تابعنا على المباشر يوم الأمس الجمعة 15 مارس 2019 جريمة إبادة لأزيد من 50 مسلم ومسلمة، بمسجدين في مدينة "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا ، و منفذ الجريمة يدعى "برينتون تارنت" مسيحي يميني متطرف أسترالي الجنسية، يبلغ من العمر 28 عاماً، وهو من ضمن الأربعة الذين تم إلقاء القبض عليهم.وقد قام ببث جريمته على الهواء مباشرة على صفحته على موقع فيسبوك، وبحسب وثيقة نشرها "تارنت" على الانترنت، فإنه ينتمي إلى عائلة أسترالية من الطبقة العاملة، أهدافه هي إخلاء المجتمعات الغربية من غير البيض والمهاجرين بغرض حمايتها، وكذلك الانتقام للحوادث الإرهابية والجرائم الجنسية التي يقوم بها مسلمون ومهاجرون حول العالم بحسب أقواله. وقد وصفت رئيسة الوزراء النيوزيلندية الحادثة باليوم الأسود في تاريخ البلاد وقالت إن منفذ الجريمة هو إرهابي من اليمين المتطرف وعنيف على حد تعبيرها. وكانت الشرطة النيوزيلندية قد طلبت من جميع المساجد غلق أبوابها الجمعة بعد حادث إطلاق النار الذي أدى لسقوط العشرات من القتلى.و توالت ردود الفعل الدولية المنددة بالحادث، لكن عند مقارنة المنهجية التي تم تبنيها في التعامل مع هذا الحادث سياسيا وإعلاميا، و مقارنتها بأحداث إرهابية أخرى، كان منفذها أو منفذيها مسلمين و ضحاياها غربيين، ندرك الفرق و ندرك نفاق الغرب و عنصريته المقيتة، و أيضا نستوعب أن من يمثل المسلمين يمارسون نفس النفاق، و أن ضعفهم وهوانهم جعل الدم المسلم بلا ثمن… فحال المسلمين اليوم في البلاد الغربية يشبه حال اليهود في العصور الوسطى بأوربا، و أيضا خلال الحقبة التي سبقت إندلاع الحرب العالمية الثانية، فالنازية توخت تطهير ألمانيا من اليهود، و تبنت من أجل ذلك نظرية عنصرية، تقول بأفضلية العرق الآري..لكن بمجرد تطهير ألمانيا من اليهود انتقلت الجيوش النازية إلى باقي شعوب أروبا و أبادت أعراق أخرى لاسيما السلاف.. و كذلك اليوم فإن الهجمة على المسلمين في الغرب، هي تمهيد لطرد الملونين من غير البيض، فالرجل الأبيض لازال يعتقد أنه سيد الكون و أن الجميع ينبغي أن يخضع لسلطانه، و تفوقه الحضاري و الثقافي و العرقي، و نتيجة لهذا الإيمان المريض و الفهم الشاذ، تم إبادة ملايين البشر في العالم الجديد، فالرجل الأبيض لم يحكم يوما الأمريكيتين بل إنه كان يجهل و جودهما إلى حدود اكتشاف "كريستوف كولمبوس" للعالم الجديد، و لم تكن هذه الأرض فارغة بلا سكان، بل إنها أرض تقطنها شعوب ذات حضارة عريقة، لكن ذنبها أنها أمنت بالسلم و كانت في غاية التسامح مع جلاديها، و عجزت عن مواجهتم منذ بداية الغزو، بنفس الأداة أي السلاح و النار، فكان مصير شعوب الأمريكيتين الإبادة، و حتى من تمكنوا من العيش فقد أصبحوا عبيدا للرجل الأبيض… كما أن هذا الرجل الأبيض لم يتورع في إبادة شعوب بأكملها في إفريقيا، و أسيا بحجة تمدينها و تحضيرها.. و خدمة لعنصريته و أنانيته، إستعبد ملايين البشر ونهب ثروات البلاد و الشعوب و ما تعانيه بلدان ما تم تسميته بالعالم الثالث، هو نتاج للنهب و التفقير و التجويع و التجهيل، الذي مورس على هذه البلاد لأزيد من ثلاث قرون.. و حتى بعد خروجه الشكلي منها، نصب عليها أنظمة سياسية عميلة و فاسدة، لها دور وظيفي هو خدمة وحراسة مصالح الرجل الأبيض، والبلدان التي نجحت في إقامة أنظمة ديمقراطية تعبر عن إرادة شعوبها، تمكنت من تحقيق التنمية والرفاه و الخروج من قبضة الرجل الأبيض… و الواقع أن ممارسات الرجل الأبيض ليست وليدة القرون الثلاث الأخيرة، و إنما هي مسار يمتد إلى الحقبة الرومانية، فتاريخ روما يحدثنا كيف تم التعامل مع الشعوب "البربرية" بتعبير الرومان، و كيف كان سادة روما يتلذذون بدماء البرابرة، إذ يمنحون العبيد سيوفا ليقتل بعضهم بعض، والمشهد الذي رأيناه بالأمس يذكرنا بهذه الحقبة السوداء في تاريخ البشرية، فكيف يعقل أن يتلذذ المرء بقتل أناس أبرياء و هو يستمع للموسيقى ويغني في حالة من النشوى و الاستمتاع، و الرجل ليس بالمجنون، على غرار ما تحاول وسائل الإعلام تصويره، فلم نسمع يوما عن أحد الإرهابيين المنتمين " للإسلام" بأنه حدث فردي أو أن منفذه مختل عقليا، ولكن يتم إلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين و العقوبة تكون جماعية… ضعف المسلمين و عمالة الأنظمة العربية والإسلامية، و تجرأها على الإسلام و تعاليمه، وعدم تقديسها لأعراض و دماء و أموال المسلمين جعل ذوي النفوس المريضة، تتجرأ على المسلمين ومقدساتهم في كل مكان، علينا أن نلوم أنفسنا قبل أن نلوم الحكومات و الشعوب الغربية،و على الشعوب المسلمة أن تستيقظ من سباتها فالحرب تستهدف الإسلام و المقدسات الإسلامية، ففلسطين محتلة و القدس أصبحت عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، و المسجد الأقصى قاب قوسين أو أدنى من الهدم لبناء الهيكل المزعوم، و الحرمين الشريفين أصبحت تحث حكم وسيطرة نظام محارب للإسلام وتعاليمه السمحة، و دعوات حذف آيات وسور من القران تتم على قدم وساق، والهجوم على السنة وصحيح البخاري مقدمة لتحريف الدين الإسلامي و تغيير معالمه …رحم الله شهداء مذبحة "كرايست تشيرش" و أسكنهم فسيح جنانه و تقبلهم الله إن شاء الله مع النبيئين والصديقين والشهداء، و رحم الله شهداء الاستبداد و الظلم في كل أقطار العالم العربي و الإسلامي .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.. إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق أسيوي.