يتميز المشهد العمراني ، على ضفتي واد زيز ، في جزئه الأوسط ، الذي يشمل منطقتي قصر السوق (الخنك) وشرفاء مدغرة ، بوجود عدد من المواقع العمرانية المندثرة او المتجهة نحو الاندثار. ويتعلق الأمر بالقصور التي كانت في وقت ما آهلة بالسكان . وقد هجرت في فترات مختلفة ، ولأسباب متنوعة حسب الحالات . ويمكن التمييز عموما بين مجموعتين من القصور في هذا المجال : 1. القصور التي هجرت قهرا ، بعدما اجتاحتها مياه الفيضانات الاستثنائية لواد زيز، فاتت عليها كلا او بعضا . مما اضطر السكان الى تركها وايجاد حل جديد للاستقرار، إما بجوار المنشأة المتهدمة او في مكان آخر، قد يبعد او يقرب حسب الظروف المحيطة.وهذا ماحدث مثلا في الحالات المشهورة كفيضان 1925 في بداية الاحتلال الفرنسي للمنطقة ، او مع فيضان نونبر 1965 ، بعد عشر سنوات من حصول المغرب على الاستقلال، والذي قامت إبانه الدولة الوطنية بالواجب في انقاذ وإعادة اسكان الناس.ويمكن ان تندرج في هذا الصنف قصور مدغرة الشرقية ،من اولاد الحاج حتى تازناقت ..... والتي لا زالت مواقعها ماثلة داخل المزرعة ، وواضحة في الصورة الجوية بالنسبة للدارس او الملاحظ المهتم . 2. القصور التي هجرت عن طواعية باختيار من السكان ، غالبا في السنوات الاخيرة ، تحت تأثير عوامل التحول الاجتماعي الشامل الذي تعرفه المنطقة منذ فجر الاستقلال، ومن ضمنها الرغبة في الحصول على السكن الفسيح بالنسبة للبعض، والسكن "العصري" بالنسبة للبعض الآخر.ويمكن التمثيل لهذا الصنف ببعض قصور الخنك على الضفتين، وقصور مدغرة الغربية ،على الضفة اليمنى للواد، كبني محلي واسرير وتسكدلت والحيبوس ... وقصور أخرى على الضفة اليسرى، هجرت بإرادة السكان . هاته القصور المهجورة، التي تفرض نفسها في المشهد العمراني قد تثير الكثير من التساؤلات ، عند المقاربة "المجهرية" للوضعية ، خاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الاقليم يشهد تحركا مستمرا بخصوص الأرض ، وبعدما تحرك ملف التهيئة العمرانية او القروية بتوطين وكالة حضرية في عاصمة الاقليم، الى جانب الادارة العمومية للتعمير والاسكان . يبقى من المستبعد في تقديرنا ان تعتبر هاته المنشآت مآثر تاريخية ، مثل قصور تافيلالت ، وذلك بحكم درجة التدهور التي توجد عليها ، والتي افقدتها المعالم العمرانية الأساسية التي من شانها ان تمنحها قيمة التراث المعماري الممكن حمايته او تصنيفه.وهذا ما يفتح الباب الى التعاطي معها كمساحة ارضية ، اي كوعاء عقاري قد يبلغ عدة هكتارات في بعض القصور ، ويمكن بالتالي ان يستصلح ويتم تثمينه، إما في اطار استغلال فلاحي او تجديد عمراني او غير ذلك من المشاريع التي يمكن ان تقام على هذا النوع من الارض في الوسط القروي،وتعود بنفع ما على السكان ذوي الحقوق . وإذا كان المفروض ان تاتي المبادرة في هذا الميدان من عند السكان المعنيين انفسهم ، فإن دور الادارة ، وصية كانت كوزارة الداخلية ، او تقنية كمصلحة التعمير والاسكان ، يبقى مطلوبا ، خاصة في حالات القصور المهجورة بسبب قوة قاهرة ، حيث ضاعت وثائق إثبات الملكية لأغلبية السكان، مع الانهيار المباغت للبنايات، وحيث سيكون تحريك الملف بمثابة سبب جديد للخلاف والنزاع بين الناس. ونود ان نعرض في هذه المناسبة الحالة المعينة لقصر اولاد الحاج الواقع بجوار مدرسة العلويين الابتدائية ، داخل المزرعة ، في الجنوب الشرقي لمدينة الرشيدية. فقد تم تهجير سكانه من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية عقب فيضان 1925 . ودون الوقوف عند التعامل السلبي للمعمر، والذي يكشف عن روح الانتقام والتشفي التي أبان عنها "العسكر" الفرنسيون آنذاك، والذين تركوا الناس لحالهم، يبحثون عن ملاجيء في زمن البرد والجوع ، في انتظار تجديد بناء قصرهم بمكان آخر،وبوسائلهم المادية والتقنية الذاتية ، دون الوقوف عند هذا الجانب إذن ، نسجل أن الموقع لا زال مهجورا الى اليوم ، بعد مرور اكثر من 80 سنة، بالرغم من وجوده وسط الأرض الفلاحية ، ومساحته المناهزة لثلاث هكتارات . الاعتبارات الاقتصادية تفرض تثمين الأرض المهجورة ، بتوفير شروط فتحها للاستغلال الفلاحي او للتعمير. والاعتبارات الجمالية تفرض تنظيف المشهد من أشلاء البنايات وركام التراب والخرب المجاورة لإحياء سكنية حديثة، يطمح أهلها إلى العيش في محيط سليم ولائق من جميع النواحي .ويبقى الامل معقودا على انطلاق مبادرات لفتح هذا الملف ، كمساهمة تكميلية لتحسين المجال السكني القروي بالنسبة للحالات المعنية .