سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية الفاشلة
نشر في لكم يوم 02 - 01 - 2011

لو أن المغرب فكّر يوماً في غلق جميع سفاراته وقنصلياته عبر العالم وآستبدلها بسفارات عبر صفحات الفايسبوك لكان أفضل.
هذا ليس بطرح إعتباطي أو مجرد مزحة، بل حقيقة تعَرّي حقيقة سفاراتنا بالخارج، التي (تبَهْدلتْ) أدوارها وازداد عقمها أداء وأصبحت صورتها تثير الشفقة حيث توجد دبلوماسيتنا الآن في وضع إنعزالي لا تحْسدُ عليها، فنفرَهَا المواطن المغربي قبل الأجنبي. فها قد لاحظ الجميع كيف نهض المغاربة كالجيوش عبر صفحات المواقع الاجتماعية كالفايسبوك والتويتر والبالتوك وبأسلحة مختلفة تتجه قذائفها جميعا نحو خصوم هذا الوطن مدافعين عنه بعدما شاهدوا اقتراب الضباع والكلاب شرقا وشمالا متربصةً به.
لا أحد يُنكِرُ كيف عِشنا ولازلنا، الكيفية الفريدة التي عبر عنها مغاربة العالم عن تنظيمهم وتراصهم العنكبوتي والذي لم يسبق له مثيل ومن كل القارات. فرغم التفاوت الزمني بين دول المعمور إلا أن ذلك لم يُثنِ مغاربة أمريكا وأوربا وأسيا وأستراليا في خلق أخطبوط من علاقات تبادل المعطيات والشعارات والصور دفاعا عن بلدهم المغرب، واصبح للمغرب سُفراء يُعدون بالملايين مجندين ليل نهار من استراليا الى غرب أوربا، وبفضل الفايس بوك أيضا أصبح عدد لا يُحصى من مغاربة العالم أصدقاء بسبب القضايا الوطنية وبفضل المواقع الاجتماعية وليس بفضل سفارات الأسوار الإسمنتية.
لا بد أن هذا أحد أسباب إمتلاكنا كمجتمع مدني والان بالذات، حق طلب إغلاق هذه الأسوار الإسمنتية والمُسمات بسفارات. لِمَ لاَ ودورها أصبح مُخجلا فِعْلا وفي أغلب الحالات. ويكفي التذكير بأن صورة المغرب لدى أوربا الشرقية هي شبه غائبة ان لم نقل غائبة بالمرة. وحتى إن ظن أحدنا العكس فما عليه إلا الاستعانة بشبكة الانترنت والضغط على محرك البحث لمعرفة بأن اغلب البرلمانيين الاوربيين الذين صوتوا ضد المغرب مؤخرا بالبرلمان الاوربي يمثلون دول اوربا الشرقية، الشيئ الذي يعني ضمنيا الغياب التام لدور دبلوماسيينا بهذه البلدان للتعريف بقضايانا وضرورة اليقضة أمام ما يُقيمه أعداء هذا البلد خاصة الدبلوماسية الجزائرية من شبكة علاقات مع حكومات وأحزاب وبرلمانيي دول المُعسكر الشرقي سابقا وتقديم مغالطات كبرى حول ما تسميه الجزائر بحقوق الشعوب في تقرير المصير، واللعب على وتر الاستقلال بكوسوفو وصربيا وغيرها من هذه الدول، فربما يجهل هؤلاء السفراء والقناصلة الفاشلون أن الدبلوماسية تعني الحرب المُسبقة ولا مجال للايمان بتبادل كلمات الغزل وابقاء اليد ممدودة للمجهول طيلة الوقت دون افعال إستباقية في المقابل.
وبهذا فقد أصبحت دبلوماسيتنا وللأسف تنتظر في اغلب الاحيان القيام برد الفعل دون ان تكون السباقة الى الفعل. بل كثيرا ما نسمع عن برلمانيين أجانب يُدافعون عن المغرب دون أن تكون هناك علاقات رسمية تجمعهم بالدبلوماسية المغربية الرسمية كما حصل مع عضو الكونغرس الأمريكي "لِينكولن دياز بلارت"، الذي عرض أمام الكونغرس الامريكي عرضا يَعجُز سُفرائنا على تقديم نظير له بل وبعيدون بسنة ضوئية عن دورهم (التمثيلي) الدبلوماسي مقارنة بهذا العضو الامريكي الذي سرد معطيات يُقسِمُ الكفيف قبل الصحيح استحالة تمكن احد السفراء الاتيان بها، حين قال ان المغرب ولا أحد سواه طالب اسبانيا سنة 1974 بالرحيل عن الصحراء ولم يطالب بذلك احد غيره، واسترجعها سلميا بعدما كانت اسبانيا قد استعمرتها. كما أعطى درسا لسفرائنا النيام حين قال أمام اعضاء الكونغرس الامريكي ان البوليساريو من صنع الجزائر ويَحتظنه النظام الديكتاتوري الكُوبي، قبل أن يُعرّجَ على الإنفتاح الايجابي للمغرب الديموقراطي وأهميته الاستراتيجية كحليف هام لامريكا بالمنطقة.
كل هذا يجعلنا نطرح تساؤلات عدة حول الميزانيات الضخمة المعتمدة دون جدوى إن كُنا نرَى أجانب يقفون إلى جانبنا ويستعرضون مزايانا أمام استغرابنا، هذا فقط لانهم في أغلب الأحيان كما يظهر يُشفقون علينا حِين يرَوْن كِلاباً وضِباعاً تتربص ببلد صديق كان أول من إعترف ببلدهم يوما كدولة مستقلة.
