الحسن فاتحي:بوابة قصر السوق لطالما قيل أن المغرب هو أب المواسم والموالد وأولياء الله الصالحين ! إذ يقدر فيه عدد المواسم بالمئات ! ومن بين هذه المواسم موسم اميلشيل، الذي لطالما كثر الحديث عن أهميته ومميزاته الخارقة والجاذبة للسياح الأجانب والمغاربة، ولما يتميز به من عادات وتقاليد وطقوس يخاطب بها الإنسان الأمازيغي العالم من حوله، ويؤكد على حضوره ممثلا في غنى ثقافي وارث حضاري متميز يمثل جانبا من روائع الثقافة المغربية عامة و الأمازيغية خاصة. وموسم اميلشيل إرث إنساني جماعي ينتظر رد الاعتبار ومزيدا من الاهتمام ويخاطب الوزارات الوصية لنبذ ثقافة "على الهامش"، باعتباره رمز من رموز التعدد الثقافي والاختلاف ألاثني وأحد مقومات الهوية في الحضارة المغربية. وللنبش في الذاكرة وتسليط الضوء على هذا الإرث المنسي، يأتي هذا المقال لإلقاء نظرة على الموسم في اميلشيل. إن الصدى الذي يتركه موسم اميلشيل في النفوس لا يضاهيه إحساس ولا تنسى العيون أروع المشاهد والطقوس التي تنقش في الذاكرة، ولا يأبه السائح لا لطول السفر ولا لوعورة المسالك ويظل يردد اميلشيل ولو طال به المسير. تقع قرية اميلشيل بين جبال الأطلس الكبير، على الطريق الرابطة بين إقليمورزازاتوالراشيدية عبر مضايق "تدغى" مرورا بأيت هاني، فهي تابعة إداريا لإقليمالراشيدية وتبعد عن مدينة تينغير بقرابة 128 كلم شمالا. ويتراوح عدد سكان اميلشيل بين 30 و 35 ألف نسمة وينحدرون من أصول امازيغية. يحيل الموسم على قيمة سامية تمثل الارتباط بالموروث الثقافي وتقاليد الساكنة المبنية بالأساس على الأعراف والتقاليد ويجسد روح الإخاء والتضامن بين القبائل، واملشيل قرية هادئة تحتضن موسم الخطوبة أو الزواج الجماعي كما يحلو للعامة أن يسميه. والذي يعكس أسطورة ضربت بجذورها في تاريخ الحضارة المغربية وثقافتها الغنية جاعلة من هذه المنطقة احد الوجهات السياحية التي تستقطب على مر السنوات عدد لا باس به من السياح المغاربة والأجانب. تقول الأسطورة أو مجمل الروايات بأن البحيرتين اسلي وتسليت الموجودتين بالقرية تشكلتا نتيجة دموع أذرفتها عيون عاشقين أبت الخلافات السائدة قديما بين قبيلتيهما، وكذا تقاليد كل قبيلة على حدة أن تجمعهما في علاقة حب لم يكتب لها أن تنتهي إلى الزواج وهو ما دفعهما إلى البكاء، الى أن تجمعت دموع كل واحد منهما في هاتين البحيرتين المذهلتين. وما يثير في النفس الإعجاب والانبهار لسحر الأسطورة التاريخية هو الموقع الساحر للمنطقة (بحيرتي اسلي وتسليت )، ولطبيعة المجال الذي يجمع بين الطبيعة القاسية وبساطة عيش الساكنة المحلية والتقاليد السائدة فيها. إلا إن ما يحز في النفس هو ما يروج له البعض في الآونة الأخيرة من أفكار تضرب في الصميم عمق وأصالة الثقافة المغربية عامة والثقافة الأمازيغية المحلية خاصة، وذلك من قبيل كون الموسم سوق نخاسة تعرض فيه النساء للبيع بأبخس الأثمان، والاعتقاد السائد بأن السكان يعيشون حالة بداوة، وهو ما يفرض عليهم مساومة النساء بالنقود أو بعض الأشياء التي ينده الجبين لذكرها في تعارض تام لما يقبله العقل وما يفرضه الدين من قيم الإنسان المثلى. وفي ذلك نجيب دعاة هذه الأقاويل أن الموسم يتعلق بمراسيم زواج تقليدي بين أبناء القبيلتين (ايت أعزى وايت إبراهيم ) تم فيه الاتفاق مسبقا على الزواج بحضور الأهل والأحباب، ويكون بذلك الموسم مناسبة للخطبة بين باقي أبناء وبنات المنطقة الراغبين في الزواج في الموسم المقبل، فلا يعدو أن يكون الموسم زواجا جماعيا واحتفالا بأبناء القبائل. و الإنسان في هذه المناطق يتخذ من الجبل فضاء واسع للسكن والتحرر من كل القيود والاملاءات والإغراءات المادية، التي أدت وتؤدي الى الانحلال الأخلاقي، الذي نتعايش معه في المدن رغما عن أنفنا. كما لا يسعني المجال للخوض في إبراز مكانة المرأة الأمازيغية، باعتبارها المقدس الذي لا يتساوم عليه في الثقافة الأمازيغية وبطولاتها عديدة ولا تزال تبصم التاريخ المغربي في مختلف الميادين. كل هذه المعتقدات والأطروحات الخاطئة التي تهدد هويتنا تفرض علينا نحن أبناء المنطقة وكمهتمين بالمجال والتنمية المحلية، مسؤولية رد الاعتبار لهذا الموروث الذي طاله النسيان والاهتمام به جاعلين منه قاطرة للتنمية ورفع التهميش. وختاما فأن ما تزخر به قرية اميلشيل من مؤهلات ثقافية وطبيعية يؤهلها لتكون وجهة استقطاب سياحية متميزة، وهو ما يفرض وبالملموس النهوض بها وإدراجها ضمن برامج الوزارة الوصية على القطاع