لا أحد منا لا يتعرض لمواقف محرجة أو مربكة، مضحكة أو مبكية في حياته اليومية.. إلا أن ردود أفعالنا كبشر غالبا ما تختلف تجاه الموقف نفسه لانها تعكس رغم بساطتها شخصيتنا بشكل أو بآخر. ونسيان «محفظة النقود» أو «البطاقة الائتمانية» من المواقف التي يتعرض لها الكثيرون نساء ورجالا. فتخيل معنا هذا السيناريو.. بعد تسوق شاق ومضنى وجلب ما هبّ ودبّ، وتعبئة عربة تجر بصعوبة، أخذت منك الوقت والجهد والتركيز لعدم نسيان الاحتياجات، حتى أصبحت تجر قدميك جرا، تتنفس أخيرا الصعداء لانك وصلت «الكاشير»، ثم جاء دورك للمحاسبة ووراءك طابور طويل كنت قبل قليل واحدا منه، وهم الآن ينتظرون انتهاءك ليعودوا أدراجهم إلى بيوتهم لانهم ينتابهم ما انتابك من التعب. وقفت وبدأت تنظيم تسيير احتياجاتك حتى انتهيت وجاء وقت الدفع وكان مبلغا وقدره.. مددت يدك تتفقد «محفظتك» أو البطاقة.. لكن الجيب خال.. حاولت من جديد لعلّها هنا أو هناك.. تتلفت يمينا ويسارا دون جدوى فانت يا عزيزي قد نسيت بطاقة حسابك.. ولا تملك سوى علامة استفهام يرسمها محياك الذي شبّ نارا وجعل لسانك يتعلثم وعينيك تتطلع إلى الأمام والخلف.. ولا تدري ماذا تفعل والعيون تراقبك. هل تجرّ قدميك إلى الخلف وتعيد ما جمعته بعناء؟ هل تعتذر وتنصرف داعيا أن لا يراك أحد تعرفه؟ هل تطلب أن تبقى العربة على جانب ثم تعود بعد قليل للدفع؟ استطلاعنا التالي اذن يرصد ردود الأفعال المختلفة تجاه هذا الموقف ثم يعرض لنا علم النفس الطريقة المثلى التي يجب اتباعها للابتعاد عن هذا الاحراج.. ولنتابع الآراء. لحسن الحظ ان جميع من قابلناهم تعرضوا لهذا الموقف، لكن كان الأطرف من بينهم موقف لميس الضبابي التي مرّت بتفاصيل هذا الموقف نفسه المعروض بالمقدمة حيث قالت: عند وصولي إلى اللحظة الحاسمة (الدفع) اكتشفت أني نسيت البطاقة الائتمانية، بل نسيت محفظتي كليا في حقيبتي الأخرى.. وجدت نفسي أضحك أمام المحاسب ثم سألته: «معك تسلّفني»، فابتسم وقال: «لا أنا عايز اللي يسلفني».. فوجدت نفسي أقول له: «معك الكاميرا الخفية». ضحك وسألني: أين هي؟ فاشرت إلى إحدى كاميرات المراقبة التابعة للجمعية قائلة: «هنا». فصدق المسكين وأخذ يشير بيده مؤشرا «باي» للكاميرا. وانسحبت بسرعة إلى السيارة وانفجرت بالضحك، وقررت مقاطعة تلك الجمعية نهائيا. أعتذر وأترك الأغراض من الأفضل تجنب مثل هذه المواقف بالحذر وتفقد ما نحمل منذ البداية وقبل الخروج.. هذا ما قاله نزار الهنداوي ثم أضاف قائلا: حصل اني نسيت ذات مرة محفظتي في السيارة.. وكان هذا الموقف من أكثر المواقف احراجا في حياتي، ولم أجد مجالا للتصرف سوى الاعتذار والاعتراف أيضا بنسياني لمحفظة نقودي. وطلبت من البائع ترك الأغراض جانبا لدقائق حتى أعود بالمال. واسترسل قائلا: هذه المواقف لا يوجد فيها تلوين أو تجمل.. وليس لها بالنسبة لي حل ثان سوى ما فعلته ومثل هذه المواقف صعبة جدا على الرجل لانها تسبب له الاحراج والارتباك. جاءتني مكالمة مهمة وردود الأفعال ما زالت مختلفة.. وموقف آخر تعرضت له لينا عوض تحكيه قائلة: كنت في موقف لا أحسد عليه، فالجمعية تضج بالازدحام والوقت في رمضان وقبل أذان المغرب بساعة تقريبا، وجمعت من الأغراض