واحدة تلو الأخرى، تسقط معالم ومآثر مدينة طنجة لإتاحة الفرصة لمشروع طنجة الكبرى الذي دشنه الملك سنة 2013، بميزانية ضخمة تجاوزت 7.633 مليار درهم. فباسم هذا المشروع تم هدم “منارة البلايا” التي تعد من الذاكرة الجماعية لأبناء طنجة، بداية دجنبر 2015، وذلك في سياق عملية تنفيذ مشروع تهيئة ميناء وكورنيش المدينة، وهو ما اعتبره في حينه “مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية”، بأنه “يتناقض جملة و تفصيلا مع عناوين مشروع طنجة الكبرى و شعاراته المتعلقة بإدماج الجانب التاريخي و المعماري في التنمية المنشودة للمدينة عبر هذا المشروع”. وفي سنة 2016، قامت السلطات بهدم ملعب مرشان البلدي، الذي يعتبر من المعالم الرياضية للمدينة فقد تم بناؤه سنة 1937، وله قيمة اعتبارية كبيرة بحسب فعاليات جمعوية، حيث تم تحويله إلى فضاءات وساحات خضراء، وسط استهجان كبير لساكنة طنجة، وغيرها من المعالم. واليوم، وفي سياق محاولة إعدام “حدائق المندوبية التاريخية”، يعود النقاش من جديد حول الإعدامات المتتالية لمعالم طنجة، وموقف جماعة طنجة المتهمة بتيسير مسارات الإجهاز على هذه المعالم، خاصة وأن عمدة طنجة خرج لوسائل الإعلام ليبرر هدم بعضها، فقد قال مثلا عندما هدمت السلطات ملعب مرشان: “في نظرنا، ملعب مرشان استوفى الغرض الذي وُجد من أجله، وذلك منذ بناء ملعب ابن بطوطة الذي تتوفر فيه كل الشروط لإجراء المباريات. ولو اعتمدنا منطق القيمة التاريخية، فلن نستطيع تغيير أي شيء في المدينة باعتبار أنّ له تاريخا معيّنا”. فعاليات تتهم العمدة مباشرة وتتوالى المواقف والبيانات التي يتوصل بها موقع “لكم”، تتهم بعضها المجلس الجماعي جزء من مسؤولية إعدام هذه المآثر، لعل أبرز اتهام حتى الآن صدر من "فدرالية اليسار" التي عبرت بوضوح عن رفضها للنهج الذي يتبعه رئيس المجلس الجماعي لطنجة، في التعامل مع قضايا البيئة، والتي كشفت عن تواطئه، وسعيه الحتيت لتمرير وتيسير مسار الإجهاز والتفويت لما تبقى من الفضاءات الخضراء والتاريخية والحيوية. بدوره، دعا المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، المجلس الجماعي باعتباره ممثلا للسلطة المفوضة إلى تحمل كامل المسؤولية. من جانبه دعا حزب الأصالة والمعاصرة، جماعة طنجة، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على كل المآثر الحضارية والمعالم، مشددا على ضرورة أخذ بعين الاعتبار للمواقف التي أعلن عنها النسيج الجمعوي المختص بالشأن البيئي والأثري. إيداع عريضة لدى العمدة وفي أول ملتمس يتوصل به عمدة طنجة، منذ دخول القانون حيز التنفيذ، أودع “مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية”، أول أمس عريضة لدى رئيس المجلس الجماعي لطنجة ترمي الى ادراج نقطة بجدول أعمال الدورة تتعلق بتثمين حدائق المندوبية. وذلك في اطار تفعيل القانون التنظيمي 64|14 و القانون التنظيمي 44|14 المتعلقين بالحق في تقديم العرائض و الملتمسات و القانون التنظيمي 113|14 المتعلق بالجماعات الترابية، حسب ما أفاد به رئيس المرصد “لموقع “لكم”. وأهاب رئيس المرصد، بكل المنتخبات و المنتخبين و المسؤولين على التفاعل الايجابي مع المبادرة صيانة للحدائق و تثمينا للمنطقة التي نراهن على امكاناتها