السياسة الخارجية للدول وكما هو متعارف عليه أو بالأحرى كما كشفها (ويكيليكس)، هي عبارة عن حروب إستباقية وجاسوسية وفعل قبل رد الفعل. فعلى الاقل لنكتسب دروسا من هذا "السفير فوق العادة" (ويكيليكس) الذي أصبح (الكائن) الأشهر على الإطلاق رغم أنه لم يفتح لنفسه سفارات لدى الدول للتعريف بنفسه، وأصبح الجميع يَهابُه ويترقب بحذر ما سيصدر عن هذه (الدولة) الافتراضية العملاقة التي فاجئت الجميع لتتربع على عرش الشهرة وتكسب الإحترام والمهابة من الجميع.
لكن ورغم كل الدروس والعبر إلا أن أغلب سفرائنا وللأسف تغيب بل تنعدم لديهم مُبادرة الإبتكار في عملهم الدبلوماسي"التمثيلي"، فتغيب بالمرة الندوات واللقاءات التواصلية والمُحاضرات ومهرجانات التعريف بالتراث والثقافة بالدول الأجنبية.
كيف نريد اذاً من مواطني ومسؤولي هذه البلدان أن يتعرفوا على المغرب وسفاراتنا دائمة الجُمود وداخل أسوارها ينتشر شبحٌ نشيط إسمه الكَسَل والعمل الإداري الروتيني كما في مفوضيات الشرطة. أفليس عيباً أن يتوفر لنا سفراء باغلب الدول الأوربية لا يتقنون أكثر من لغة واحدة على الأكثر؟ ثم ان اغلب الموظفين بالقنصليات والسفارات لا يُتقنون حتى الفرنسية بطلاقة فما بالك "البيلانغ" و"التريلانك"، الشيئ الذي يجعل التواصل شبه مفقود مع مسؤولي البلدان الاجنبية وخصوصا مع ابناء الجالية المُزدادين بالمهجر، وأغلبهم لا يُجيد العامّية المغربية ولا العربية الفصحى غير لغة بلد الهجرة، بل وكثيراً ما لاً يُتقن السُفراء والقناصلة أنفسهم لغة البلد المُعتمد به كما الشأن بالنسبة للُغات تعَدُ مُستعصية كالدانماركية والهولندية ولغات أوربا الشرقية، أين نجد أغلب "المُمَثِلين" الدبلوماسيين بهذه الدول يتحدثون لغتين على الأكثر وهما الفرنسية والانجليزية، هذه الأخيرة بنسب جدّ قليلة، مِمَا يُشعر ساسة ومسؤولي هذه البلدان بإنعدام الإهتمام المطلوب من ممثلي الدول الاجنبية أمثالنا، ويجْعلها تُصَنّفُ ضمنيا في خانة الدول التي تحتقر لغة ذلك البلد ولو كان عن غير قصد. كيف لا والبلدان تقاس بثقافتها أولاً والتي تعتبر اللغة أساسها، بل وبسبب اللغة المحلية تقسّم دول بأكملها كما يحدث الأن مع بلجيكا.
أليس عيبا كذلك أن تجد العلم الوطني المغربي مُعلقاً فوق ابواب سفاراتنا وقنصلياتنا بالمهجر مُمَزقا رَثاً فاقِداً للونه الاحمر الجذاب، لا تستطيع التمييز بينه وبين علم الجبل الأسود من شدة تعرضِه لِلظروف القاسية لمناخ هذه الدول الأوربية من جهة ومِن ظلم مسؤولي تلك السفارات من جهة أخرى، الذين لا يُكلفون أنفسهم عناء تغيير العلم الوطني بصفة دورية، وبذلك (يشترك) هؤلاء المسؤولين الى جانب العوامل الطبيعية في الإسائة إلى رمز من رُموز بلدنا.
أليس عيبا أيضا ألا تتواجد بمخازن قنصلياتنا وسفاراتنا مئات أو حتى ألاف من الاعلام الوطنية مُكدسة، تحسُباً لأية مُناسبة تحتاج فيها جحافل المواطنين المغاربة لأعلام وطنها قصد الدفاع عنه أمام الأعداء أو من أجل الإحتفال والتعريف به في المنتديات والمُحاضرات، بينما يتكلف المهاجرون بشرائها من اماكن بعيدة او يُطالبون افراد عائلاتهم لارسالها لهم من المغرب لرفعها والدفاع بها عن وطنهم. هذا كله في الوقت الذي تصرف الملايين على موائد "المشوي والمحمر" وحفلات خاصة وكراء صالات باثمنة خيالية واجواق موسيقية تاتي بفرقها من المغرب بالملايين (التي نتوفر على صور لذلك التبذير)، يُستدعى اليها شخصيات سياسية وعسكرية اغلبهم أحِيلوا على التقاعد وإعتزل اخرون السياسة منذ زمن ولا تكاد اصواتهم تصل عتبة ابواب منازلهم ولا تسمع كلمتهم بالمرة.