بدل العربة عربتين.. وكانت الوجوه «طفرانة» والجميع يريد أن يحاسب سريعا ليعود إلى بيته قبل الأذان. ما زلت أذكر كيف كان المحاسب «روحه طالعة» «يتأفأف» ويصرخ على زملائه اذا ما وجد سلعة دون سعر وجئت أمامه لأزيد الطين بلّة.. فبعد قرابة عشر دقائق أو تزيد والمحاسب ما زال متسمرا في تفقد الأسعار وحسابها.. اكتشفت أني نسيت البطاقة وليس لدي سوى مائة فلس والحساب قد وصل إلى 54 دينارا. خفت ولم أعرف ماذا أفعل، وفي هذه الأثناء جاءني الفرج عندما سمعت صوت «الموبايل» واذا بي ودون أن اشعر أرفع يدي أمامه حيث لم يكن انهى بعد اجراءات العملية الحسابية وأقول له مكالمة خارجية مهمة.. «شوف غيري» وانصرفت بسرعة البرق من أمامه رغم انني سمعته «يتحلطم بالكلام». وهذا يوم وذاك يوم.. لم اخرج من بيتي بعدها إلى أي مكان من دون أن اتفقد بطاقتي ومحفظتي. ذهبت إلى مدير الجمعية الموقف نفسه تعرضت له أيضا خولة الغلاييني أكثر من مرة تحدثنا عن أولها قائلة: عندما اكتشفت أني لا احمل دينارا و«الكينيت» ليس معي، اعتذرت للمحاسب ثم ذهبت الى مدير الجمعية وأخبرته بما حدث، وخلعت خاتمي الذهب وقلت له أبقيه عندك وسأذهب لأحضر النقود وأعود. واذا به يقول: سأدفع المبلغ عنك، وعندما تجدين وقتا مناسبا «جيبيهم». وبالفعل عدت إلى بيتي بالأغراض وأحضرت النقود ودفعت حسابي. أما المرة الثانية التي تعرضت فيها الغلاييني لمثل هذا الموقف، فكانت عند محطة بنزين ووراءها صف لسيارت طويل يريد المحاسبة.. فماذا حدث؟ قالت: عند وصولي للمحاسبة اكتشفت ان حسابي ثلاثة دنانير وليس معي دينار واحد.. عرضت عليه أخذ بطاقتي المدنية كضمان الى حين ذهابي وعودتي بالمال.. لكن كانت ردة فعله كمن سبقه، حيث رفض الشاب أخذ البطاقة مني وقال لي «توكلي على الله فانا دوامي إلى الساعة كذا، وان لم تأت سأدفع عنك». وختمت الغلاييني قائلة: هذان الموقفان يثبتان لنا أن «الدنيا بخير» وأن الرجل العربي ما زال يتحلى بالنخوة العربية والشهامة، ولكن على الانسان أن يحتاط قبل خروجه من البيت. لم يشتغل «الكينيت» أما اخصائية علم النفس ليلى الخطيب، التي تعرضت للموقف نفسه فقالت: نتعرض كثيرا لمثل هذه المواقف، وما حصل معي أن الكينيت لم يشتغل بعد مروره ثلاث مرات على الجهاز عند المحاسبة في الجمعية، وبدوت أمام الناس بصورة غير لائقة، وكانه ليس لدي رصيد في «الكينيت» وخصوصا ان ورائي صفا طويلا. وقد كنت بحاجة ماسة إلى الأغراض فاعتذرت وطلبت أن تبقى «عربتي» على جانب حتى عودتي من البنك.. وهناك اشتغل «الكينيت» وسحبت المبلغ من البنك بعد أن عرفت أن الخراب يكمن في جهاز الجمعية.. وعدت ودفعت حسابي من جديد. غيرت رقمي السري أكملت الخطيب: هذه المواقف قد تحدث لنا في أماكن أخرى غير الجمعيات ومراكز التسوق مثل البنوك مثلا حيث تأخذ دورا ثم تفاجأ أن العملية ملغية أو البطاقة غير صالحة للاستخدام.. وكأنه لا يوجد لك رصيد، وعند الاستفسار لاحقا والسؤال من المسؤولين في البنوك تعرف أن الخطأ يكمن في الرقم السري الذي يجب تغييره، وأن هذه الخدمة متوافرة لكننا لا نعرفها إلا بعد ان نمر بموقف أو مواقف محرجة أمام الآخرين، حيث تنقصنا أحيانا المعرفة واللباقة وحسن التصرف لنتجاوز