختزل في مجرد صندوق شفاف يدلي فيه الناخبون بأصواتهم ويفوز الحزب الذي اختاروه،بل تتجاوز ذلك ليكون هذا الحزب حزبا ديمقراطيا له من الصلاحيات ما يخولنا كمواطنين أن نحاسبه عليها عندما تنتهي ولايته.. للأسف،لن يكون بمقدورنا كمغاربة أن نحاسب حزب العدالة والتنمية عن حصيلته عندما تنتهي ولايته،كما لم نستطع محاسبة الحكومات السابقة خاصة الحكومة الفاشلة لعباس الفاسي –والتي سنلتقي مرة أخرى مع بعض وجوهها في الحكومة المقبلة قريبا-،لأن بنكيران قد يكرر القولة الشهيرة التي قالها ذات يوم عبد الرحمن اليوسفي "استلمنا الحكومة ولم نستلم الحكم"،مع فارق جوهري في السياق وفي الموقع،قد يجعل القولة تتحول إلى"حاولنا..فأخطأنا..فكان لنا شرف الاجتهاد.." مشكلة المغرب ليست مشكلة أحزاب بالأساس،ولا مشكلة برامج انتخابية،المشكلة تمكن في بنية الدولة التي تتوفر على واجهتين متناقضتين:واجهة عصرية تتباهى بها الدولة وهي البرلمان والحكومة وباقي المؤسسات الدستورية،وواجهة تقليدية يتحكم بها المخزن كما يريد وهي التي كانت سببا في تعيين الهمة مستشارا للملك،وذلك كي نخرج إلى نتيجة واضحة: الجزء الأكبر من السلطة الغير الظاهر يبقى بيد المخزن،والجزء الصغير الواضح التي يتلقفه الإعلام وعقول البسطاء هو الذي تتمسك به الحكومة،وذلك كي يتم إلصاق الفشل المتتالي لبلدنا بالأحزاب وليس بالمخزن.. بوادر استمرار تحكم المؤسسة الملكية بالقرار في بلادنا ظهرت في الأسبوع الأول من أول فترة رئيس حكومة في تاريخ المغرب،فالملك هو من عين عددا السفراء ضدا على الفصل 49 من الدستور الذي يتحدث بالواضح أن هذا التعيين هو من اختصاص المجلس الوزاري الذي لم يتشكل بعد،وحتى من يقول أن هناك فراغ قانوني في الدستور حول من يعين السفراء في فترة عدم تشكل هذا المجلس،فهذا الأمر ليس بالمستعجل لكي يقوم به الملك قبل تشكل الحكومة،مما يوضح بالملموس أن هناك قرارا سياسيا وراء هذا التعيين.. هذا القرار تأكد جليا بعد تعيين الهمة مستشارا للملك،فقد تقوت أضلاع حكومة ظل قوية ستكون بجانب الملك لتساعده على تسيير البلاد،فهناك ياسر الزناكي الوزير السابق للسياحة الذي سيهتم بالجانب الاقتصادي،وهناك عمر عزيمان رئيس لجنة الجهوية،وهناك المانوني الخبير الدستوري الذي كان سابقا بلجنة إعداد الدستور،مما يظهر أن هناك حكومة فوق الحكومة التي انتخبتها فئة من المغاربة،بحيث يتكرس ما قاله الكثير من فقهاء القانون الدستوري بأن هناك دستور مغربي فوق الدستور الحالي الذي تم تعديله. حزب العدالة والتنمية يوجد اليوم في موقف محرج،فمن جهة لديه حكومة ائتلافية لن تمنح له الصلاحية الكبرى لتمرير برنامجه الانتخابي الذي يفاخر به،ومن جهة هناك حكومة الظل القوية التي تتموقع فوقه،خاصة وأنها تتوفر على عدو بنكيران الأول وهو الهمة،والذي امتلك حاليا منصبا أقوى من منصب بنكيران،فللمستشارين حظوة كبيرة عند الملك،بحيث أنهم قادرين على التأثير في صناعة بعض القرارات التي تأتي من القصر حتى ولو لم يرض بها بنكيران.. فهل ينتقم الهمة من بنكيران الذي مسح به الأرض مرارا وتكرارا لا سيما وأن مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة يكره الإسلاميين ككل وينظر لهم كأنهم رجس من عمل الشيطان؟أم أن بنكيران سيكون شجاعا كما كان في فتوحاته وغزواته الصوتية لكي يقول إن هذا لمنكر؟ وفي انتظار الإجابة عن السؤالين،أقول لمن أحس بالغدر من هذا التعيين،بأن لا يتألم كثيرا،وبأن يقوي مناعته السياسية،لأن العام "باقي طويل"،وهناك الكثير من الصدمات التي تنتظره،فدار المخزن لا زالت على حالها،وحالم من يظن أن التغيير ممكن بنفس البنية السياسية القديمة... https://www.facebook.com/azzam.page [email protected]