ان الدور المنوط بالتمثيلية الدبلوماسية للمغرب لدى الدول الاجنبية يجب ان تراعي اختيار سفراء وليس مُسافرين وإنتقاء قناصلة ذوي كفاءات فكرية ودبلوماسية، لا عارضي أزياء في أروقة العروض والمسارح والسينما، محاضرين واساتذة اكفاء، يلجون الجامعات الغربية، يُلقون المُحاضرات والندوات، حيث هذه الأخيرة تغيب بالمَرّة من قواميس سُفرائنا وقناصلتنا، كيف لا ونحن نلاحظ الغياب التام للأدباء والمثقفين والمحاضرين المغاربة المشهود لهم يُرسلون للدول الاوربية أو يُعينون من بين سفرائنا المُعتمدين. الشيئ الذي يَجْعلنا نبحث (بالفتيلة والقنديل) على محاظرة او ندوة ولو وحيدة لأحد سفرائنا بالدول الاوربية، التي تنعدم بالمرة، بل واغلب هؤلاء السفراء لا يعلم أين تقع أقرب جامعة الى مكتبه، عكس ما نراه ونحضره من مؤتمرات وندوات ولقاءات ينظمها سفراء دول عربية ومتوسطية كسوريا مثلا ودولة بحجم مدينة مغربية هي (قطر) بل وحتى أعداء وحدتنا الترابية يُنظمون سيلاً من الندوات والمؤتمرات حتى أصبحنا لا نكاد نحضر لمنتدى أو لقاء للانفصاليين بعاصمة أوربية حتى ينتقل إلى عاصمة أوربية أخرى كالبرق، ما دام التمويل الجزائري لا يتوقف. في الوقت الذي ترسل وزارة الجالية وتوأمها مجلس الجالية سِكّيرين ومكبوتين في صور صحفيين ومثقفين لأوربا "للتعريف" بثقافتنا وتاريخنا، وتحجز لهم بأفخم الفنادق وتصرف من جيوب المغاربة الملايين على سفرياتهم، بينما ينسون المغرب تماما بمجرد أن تقدم اليهم كؤوس الجرعة والشمبانيا بكباريهات العواصم الاوربية، فيكتفون بتقارير يسرد عليهم محتواها مستخدمي السفارات والقنصليات. هذا دُون الحديث عن الغياب التام والخطير للمراكز الثقافية المغربية بعواصم العالم، مما يجعلنا ننقل التساؤل للسيد وزير السياحة قبل وزير الجالية، عن الكيفية السحرية التي يستطيع بها جلب السياح الأستراليين مثلاً إن كان مُواطنو هذا البلد لا يَعلمون أين يقع المغرب أصلاً؟ وهل لاحظ احد منكم يوما عبر قنوات القطب العمومي أو وكالته للانباء سفيراً مغربياً ببلد ما يقوم بسلسلة لقاءات ومُحاضرات ويعقد مؤتمرات حول المغرب؟ في الوقت الذي لا "تُفلِّتُ" وكالة الانباء الرسمية اخبار تافهة كترحال نواب البرلمان نحو الحزب الظاهرة مثلاً.
فبالإضافة إلى العقم الذي يشكل العامل المشترك بين ممثلي الدبلوماسية للمغرب ببلدان العالم والكسل النشيط داخل جدران اسوارها عبر المعمور، تكون جمعيات المجتمع المدني بأغلب الدول الاوربية قد أصبحت وللاسف في صورة الملل بل واغلبها ضاقت ذرعاً من سياسة وزارة الجالية ومجلسها الفاشلين الذين لا اثر لما يُطبلون ويُزمرون له على أرض الواقع غير تفاهات وفلكلور وزيرها الفاشل والمفهوم الجديد للسلطة الذي لا تواجد له داخل اسوار القنصليات، بل وأغلب هذه القنصليات اصبحت عبر تواجدها فوق التراب الاوربي باكمله مرورا بإيطايا واسبانيا وبلجيكا وغيرها، تعتبر أسوأ التمثيليات القنصلية في العالم على الاطلاق بأدلة مُصورة ومقارنات مع تمثيليات باقي البلدان، حيث لا تواجد لقنصلية مغربية بمدينة أوربية بتعامل أوربي، غير سُوء التدبير الداخلي والاكتظاظ والتدافع داخل وخارج المكاتب إضافة إلى طوابير طويلة تعطي صورة المغرب مُشوهة وتعيق هذه الطوابير في مرات عدة السير العادي لطرق وازقة المدن الأوربية، مما يُجبر في احيان كثيرة تدخل الشرطة المحلية، وفي مرات عدة نجد أغلبية الساكنة المحيطة بها قد رفعت دعاوي قضائية لدى السلطات المحلية، نظرا للفوضى التي يتعامل بها موضفو اغلب القنصليات مع المواطنين والضجيج واتخاذ المواطنين ابواب جيران القنصليات اماكن للراحة والانتظار لغياب اماكن كافية للانتظار وضيق قاعاتها في الوقت الذي تسود فوضى عارمة ومحسوبيات داخلها بسبب غياب الابتكار والجدية في العمل الى جانب الرشوة والتماطل في قضاء حاجيات المواطنين وتزايد التحرشات من داخلها، يتسائل احد الفضوليين بأحد القنصليات ببلجيكا : "لم نرى ادارة في العالم تتعامل مع المواطنين وكأنهم بهائم، حتى عشنا ورأيناها هُنا، لا وجود لادارة حديثة تتعامل بالمواعيد وإيداع الطلبات عبر الشبكة العنكبوتية أو عبر الهاتف كما تفعل القنصليات الأجنبية بالمغرب، الشيئ الذي يُضيع مصالحنا ويزيد من نفور أبنائنا من الادارة المغربية وكل ما له علاقة بالمغرب". فيما مواطنون يُسافرون من مدن مجاورة بعيدة وفي كثير من الاحيان بدون جدوى ليعودو خاويي الوفاض(نتوفر على صور مُشينة لبعض قنصلياتنا فيما يخص التنظيم والاكتظاظ).