مثل هذه الاحراجات. إرجاع الأغراض أما رشا صالح فاكتشفت عند الكاشير أن معها ثلاثة دنانير فقط وحسابها المجمل من الشراء كان تسعة دنانير، فارجعت جميع الأغراض التي سجلها الجهاز فوق الثلاثة دنانير.. واعتذرت، ومن بعدها كانت قبل المحاسبة تتفقد ما معها ثم تطلب من موظف «الكاشير» التوقف عند المبلغ الذي بحوزتها. استلفت من شخص خلفي زياد أبوالنجا تعرض هو الآخر لمثل هذا الموقف وكان لحسن حظه أن من خلفه في الطابور يعرفه من بعيد لكونه «جار أخته» فعرض عليه المساعدة.. فقبل زياد بفرح لأنه رآه كمن يقدم له طوق النجاة.. واستلف المبلغ الذي انقذه من الاحراج. حسن الموسوي: ردة الفعل تعتمد على المكان والشخص علق الاستشاري النفسي د. حسن الموسوي على هذا الموقف المحرج قائلا: الانسان يمر كثيرا بمثل هذه المواقف وما يشعر به تجاهها أمر طبيعي، حيث يكون الموقف محرجا في لحظة حدوثه، لكنه بعد مدة يصبح من المواقف المضحكة والمسلية للانسان، بل من المعروف أن الشركات في بعض الدول تسأل الشخص المتقدم للوظيفة عن المواقف المحرجة التي مر بها وكيف تصرف فيها، لانها تظهر شخصية الانسان وطبيعته، وكيف يقيم عمله وكيف سيتصرف في أحلك المواقف العملية. والانسان بطبيعته يقيم بعد انتهاء الموقف المحرج تصرفه تجاهه وردة فعله عليه، ويسأل نفسه لو كان بامكانه تفادي الموقف.. ثم يقارن سلوكه مع سلوك شخص آخر وضع في الموقف نفسه وأي السلوكين أفضل من خلال مقارنة رد الفعل «هل هي انفعالية.. غضب وثورة عصبية أم أنه يواجه الموقف بشجاعة؟». هذا الأمر يعتمد على شخصية الانسان، فلابد أن يواجه الانسان الموقف الذي وضع فيه ويراه أمرا طبيعيا قد يتعرض له أي شخص منا ولا يلوم نفسه أو يتحرج فلابد أن يأخذ الأمور بشكل طبيعي وسلس.. وفي مثل هذا الموقف يعتذر بكل هدوء ولا يحاول أن يشعر بالخجل أو الغضب حتى لا يؤثر عليه في أمور أخرى ويستطيع أن يجتاز الموقف بشكل أفضل. والتصرف الأمثل يعتمد على المكان، فلو كان الموقف في مكان يزوره لأول مرة، عليه الاعتذار لصاحب المحل قائلا «نسيت محفظتي» ويضع أغراضه على «جنب» ويخبره بأنه سيتأخر ساعة زمن ويعود لأخذ أغراضه ودفع ثمنها. أما في حالة كان المكان مألوفا بالنسبة له وكانت تربطه مثلا علاقة أخوية باصحاب المكان أو الجمعية القريبة من بيته، فيستطيع هنا أن يطلب منه أخذ الأشياء والعودة إليه لاحقا حتى بعد أيام لدفع الحساب لأن المكان في هذا الحالة يعرفه جيدا، كما يتوافر لدى الشخص عامل الثقة نتيجة العلاقة الجيدة بهذا المكان. فالمكان يؤثر على شخصية الفرد وردة فعله تجاه هذه المواقف. حصاد محرّ.رة هل تعلم أن اختراع البطاقة الائتمانية جاءت أصلا نتيجة موقف محرج. حيث كان مخترعها دعا أصدقاءه الى عزيمة عشاء في أحد المطاعم الفاخرة، وعند دفع الفاتورة اكتشف أنه نسي محفظته، وليس في جيبه ما يكفي لدفع ثمن العشاء، ففكر واخترع بعد ذلك «داينرز كلاب» اسم أول بطاقة ائتمانية وأصبحت تجارة بمليارات الدولارات وتقوم عليها جميع التعاملات المالية. ثم اخترع بعد ذلك أميركان اكسبرس، والماستر والفيزا، وكلّها لتخلص الناس من المواقف المحرجة من جهة والسرقات من جهة أخرى لكونها لا تحتل مكانا كبيرا في الجيب.