حتى أن البعض درج على استخدام «رويترز» لوصف الشخص الذي ينقل الكلام. فنقول «احذروا انه رويترز»، أما رويترز في البيت فهو غالبا الطفل الصغير ذكرا أو انثى الذي تعود على نقل الكلام، بل الزيادة عليه عن قصد أو من دون قصد أحيانا. فعندما يدخل والده البيت مثلا يسرع إليه مهرولا ليقول: «أخي لم يذهب..وأمي لم تشتمك ولم تقل عنك كذا وكذا.. وأختي لم تخرج أثناء خروجك».. هذه تكون حاله بعد توصيته بعدم فتح فمه، أما عندما لايوصيه أحد، فيخبر بما سلف من دون إضافة ورويترز هو سريع البث عندما يطلب منه والده مثلا الرد على صديقه عبر الهاتف منكرا وجوده في المنزل.. يردّ بالتالي «أبي يقول لك هو موجود ولايريد أن يكلمك».. حتى يصبح رويترز هذا مشكلة المشاكل في البيت لأنه يشعل حالة من الفتن «من وإلى» ومشاكل مستمرة لاتقتصر على أهله بل تمتد إلى من حوله. فوجوده انذار يهدد بانفجار قنبلة موقوتة كلما فتح هذا الصغير فمه وثرثر بما لديه من أخبار وتخيلات. فسؤاله عن أمر ما كأننا نضغط على الزر لإحدى القنوات الإخبارية لتتوالى علينا الأخبار من كل حدب وصوب بعضها مضحك، وآخر مبكٍ.. وغيره ما يفجر المشاكل بل المصائب. وللأسف نماذج من هؤلاء الأطفال موجودون في كل بيت حيث تشكو الأمهات ويتذمرن كثيرا من المواقف المحرجة والمربكة والمخزية أحيانا التي يضعهن فيها الصغار. اذن ماذا يفتعل هؤلاء الصغار من مواقف وماقصدهم من ورائها؟ وكيف ينبغي أن نتعامل معهم لنجنبهم هذا السلوك السلبي. التحقيق التالي يرصد ويسجل آراء المتخصصين. الأم سعاد لديها ابنة لم تتجاوز الخامسة من عمرها.. وتصفها أنها «ألعن» من الوكالات التي تنقل الخبر لأنها تزيد عليه من تخيلاتها الكثير، فتشعل الفتن بينها وبين زوجها باستمرار.. فهي ان خرجت معها إلى السوق ونظر أحد الرجال إلى أمها هناك، عملت من ذلك قصة أخذت ترويها لأبيها والمصيبة أن الأب يسمع ثم يسأل ويسأل، وينتهي الحوار بخلاف ومشكلة من لا شيء، وتقول هذه السيدة أنها عجزت عن نصح ابنتها وضربها أحيانا على هذه الخصلة السيئة التي باتت تهدد أمنها الأسري، بعد أن كادت طفلتها هذه تكون سببا في طلاقها بعدما سردت لوالدها أن أمها كانت تتحدث مع البائع وتضحك معه ثم أخذت منه رقمه.. وكانت الحقيقة أنها أخذت الرقم لتستفسر عن موعد انتهاء فستانها الذي طلبت تصغيره. ابنتي تتكلم كثيرا الباحثة الاجتماعية هدى أبو زهرة تروي واقعة طفلة تتكلم كثيرا لدرجة أن كل متصل يسأل عن أمها تسرد له بالتفاصيل أين ذهبت، فيعرفون أين ذهبت ومتى عادت لدرجة أن معلمة طفلتها نقلتها من مكانها لكثرة كلامها وجعلتها تجلس بجانب طفل عديم الكلام في الحصة.. لكن الذي حدث أن الطفل انتقلت له عدوى الكلام فأصبح متحدثا جيدا وانفكت عقدته. أما ما فعلته الباحثة الاجتماعية لعلاج تلك المشكلة فهو جلسات متكررة ومستمرة مع الطفلة لتوضيح ما ينبغي أن يقال للناس وما ينبغي أن لانقوله، لأنه ليس بالضرورة أن يعرف عنا الناس أين نذهب أو أي أمر آخر يخصنا، وأصبحت تعلمها كلمة «لا أعرف» حتى لاتبيح للآخرين التمادي في سؤالها واستغلال طفولتها وسذاجتها. كيف نتصرف مع الطفل رويترز؟ أما الباحثة الاجتماعية هدى رشدي فتؤكد أن الطفل رويترز يفتقد الاحساس والرعاية والاهتمام أو قد يكون طفلا مهملا أصلا.. حيث غالبا ما يصيب الأطفال المهملين نوع من الاحباط يدفعهم لتصرفات غير سوية لجذب الانتباه إليهم والاهتمام بهم.. فعندما لايجد الطفل وسيلة للفت انتباه والديه إليه سوى هذا التصرف، فإنه يندفع وراء ذلك لإثارة اهتمامهما بما يقوله ويفعله. أما الاستشاري النفسي د.حسن الموسوي فيقول عن أبعاد هذا السلوك لدى الصغار وكيفية تجاوزه بأن كل سلوك وراءه دافع لهذا العمل، فلكل فعل ردة فعل. والطفل «رويترز» عندما يفعل ذلك فهو يحاول جذب الانتباه اليه لأنه يكون مهملا.. وهذا الأمر يعتمد على الجو العام للبيت أيضا، فاذا اعتمد الأم والأب على هذا الأسلوب سينشأ الطفل مقلدا لوالديه لأنه يقلد دائما أحد أفراد أسرته.. وهو عندما يجد في سلوكه هذا استحسانا وقبولا اجتماعيا من المحيطين فإنه سيستمر في هذ السلوك، وربما قد يجد بعض الأهل ان هذا السلوك طبيعي.. وخصوصا عندما يتخيل الطفل بعض الأشياء ويزيد على أخباره للاطالة والاسهاب حيث ينقل أحيانا أمورا غير صحيحة من مخيلته حيث يعتقد بعض الأهل أيضا أن الطفل صغير «ولايفهم» وهذا الأمر خاطئ لأن الطفل يعي ويفهم تماما ما يقال حوله.. فيسمع ويحفظ، بل يضخم الخبر للاثارة من أجل الاهتمام به. لهذا علينا أن نكون أكثر حذرا أمام الأطفال في كلامنا وتصرفاتنا، وان نحاورهم دائما ونبين لهم ما ينبغي أن يقال وما لاينبغي أن نقوله.