جمعيات المجتمع المدني، إضافة إلى سياسة التمييز التي تنهجها وزارة الجالية وسَلِيلُها مجلس الجالية، تعاني غياب الدعم المادي لأغلب هذه الجمعيات المُدافعة عن الوطن وعن صورته، واقتصاره على وداديات بُوليسية ذات عقلية إستجدائية على رأسها فاشلون ومنبوذون من طرف الجالية في اثواب "مُناضلين" وشيوخ يُمثلون أحزاب لم تجلب لصورة المغرب غير الأزمات وتشويه صورته منذ الاستقلال، بينما أغلب مُمثلي هذه الوداديات "البصراوية" تقاعد دورهم "النضالي" وأصبح الجميع يعرف تاريخ "نضالهم" المصلحي الزائف، الشيئ الذي دفع بالعديد من هذه الجمعيات وغيرها من الجمعيات الثقافية والحقوقية الاخرى مؤخرا إلى الارتماء مُرغمة أوتوماتيكيا في أحضان الجهات الأوربية خاصة الحزبية بفضل الدعم المادي الوفير المُقدم لها لتنفيذ برامجها والتي غالبا ما تكون عبارة عن مهرجانات ولقاءات يغيب عنها التعريف بصورة المغرب تماشياً وما تفرضه شروط الدعم من طرف هذه الجهات والتي تعْرَفُ بكَسْب اصوات الجالية في الانتخابات لا غير. في الوقت الذي تنظم جمعيات موالية للبوليساريو مدعومة من مغاربة وجزائريين مُؤتمرات قرب أنوف المغاربة وبأزقة مدن أوربية يقطنها اغلبية مغربية يمُر أمام ابوابها التي تعلوها اعلام الانفصاليين، المغاربة مرور الكرام، كما كان قد حصل لي شخصيا بمدينة انفيرس البلجيكية حينما قام احد موظفي بلدية محلية وهو من اصل جزائري برفع علم الانفصاليين فوق البلدية، الشيئ الذي اثار اندهاشي شخصيا رفقة اصدقاء، قبل ان نتدخل بعنف ونتصل بشرطة المدينة التي انتشلت العلم وانزلته مُعتبرة ذلك تهديد لامن المدينة، بينما نحن نتجول في الحي الذي يُعرف لدى كامل بلجيكا بحي المغاربة بعدما اصبح يطلق عليه بحي (بُوركروكو) نسبة (لمُوروكو) عوض (بوركْرَاوت)، مما يُبرز خطورة تجاهل المسؤولين المغاربة لاهمية توعية مغاربة المهجر بقضايا وطنه الأم عن قرب وبأساليب جديدة مُبتكرة وبعيدة عن المحسوبية والزبونية الفيروسان السائدان حالياً داخل وزارة الجالية ومجلسها، هذا لن يتاتى عبر وزارة فاشلة ومجلس تسُوده المحسوبية وتوظيفات مشبوهة وتقاسم اعضائه ومدعوات ومدعوين أشباح لأفخم الأكلات والفنادق عبر العالم دون حسيب او رقيب. فالشباب المغربي بالمهجر اصبح اليوم لا يهتم مُطلقا بالقضايا السيادية للمغرب كالصحراء مثلا، بل لا يعلم اصلا ما هي قضايا المغرب السيادية. لدرجة اصبح الامر عاديا، حين تتم الدعوة لوقفة احتجاجية، لا احد يمكنه اقناع مجموعة من الشباب المغربي مثلا بالمشاركة لنصرة قضية الصحراء امام احدى المؤسسات الاوربية، سوى افراد محسوبين على الاصابع، مما يجعل دور المسؤولين امام تحدي اعداة غرس الوطنية قبل فوات الاوان عبر وزارة حقيقية للجالية ومجلس للجالية مُنتخب ديموقراطيا وسياسة تعليمية جادة عن قرب موجهة لمغاربة العالم تراعي اللغة والهوية اللتين تربيا فيهما وتطلعه على تاريخ بلدهم الحقيقي الحافل بالابطال الحقيقيون من مختلف مناطق المغرب وتجعله يطلع على قضايا المغرب جغرافيا وسياسيا عبر كُتيبات بلغات بلد الهجرة.
مما يُضعف تسويق صورة المغرب لدى الاجانب ايضا، نجد دور اللوبيات الجمعوية عبر العالم، فلا أحد يَعلمُ انّ هُناك لوبيات جمعوية كُبرى ومُؤثرة بأوربا الشرقية وباسبانيا والجزائر نفسها، تدافع عن أحقية الشعوب الأصلية في الوُجود ورد الاعتبار ومثلها في أمريكا اللاتينية وأستراليا كثيرة. وجمعيات المجتمع المدني المغربية مطالبة خاصة المتواجدة بالمغرب خصوصا الشبابية منها الأن وأكثر من أي وقت مضى إلى الخروج من جُحرها للعب دورها الدبلوماسي الجمعوي بأطرها الكُفئة المتشبعة بالوطنية واحالة المتشبعين (بالزرود) والسفريات الحميمية على حساب خدمة الوطن وارجاعهم الى دكاكينهم قصد"ممارسة" لعبتهم السياسية المُفضلة، هذا كله لتسويق جيد وممتاز لصورة المغرب الحضاري المتفتح والدولة المتسامحة السائرة في طريق الديموقراطية والتعريف بقضاياه السيادية التي مُست كثيرا مع تسييرها من طرف فاشلين بوزارتي الجالية ومجلسها بجانب وزارة الخارجية الفاشلة ايضاً، طبعا بإمكانيات مادية توفرها الدولة في ضل الغياب المهول للاحزاب المغربية الخالدة في نومها العميق والمتراشقة فيما بينها حتى أصبح الوطن وللاسف الكبير ضحية تناطح هذه الأحزاب الرثة، ليَصِحَ القولُ، أن الوطن فعلا اصبح ضحية نرجسية أحزابه :(فتناطح ثوران وكان الضحية العشب).