المتفردة بخصائص متعددة على أن تكون رافدا من روافد تنمية المدينة. وكان المرصد في بيان سابق قد اعتبر هدم المعالم بمثابة تشويه لتاريخ المدينة و محاولات متكررة لطمس هويتها عبر إعدام مجموعة من المآثر التاريخية التي تشكل ذاكرة مشتركة لسكان المدينة و زوارها، و تطاولا مستفزا على فضاءاتها العمومية. جماعة طنجة توضح في المقابل أوضح، أحمد الطلحي رئيس لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة بجماعة طنجة، أنه ليس هناك أي مقرر جماعي لا في عهد هذا المجلس أو في من سبقه، في ما يخص تحويل “ملعب مرشان”،أو هدم “منارة البلايا”، مشيرا إلى أنه “فعلا ملعب مرشان كان من ممتلكات الجماعة، لكن تتصرف فيها جهات أخرى في الدولة، شأنه في ذلك شأن العديد من المرافق، إما بسبب اتفاق قديم أو تفويت أو غيرها. واعتبر المسؤول الجماعي في حديث مع موقع “لكم”، أن الذي يتوفر على الشجاعة يجب أن يتكلم في الحقائق كما هي، لكن لا يتخذ من الجماعة حيط قصير لتمرير مواقفه السياسية، متسائلا، لماذا لا توجه الأصابع إلى الجهات الحقيقة التي كانت وراء الهدم؟، مضيفا فالأمور مسيسة. واستدرك المستشار الجماعي عن حزب العدالة والتنمية قائلا: نعم هناك اختصاصات الجماعة، وهناك مرافق في ملكية الجماعة لكنها لا تتصرف فيها، فهل تعلمون أن هناك مستشفيات في ملكية الجماعة لكنها تتصرف فيها جهات أخرى، هناك الكثير من ممتلكات الجماعة تستغلها مؤسسات عمومية أخرى، مطالبا بالموضوعية، مؤكدا على أن وضعية أرشيف جماعة طنجة شأنه شأن العديد من الجماعات إما ناقص أوغير موجود. وأوضح المتحدث، إلى أن المآثر ليست من اختصاص الجماعات المحلية، وإنما هي من اختصاص الجهات، ولا يمكن لجماعة طنجة أن تتدخل في المآثر إلا التي في ملكيتها، كمعلمة “بلاصاطورو”، و”دار النيابة” التي كانت تستغلها الجماعة بالشراكة مع مصالح أخرى كالأمن الوطني ووزارة العدل، مؤكدا على أن الجماعة ستعمل على إعادة الاعتبار لهاته المعلمة . وزاد الطلحي موضحا، أن هناك تراث آخر لا يوجد في ملكية الجماعة لكنه في ترابها، كالأسوار وأبراج المدينة العتيقة، لكن الجماعة معنية بصيانتها والحفاظ عليها مع وزارة الثقافة. أحمد الطلحي قال، “الناس لا تعرف للأسف الشديد بما في ذلك النخبة المثقفة الاختصاصات الحقيقية للجماعات، فتخلط بين اختصاصات الجماعة واختصاصات الحكومة أو اختصاصات الجهة أو اختصاصات هيئات عمومية أخرى”، موضحا أن “الخلط هنا أنهم يعتبرون أن الجماعة هي التي تدبر المدينة، وهذا غير صحيح، الجماعة تدبر ما يتبع إليها قانونا في المدينة”، مشيرا إلى أن “هناك قطاعات كثيرة تسير المدينة مع الجماعة، فجماعة المغرب ليست هي جماعة اسبانيا او فرنسا التي تتوفر على صلاحيات واسعة منها الشرطة المحلية وغيرها”، داعيا إلى الاطلاع على القوانين التنظيمية التي تحدد اختصاصات الجماعات. واعتبر المستشار الجماعي أن “خلط آخر يقع فيه البعض، يتعلق بمشروع طنجة الكبرى”، مؤكدا على أن “جماعة طنجة هي مساهمة فيه، لكنها ليست مسؤولة عنه، لا تخطيطا ولا إدارة ولا تتبعا ولا تنفيذا بتاتا، لديها فقط بعض المشاريع ضمنه، مؤكدا أنه “مشروع حكومي فيه دعم للمدينة لخروجها من المشاكل البنيوية التي عرفتها المدينة بسبب التنمية الاقتصادية”.