يعتبر «الملك» من أهم التنظيمات العقارية عند القبائل العطاوية، ويهم الأملاك الفردية والعائلية، ويعد نتيجة تقسيمات متتالية للأراضي الجماعية العائدة للأخماس، أو القبائل، أو الفخدات والعائلات. ولم تكن أراضي «الملك»موجودة في السيرورة التاريخية الأولى للقبائل العطاوية؛ لأن هاته القبائل كانت إلى غاية القرن الخامس عشر الميلادي في طور التشكل والنشأة؛ حيث ظلت تعمل على الانتشار والتوسع وتجميع الأراضي وحيازتها وخاصة في صاغرو، فلجأت إلى عدة أساليب لتحقيق مجال جغرافي يمنحها الحياة والاستقرار، فكانت تعتمد بين الفينة والأخرى على القوة واستعراض العضلات على حساب الجيران، وتارة أخرى كانت تلجأ إلى شراء هذه الأراضي في صيغة جماعية، على أساس أن تُقسّم بعد ذلك إلى أراضي «الملك». ولقد تبين لنا من خلال الرواية الشفوية التي أدلى لنا بها عدد من الشيوخ في البلاد العطاوية؛ مثل مرزوكة، ماسيسي، توروك، الجرف، وألنيف، أن مسألة الأرض كانت تشكل برميل البارود بالنسبة إلى الاتحادية العطاوية؛ إذ تفيد أغلب هذه الروايات أن جماعة إثنية معينة داخل الكونفدرالية العطاوية، عندما تقرر تقسيم أراضي جماعية، فإنها تضع نصب أعينها مدى حساسية الأراضي بالنسبة إلى الإنسان العطاوي. معنى ذلك أن كل تحايل أو تمويه في هذا الشأن، قد يفجر صراعا ساخنا داخل هذه المجموعة القبلية؛ الشيء الذي يفرض التعامل بصرامة وواقعية كبيرتين مع قضية التقسيم. وهو الأمر الذي استدعى خلق أسلوب ذاتي لمعالجة هذا الإشكال وذلك عن طريق «تاكَورت»، أي وحدة التقسيم المعتمدة داخل الكونفدرالية العطاوية، والتي هي غاية في الدقة والضبط؛ حيث تحوز كل عائلة، أو فخدة قبلية على النصيب الذي تستحقه. تعتبر قضية «تاكَورت» مثيرة للبحث والاهتمام من خلال جملة من النماذج، مثل النموذج الذي يمكن استقاؤه من قبائل آيت بويكنيفن كالتالي : آيت إبراهيم أويوسف حازوا على10/3،آيت علي أوسعيد 10/3، آيت سعيد أوداود 10/3، ثم آيت إبراهيم أويعقوب 10/1؛ بحيث تعود الكلمة داخل كل مجموعة قبلية بالأساس، إلى مجلس الجماعة الذي يعتبر مؤسسة صاحبة القرار. فهي تتمتع بصلاحية مناقشة وتحديد نصيب كل فخدة، أو عائلة؛ ويتم اختيار مشرفين على هذه العملية الخاصة بالتقسيم. ومن أهم شروط هؤلاء أن يكونوا غير منتمين للمجموعة الاثنية المعنية بالأمر، حرصا على النزاهة، وتجنبا لكل قيل وقال؛ وبذلك تقسم الأراضي إلى قسمين أو ثلاثة أقسام، وتراعى في هذه العملية مجموعة من الشروط والاعتبارات، منها أن تكون الأرض على طول الأودية، فتقسم إلى جزء أعلى، وآخر وسط، وثالث منخفض. وكل قسم تراعى فيه مساحته، طبيعة تربته، مدى خصوبته وظروف الماء فيه؛ مثل عمق الفرشة المائية، وصعوبة استخراجها. بعد هذا العمل المضني والشاق، يتم التقسيم اعتمادا على أسلوب «تاكَورت». تختلف مساحة «تاكَورت» من منطقة لأخرى حسب مساحة الملكيات وتبعا لعدد الأسر والفخدات، أو القبائل والأخماس المشاركة فيها، ومع ذلك فان بعض المناطق لها وحدتها القياسية التي تعمل وفقا لها في إطار عملية التقسيم. نتوقف في هذا الصدد عند آيت عطا في تنغير، فنجد أن امتداد «تاكَورت» عندهم يتراوح ما بين 2 و 7 «إيشر». و»إيشر»في عرف آيت عطا المزارعين، هو وحدة قياسية مساحية شائعة عند أبناء عمومتهم أهل تودغة، وهي تعادل 16م_، أي حوالي 4/1 هكتار. وهناك من الملاكين من يملك وحدات صغيرة داخل قطاع واحد مثل الثمن والسدس من «تاكَورت»وهو ما يماثل بالآر ما يتراوح ما بين 1 و15 آر من الأراضي المسقية. نشير هنا، إلى كون بعض الأسياد العطاويين في تودغة كانوا يستحوذون على ما يناهز عشر»تاكَورت»، أي مايقارب 120 آر. تولدت»تاكَورت» ،كوحدة قياسية مساحية، عن الواقع السوسيو - اقتصادي بالجنوب الشرقي المغربي، تماما كما هو الحال بالنسبة إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم التي رأت النور في مناطق أخرى، وخاصة في شمال المغرب. إذ نجد هناك ما يسمى «المود» أي الكمية من الحبوب التي تحتملها مساحة معينة عند حرثها، وأيضا هناك قضية «الزُّوجَة»،أي العمل الذي يبذله المزارع اعتمادا على دابتين لحرث قطعة أرضية معينة. ومن زاوية أخرى، فان تقسيم الأراضي عند القبائل العطاوية لا يعتبر قضية اقتصادية، بقدر ما هو قضية اجتماعية، على اعتبار أن التقسيم يخضع لمجموعة من المعطيات التي تكون غاية في الأهمية لتفسير بعض الظواهر الاجتماعية داخل الحقل القبلي المغربي بشكل عام، والعطاوي بشكل خاص؛ لأن تقسيم الأرض يتم بعد إبعاد المرأة بصفة مطلقة، وبالتالي بعد استحضار العناصر الذكرية الغائبة التي تُحفظ لها حقوقها الكاملة. إلا أن ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع هو مدى علاقة صاحب الملكيات ب «تاكَورت»على المستوى المكاني، أي مدى قربه أو بعده عنها؛ بحيث نجد أن عامل القرب أو البعد،خير مفسر لانفصام بعض الفخدات القبلية، وتفسخ بعض العصبيات والإثنيات، كما يتضح ذلك من خلال آيت إيسفول عندما قسموا أراضيهم الجماعية في تاكَونيت؛ إذ كانت مجموعة من هذه القبائل تقطن في تودغة السفلى، وهي التي تكلفت بعملية التقسيم، وبالتالي هي التي حازت على جميع الأراضي في تاكَونيت في إطار التراضي وبناء على عرف»المخارجة والشراء». وهو ما يعلل وجود مجموعات قبلية مشتتة منتمية إلى مناطق متباعدة سواء في درعة أو تودغة أو»تاكَونيت». وهذا في حد ذاته يؤشر بانصهار كل مجموعة في إطار إثنيات أخرى، من المحتمل أن تدخل بعد ذلك في صراع من نوع آخر، ضد أبناء جلدتها في هاته الجهة أو تلك. يتبع