الان وبعد فقدان الثقة كاملة في دور الاحزاب المغربية في قيامها برفع ألبُوم تاريخ واوراش وقضايا المغرب والذهاب بها بعيداً والتعريف بالبلد وربط علاقات مع أحزاب أجنبية، تكون مُدخراً لعلاقات دائمة ورصيداً من المَعارف والصداقات تستخدمها هذه الدكاكين السياسية كأسلحة تجعلها في خدمة الوطن في أوقات الازمات، بدل إنتظار وقوع الأزمات والإنهماك في الهرولة الهزلية المُضحكة والمثيرة للسخرية باتجاه ما يعرف بالاممية الاشتراكية و الاممية اليمينية كما تفعل دكاكيننا السياسية الرافعة لسخافة الحق التاريخي "لتمثيل" المغرب، حتى أصبح هذا التمثيل، "خروجاً" عليه.
شخصيا، أشك في تواجد رفروف هذه الأحزاب على عناوين إتصال بزعماء، إتفاقيات توأمة أو صداقة مع أحزاب او حتى لائحة باسماء تنظيمات حزبية بدول بامريكا اللاتينية واستراليا او جنوب شرق اسيا او حتى اوربا او افريقيا مثلاً. في الوقت الذي تقوم فيه الاحزاب التي تريد الخير لبلدانها بزيارات دائمة وعلى طول السنة بل وتدعم ذلك بفتح مكاتب لها بدول جد بعيدة، كما حصل مع الحزب اليميني الفلاماني البلجيكي المُعادي للاسلام، والذي فتح عدد من المكاتب بأمريكا وفرنسا وأسيا، وقام افراده بزيارات عديدة بل قادت زعمائه لدول يُعاديها الحزب، وللغرابة كان قد قام وفد يمثل هذا الحزب بزيارة سابقة للمغرب، لم يجد في استقباله بمطار الدارالبيضاء أحد من الاحزاب المغربية غير رجال الشرطة، هذه الاحزاب التي تجردت من مبادئها العلمانية من الماركسية والماوية والتقدمية ووو...و"تأسلمت" جميعها أنذاك فرفضت إستقبال هذا الحزب المُعادي للاسلام والمعادي أصلا للمغاربة ببلجيكا والذي سيطر مؤخراً على الانتخابات بهذا البلد وسيقود الحكومة بعد سلسلة من المفاوضات الماراطونية، لكن السياسة علمته ان يقوم بزيارة أركان العالم الاربع من أصدقائه حتى الى من يعتبرهم أعدائه، هذه هي السياسة، فهي فن الكذب ومن يعرف كيف يكذب يكسب أكثر.
للأسف دكاكيننا السياسية لا تتقن فن الكذب والمكر إلا حين يتعلق الأمر بفعل ذلك على المواطن المغربي، فتتفنن في ابتكار أعتى وأخر ما آستجد في عالم الكذب السياسي.
فماذا يا ترى سيفعل زعماء هذه الدكاكين الأن بالضبط مع زعماء هذا الحزب الذي لم يُكلف أحد عناء إستقبال وفد عنه بالدارالبيضاء يوماً والذي سيقودُ اليوم الحكومة ببلجيكا، البلد العضو بالاتحاد الاوربي ورئيسته الدورية حاليا وبه يتواجد مقر الاتحاد الاوربي ومقر حلف شمال الاطلسي؟ ألم يكن حرياً بالمسؤولين المغاربة، تغليب التعقل على الاحاسيس ورمي شعار (القومية العربية) الفاشلة؟ والتي لم تجلب للمغرب غير الخطوات الكثيرة إلى الوراء، فشخصيا أتعجب حينما أسمع دولا غربية بعيدة بالاف الأميال تجهر بدعمها للمغرب بينما دول (قومية) قريبة تطبق الصمت السلبي، فلا هي ضد ولا مع المغرب. فكما يَعرفُ الجميع، فمعرفة العدو نصف الإنتصار، بينما نحن هنا لا نعرف عدونا من صديقنا بين هذه الكيانات القومية والسلبية الدائرة بنا. كما أتسائل الأن طالبا (السلامة)، عن ردود أفعال نواب هذا الحزب اليميني الفلاماني خاصة المتواجدون بالبرلمان الأوربي وداخل بلجيكا تجاه المغرب ومصالحه؟
لقد أصبح ضروريا وحتميا مراجعة المتدخلون الاساسيون والرئيسيون في تركيبة الدبلوماسية المغربية بشتى انواعها، كما اصبح إقتحام المُجتمع المدني للدبلوماسية المغربية ضروريا عاجلا أم أجلا، لأن دورَهُ أصبح لا يمكن الاستغناء عنه بل وفعال حتماً.
وللتركيز أكثر، يكفي أن نطرح التساؤل التالي : لماذا لا تفكر الحكومة المغربية في إقحام الكوادر الجمعوية والحقوقية المشهود لها بالكفائة والاستقلالية والوطنية في المفاوضات الجارية حاليا مع عصابة البوليساريو؟ فمن يدري؟، فإقحام الحقوقي ضمن الوفد المُفاوض سيجعل المنتظم الدولي يقف آحتراما لنا، ولرُبما وقف العدُو قبل الصديق احتراماً ايضا؟ فالمجتمع المدني الان اصبح يُعطى الكلمة في أروقة الأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية الرسمية، بل وبسبب المجتمع المدني (المُعسكَر) من طرف الجزائر تعالت اصوات التنديد من اسبانيا وغيرها ضد المغرب.
إسبانيا نفسها بها مجتمع مدني أكثر نشاطا خاصة بمنطقة الباسك، كاتلونيا وغاليسيا، وملفات عدة قابلة للانفجار، لكن الساسة الاسبان وأحزابها تعرف جيداً كيف تجعل المجتمع المدني الاسباني يُسَوقُ صورة إسبانيا المُوحدة أكثر مما يُسَوقُ مطالب انفصال كتالونيا أو بلاد الباسك مثلاً، لأن مطالب الإنفصال بإسبانيا جعلت الإسبان بكاليسيا والباسك وكتالونيا ينتزعون من ورائها مكاسب ديموقراطية واقتصادية واجتماعية أصبحوا معها في غنًى عن الانفصال والتفرقة، وجعلت مطالبهم تلك "صادرات جمعوية" إلى بلدان كالمغرب.
بالجزائر أيضا، فكما بجنوبها أين يتواجد الطوارق المهضومي الحقوق، والذين ما فتؤوا يطالبون الحماية الدولية ويشاركون في مهرجانات امازيغية بالمغرب، اضافة إلى أن المجتمع المدني بمنطقة القبائل يُرعب جنرالات الجيش الجزائري، وأصبح له فروع قوية جدا بفرنسا وانجلترا تتزعمها أطراً أمازيغية تكِن حباً شديداً للمغرب مثل المناضل المنفي بفرنسا ورئيس حركة الحكم الذاتي بالقبائل (فرحات مهني) وأصبحت تعتزم فتح تمثيليات دبلوماسية لها بالعالم بعدما أصدرت حديثاً أولى بطائق التعريف الوطنية القبائلية بباريس، بينما نحن ننتظر السماء لعلها تمطر ذكاءً.
الأمر ذاته بالنسبة لدولة مثل كُوبا التي تزدهر بها حركات التحرر الديموقراطية المطالبة بالحرية وآنهيار الحزب الوحيد، والتي كان يكفي على دَكاكيننا السياسية الالتحاق بها عبر "الفايس بوك" بعدما تعذر السفر إليها جواً لغياب الضمير الوطني في الوقت الحالي، مُتأبطين ملفات البلاد وأوراشه الحقوقية والتنموية.
الشيئ نفسه بالدول الاخرى كجنوب افريقيا التي يتواجد بها سكان "الهوتو" و"التوتسي" الأصليون المهضومي الحقوق من طرف البيض والعنصريين السود، وقد كان لنا المثال الاجدر بالاقتداء مؤخرا حينما تم طرد الوفد المغربي من بريتوريا، بسبب الثقل الكبير لاطروحات الانفصاليين ومُدعميهم. والجميع بدأ بالتنديد وكيل التهم للجزائر وجنوب افريقيا بدل توجيهها لأنفسهم. فكيف يُعقل أن يذهب وفدٌ لا أحد يعلم كيف ومتى تم إنتقاء اعضائه أو ما محله من الاعراب في "التراكم النضالي" في سبيل القضية الوطنية. ولابد أننا كمغاربة لا يظهر لي اننا يوما سنكف عن البكاء وراء الميت. فقد كان حرياً بهذه الدكاكين الرثة إرسال ممثليها من ابناء وحفدة اعضائها للسياحة باحد الجزر بدل ارسالهم زعماً للدفاع عن المغرب، لسبب بسيط جداً، وهو أن الدفاع عن قضايا الوطن يكون مُخططا له منذ زمن وليس في الدقائق الاخيرة كما فعلت الخارجية ودكاكين السياسة ببريتوريا.
فكان على المسؤولين قبل الزج بهؤلاء "المُمثلين" بين أنياب الذئاب، تِعدادُ التراكمات النضالية والاتصالات بوفود الدول المشاركة قبل سنوات خلت وربط علاقات معها والتحسيس بقضايانا عبر وفود كان على الجميع ان يقوم بها طوال السنة الى بُلدانهم، ليكون مثل لقاء بريتوريا ليس الا تحصيل حاصل وموعدا مع الحلفاء والاصدقاء للاحتفال بالصداقة وسيتحد انذاك فيه الجميع مع المغرب ضد كل من يُريد التفوه بكلمة ضده، انذاك اتحدى أي كان أن نجني ثمارا مقيتة كتلك التي جنيناها ببريتوريا، حين إستطاع مُرتزقة وأعداء المغرب جعل الوفد المغربي معزولا في "القنت" وحيداً كالطفل اليتيم.
وبالرجوع الى العمل المُضني الذي ينتظر الدبلوماسية الجمعوية والحزبية، فكما الشأن لدول معلومة ملفاتها السياسية الحساسة، فهناك دول تعاني نزاعات ثنائية وعرقية كصربيا وكوسوفو وارمينيا وروسيا وجنوب شرق اسيا، وهنا يكمن دور الدبلوماسية الجمعوية الذكية، أين يمكن العمل على استغلال عدد غير هين من العلاقات والملفات لصالحنا بطريقة ذكية ودبلوماسية وجعلها سلاحا كما تفعله الحكومات والأحزاب الجارة.
فأغلبية اقسام وأروقة الامم المتحدة والاتحاد الأوربي والتكتلات الاخرى تعلم جيداً الملفات المعقدة والحساسة كملف كوسوفو والاكراد ومطالب السكان الاصليون بامريكا اللاتينية واستراليا وقضايا الانفصال بالسودان واليمن وقلب افريقيا وحضارات لشعوب تقاوم من اجل البقاء وجب علينا اعادة اكتشافها عن قرب وعرض منتوجنا السياسي لديهم. وليس في تمويل مهرجانات العري والشطيح والتمييع بدول المهجر والادعاء بهتانا بالترويج لصورة المغرب، فالمغرب لم يكن يوماً بلد التمييع والرقص كما تقدمه تفاهات وزارة الجالية ومجلسها وتصرف عليها ملايير دون جدوى تُذكر ولا تستقطب غير السّكارى والمُنحرفين، بينما يُقاطعها المُثقفون ويَعتبرونها إهانة لهم، فيما يتم تجاهل قضايا المُهاجر الحقيقية، كالعنصرية المتزايدة وسلبية الادارات المغربية اضافة الى التعليم، القضاء وغياب إدماج المتحدثين بالامازيغية بأغلب قنصليات بلجيكا، المانيا، هولندا والدول الاسكندنافية، أين تتواجد جالية أغلبيتها من المتحدثين باللغة الامازيغية، الشيئ الذي جعل مغاربة المهجر من المُثقفين والأطر من الجيلين الثاني والثالث، أكثر الجاليات نفوراً من بلدها وجهلا بقضاياه السيادية ومُضطرين احياناً، بل وبلامبالاة مُبررة في اكثر من مناسبة.
فبعدما أصبح الأمر واضحا للعيان، فان دبلوماسية مد اليد للأخوة لم تعد تجدي نفعاً مع دولة جنرالات عدُوة كالجزائر، التي ما إن يمُد لها المغرب يد المُصالحة والأخوة حتى تمد لنا أوسط الأصابع بدل اليد كاملة. فما إن ترسل رسائل تهنئة بعيد الاضحى حتى ترسل بالمُوازاة مقاتليها لحرق العيون في عيد المسيرة الخضراء.
فما يجب على بلدنا الأن، هو ذلك التفعيل الفوري لدبلوماسية رسمية قوية وارادة جادة لإعادة هيكلة أدوارها الى جانب من يُمثلها. فعيب فعلا أن يمثل بلدنا سفراء كُسالى لا يُنظمون طيلة فترات إنتداباتهم ولو ندوة دولية وحيدة بتلك الدول حول موضوع من مواضيع السيادة المغربية، تسَجلُ في سجلهم الدبلوماسي. وعيب كذلك أن يكون سفراؤنا وقناصلتنا بعيدين كل البعد عن الحياة السياسية والحزبية والجمعوية بالبلدان التي ينتدبون بها. في الوقت الذي نرى فيه سفراء الدول الاخرى وقناصلتها داخل المغرب نفسه يجوبون المغرب طولا وعرضا ويصلون حتى القرى والمداشر بل في تواصل مستمر حتى مع شباب الفايسبوك.
فسفراؤنا وللأسف خارج التغطية في مواضيع إستقطاب رؤساء الاحزاب المحلية بتلك البلدان وأهمية ذلك، ويهتمون بربط صداقات شخصية ومصلحية اكثر من ربطها باسم الوطن، كما حصل مع سفير المغرب بايطاليا سابقاً ويحضرون عروض المسارح الراقية بأوربا أكثر مما يحضرون معارض الجمعيات والاحزاب، ويهتمون بتنظيم أجندات عرض أخر الافلام و"الهالوين" (للنشاط) بها أكثر مِما يُنظمون أجندات الندوات والمحاضرات لتنشيطها. فالتواصل مع احزاب البلد الحاكمة والمعارضة مكاسب اليوم والغد، فمُعارضة اليوم هي حُكومة الغد، وكذلك الاتصال الدائم بعمداء المدن ورجال الصحافة والجمعويين، بل لا تقوم تمثيلياتنا الدبلوماسية عبر العالم أجمع حتى بتعداد البرلمانيين والساسة والمُحامين والاطباء والاستاذة والصحفيين الكثر ورجال الاعمال من أصل مغربي والإحتفاء بهم وتأسيس ناد لهم وتكريمهم لتشكيل قوة ضغط بها كما يفعل اقرانهم الأتراك، الشيئ الذي يجعل الكثير من هؤلاء لا يكترثون بما يجري بالمغرب البتة، غير مُبادرات ملكية قديرة بتكريم عُمدة روتردام المغربي ووزيرة الثاقافة البلجيكية من اصل مغربي، في الوقت الذي نرى فيه سفراء دول ليست على مستوى الأهمية وليست لها حساسيات سياسية كتلك التي لنا سواء مباشرة مع الجزائر واسبانيا أو غير مباشرة مع ليبيا، قطر، جنوب أفريقيا أو كوبا ولو ضمنيا، تقوم باستدعاء ساسة ونجوم سياسيين وحقوقيين كبار تكرمهم وتجعلهم رموزا لها بالمهجر، كما حصل مع الوزير البلجيكي من أصل تركي (إيمير كير) الذي أصبح وزيراً لدولتين، من شدة ارتباطه الكبير بوطنه الذي يزداد مع التقدير الكبير الذي يحظى به من رئيس الوزراء "عبد الله غل" الى جانب عدد كبير من الاتراك بأوربا، فيما وزيرنا الأول يهتم أكثر بالسفر شبه اليومي لمصحات باريس للاطمئنان على حالته الصحية التي لاحظ الجميع أنها أصبحت مُقلقة، بينما الحالة الصحية لعلاقات المغرب الخارجية أصبحت تعرف تقهقرا مُقلقاً، ولا يُسافر أحد من أجل صحتها. إضافة إلى "احتلال" صحيفتي حزبه طائرات "لارام" وكأنها مالكها دون الصحف الاخرى، واجبار المسافرين قراءتها على مضد قصد النفخ في بارومتر المبيعات المزيف لجرائد الحزب.
فذلك ما جعل الاتراك مثلاً أكثر إحساسا بالوطنية من غيرهم وهي الحقيقة المُرة التي يجب الاطلاع عنها بدل الزيف الذي نطلع عليه في قصاصات أخبار القنوات المغربية وفي ميكرفوناتها أمام أبواب البواخر في فصل الصيف، حيث يستحيل مثلاً ان تجد تركياً واحداً يُصوت في الانتخابات لغير المُرشحين من أصل تركي ببلجيكا كاملة، فيما تجد من المغاربة من يُصوت لليسار واليمين بل حتى للاحزاب العنصرية بأوربا، كما يستحيل بالمُطلق ان تجد تركيا واحداً يُفكر مجرد تفكير في قضاء عُطلته السنوية ببلد أخر غير بلده تركيا، بينما يفضل غالبية الشباب والمثقفين المغاربة وجهات تركيا أو حتى أوربا الشرقية لقضاء عطلهم بدل المغرب، نظرا للتكلفة الباهضة والمُبالغ فيها باتجاه المغرب، بينما يكتفي الجيل الاول وبعض من الجيل الثاني بزيارات للاحباب لا اكثر باتجاه المغرب.
هذا كله يجعلنا نتسائل حول الارقام التي تنشرها وزارة السياحة حول تطور السياحة ببلادنا، بينما لا يزور المغرب غير الشيوخ المرضى وافواج من شحاتي انجلترا وفرقٌ من العاطلين الاسبان لتنظاف مؤخرا طوابير العاهرات الرومانيات والروسيات عبر وكالات اسفار تعرض المنتوج المغربي باثمان تختلف ب180 درجة عن تلك المعروضة للسائح المغربي داخل الوطن إضافة الى تفضيل اغلبية السياح لطائرات منخفظة التكلفة لا يتعدى ثمن التذكرة على متنها 40 الى 50 يورو ذهابا وايابا من والى المغرب، فيما تتكلفُ الخطوط المغربية "بِسَلخ" و"نشف" جيوب الجالية من المغاربة باتجاهات كالريف مثلا، الذين قهرهم المهجر والبطالة ولا تدخر جهداً الشركات المغربية من جهتها في"طَحْنهم".
اما فيما يخص الجانب الثقافي، ففي ضل الغياب التام للمراكز الثقافية ودُور عرض خاصة داخل سفاراتنا على الأقل، فان الترويج للمغرب وتاريخه لايزال مُعلقاً الى اجل مسمى وفي ملصقات محتشمة ومجهولا لدى الاجنبي، ولا يتعرف عليه الا بمجهوده الشخصي عبر محركات البحث الالكترونية في ضل السبات الخطير الذي تعيش فيه مكاتب السياحة المغربية بدول العالم. في الوقت الذي تحتل فيه إعلانات دول قريبة مثل تونس ومصر صدارة الاعلانات بأوربا عبر إحتلالها لشركات النقل من "المترو" و"الترامات" والحافلات إضافة إلى تركيزها على أهم الازقة والمراكز العامة، بينما لا ترصد إعلانات السياحة المغربية سوى في بعض الازقة النائية.
اما سفاراتنا وقنصلياتنا التي ما أن تلِجَهَا حتى يُخيل إليك كابُوس دُخول إحْدَى (الكوميساريات) أو مخافر الدرك المُخيفة، فان الجفاف الفني والثقافي يعم جدرانها حيث الغياب التام لأثر اللوحات الفنية المغربية وغياب أي تراث مغربي مُصور على اسوارها غير صور بئيسة لفرسان تعود للعصر الحجري أو زرابي شامية متآكلة. بل وفي زيارة شخصية لأحد سفاراتنا بأوربا عام 2009، إندهشت حالما وطئت رجلاي باب احدى السفارات، حيث تم إيداعي على الطريقة البوليسية من طرف عون رُفقة وفد جمعوي بأحد القاعات في إنتظار السفير، في تلك القاعة أين تتواجد شاشة بئيسة تُطْلِعُ الزائر قيدَ الانتظار على مِلَف ترشيح "طنجة" لإحتضان المعرض العالمي لسنة 2012، فيما ملف الترشيح هذا كان قد طُوي ومن فاز بشرف التنظيم قد فاز ومن فشل مثلنا قد فشل. إلا أن السفارة هذه لا تجد حرجا في اذاعة سبب الفشل، فهذا الفيلم المُصَور يُعاد عرضه وكأنه ابتهاج لنجاح مزعوم بكسب شرف التنظيم، أم هو جهل أصلي بنتيجة التصويت من مسؤولي ذاك المخفر؟ فالملف الذي مر عنه أنذاك ازيد من خمسة اشهر لا زال يقدم على انه ملف ترشيح ، غير أن المسؤولين رُبما لا يأبهُون أو رُبما ليسوا حتى على علم بما جرى مع ملف الترشيح هذا. وآستغربت مُتسائلاً : ماذا لو كان بين الزائرين في قاعة الانتظار هذه وفوداً أجنبية؟ وماذا سيكون رد المسؤلين إن طرح السؤال، ما السبب في فشل طنجة الجميلة كما يُبينها الشريط بشرف تنظيم هذا المعرض؟ أو بالأحرى رُبما قد يجعل المسؤول في موقف حرج إن قال له أن الملف ذبُلَ دقائق فقط بعد اسدال الستار عن سحب قرعة التنظيم، فما الذي يجعلكم تكررون إذاعة هذه السخافة التي هي سبب فشلكم؟. فاذاعة السخافات تلك هي نفسها التي جعلتنا نفشل لمرات عدة في الظفر بشرف تنظيم كاس العالم، الحُلم الأضحوكة قبل أن تاتي دولة بحجم طنجة وتفوز بتنظيم كاس العالم كاملاً. السبب بسيط وهو أننا رسامون بارعون على الورق بينما مُشيدُون فاشلون، كما الشأن للملاعب المهازل التي شيدت مؤخراً، فتم نهب أجزاء من ميزانياتها ولم تنجز كما تم رسمُها على الورق كملعب طنجة نفسها، فالصُور التي كنا نقدمها طيلة مهازلنا السابقة في ملفاتنا تختلف عن تلك التي قدمتها قطر لسبب بسيط جدا، وهو ان جزيرة قطر قدمت ملفا مرفقا بإبداعات ونجاحات اعلامية خيالية وتنظيمية غير مسبوقة، عكسنا نحن المتوفرون على قطب إعلامي تتناسل قنواته كالفئران ولا يشاهدها حتى موظفوها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.