"تجزئة بوتلامين " حسب الوثائق الرسمية، او"الفيلات" حسب التداول الشفوي بمدينة الرشيدية ، هو الاسم الذي يعرف به الحي السكني الواقع بين شارع محمد السادس والطريق الوطنية رقم 13غربا ، وبين تجزئة القدس ومجموعة من المنشآت العمومية والخاصة المطلة على الطريق الوطنية رقم 10 .وكما قد يوحي بذلك اسمه ، فالمتوقع ان يكون حيا سكنيا بامتياز، تتوفر فيه رحابة المسكن لجميع القاطنين على السواء، والحدائق الخاصة ،والأمن، و الهدوء والسكينة ،مع وجود وجودة المرافق المشتركة من طرقات وإنارة عمومية ،ومنشآت الخدمة الاجتماعية ،كالمتجر والمخبزة والمسجد والصيدلية والمؤسسة التربوية والحمام، وهي المواصفات المعتادة في الأحياء السكنية الراقية . عندما يحل الزائر بهذا الفضاء ، فتهاجم خياشيمه رائحة الروث ، او يباغته خوار بقرة منبعث من إحدى الحدائق الخاصة ، أو يلاقي قطيع ماعز يرعى في شجيرات النبق (السدرة) او النباتات الصحراوية التي تغزو المكان، بجوار سكن أنفق عليه صاحبه عشرات الملايين ، وينظر إلى الأرض ليجدها كما صنعتها الطبيعة ، ترابا وحفرا "تزينها" الأكياس البلاستيكية المستعملة، أو يصطدم نظره ب "أدغال" القصب ونباتات أخرى غريبة زرعها بعض القاطنين في عملية استيطان غير مشروع للملك العام او ملك الجار او الآخر الغائب ......فإنه يتساءل ،مع غياب أية لوحة إرشادية ، إن لم يكن اخطأ المكان ، ويتردد كثيرا قبل ان يسلم بانه موجود فعلا وسط حي الفيلات السكني الراقي بالرشيدية. إن الملاحظ المعايش لمسار الحي ، بعد مرور أزيد من 30 سنة على إحداثه، تصدمه سمة عدم الاكتمال والإهمال التي يصطبغ بها ،والتي يشهد عليها العدد الملحوظ للقطع غير المبنية ، وقد غزتها الاعشاب البرية، و المطارح الصغيرة في بعض الساحات ، وبقايا وفضلات البناء ،واختفاء صفات الأرض المجهزة ،واسترجاع التراب لسلطانه عبر الطرقات والأزقة الفرعية. هاته بعض الملامح الراهنة للحي الذي كان يراد له ، في اواخر سبعينات القرن الماضي أن يكون أول تجربة للمجلس الجماعي في مجال التعمير والإنعاش العقاري ،وأن يحتضن شريحة الأعيان الجدد من السكان ، ويمثل مفخرة المدينة والقائمين على شؤونها،بعد أن غيروا اسمها(1) ، وطمحوا الى الارتقاء بها الى مستوى البلدية؛وهي الصفة التي لم تحصل عليها إلا مع انتخابات سنة 1992 ، بعدما الحقت بها في "تحايل انتخابي" سبعة قصورمجاورة (2). كيف خرجت تجزئة الفيلات الى حيز الوجود ، وما هي العوامل والظروف والملابسات التي رافقت مسارها طيلة العقود المنصرمة ، والتي كانت حصيلتها هذا الواقع المليء بالمفارقات والتناقضات ؟ استفهامات ستحاول معالجتها هاته الورقة ، من خلال المحاور التالية : *ظروف إحداث التجزئة وتوطينها . *التدبير القانوني للوعاء العقاري المحتضن للتجزئة. *الإعداد الهندسي للتجزئة. *التصميم وإنجاز عملية "التجزئة".(le lotissement) ) . *التعامل مع طلبات المستفيدين. *تطور التجزئة ووضعها الراهن. اولا : ظروف إحداث التجزئة وتوطينها : لا بد من الرجوع الى الجزء الأول من سبعينات القرن المنصرم، الذي شهد تغيرات حاسمة في مصير مدينة الرشيدية ،تحت تأثيرمنشأة سد الحسن الداخل، مع تحول الطريق الرئيسية رقم 21 آنذاك من اقصى شرق المدينة الى اقصى غربها ، وإقامة القرى العصرية المحتضنة للمرحلين من قصور الخنك الواقعة في حوض حقينة السد . إقامتها مع توابعها الفلاحية والقروية في الغرب والجنوب الغربي .هذا إلى جانب الظرفية السياسية المرتبطة بالاستحقاقات الجماعية لسنة 1976 ، وصعود مجلس جماعي بأغلبية مريحة لمدة طويلة (3) ، وتوسع صلاحيات المجالس التي أعطاها الميثاق الجماعي الجديد حق انجاز المشاريع السكنية أو المشاركة فيها. وكغيره من المجالس ، أقدم المجلس الجماعي للرشيدية على اقتحام تجربة الإنعاش العقاري، في تنافس مع المصالح الحكومية المختصة . لكن ذلك تم بكثير من التهور،في غياب المستندات الأساسية للتهيئة الحضرية المضبوطة بالقانون المعمول به آنذاك (4 ). ونذكر في هذا الباب ان المدينة لم تكن تتوفر حتى على وثيقة للتحديد الرسمي للمدار الحضري (آخر تحديد حضري لمركز قصر السوق تم سنة 1947 ، اي إبان الاستعمار- قرار وزيري – 6/10/1954 - ج.ر. بالفرنسية عدد 2192 بتاريخ 29 /10/1954)، وظل توسع النسيج العمراني للمركز يتم وفق" افق نظري" ، تتقاسمه الجماعة مع الأعيان النافذين، وسلطات الوصاية، و قطاعات حكومية أخرى ، مثلما وقع سنة 1963 مع مشروع " لابيطا 1" ،و سنة 1972 مع مشروع " لابيطا 2 " اللذين أنجزتهما إدارة التعمير والسكنى،في شرق المركز على مقربة من مجرى النهر(5). ويمكن القول بأنه كان أمام المجلس الجماعي أكثر من اختيار لتوطين تجزئة بوتلامين ، لعل من بينها هضبة "لحدب"، التي سبق لأحد المسؤولين ان وزع الأرض فيها بالمجان ، عقب فيضانات واد زيز. وهي ارض تتميز عن غيرها بكونها مرتفعة وغير مستغلة وآمنة نسبيا من احتمالات اجتياح المياه.لكن يبدو أن محور الطريق الرئيسية الجديد كان هو الحاسم آنذاك في الاختيار النهائي، فتم توطين التجزئة في أقصى الهامش الغربي للمركز الحضري ، بجوار "غابة تاركة وآزمور"، في مكان تشهد الطبيعة انه منخفض هش، يتحول الى ضاية في السنين الممطرة ، تعبره الجداول المغذية لواد بوتلامين والواد الأحمر؛ هذا الأخير الذي مازال يمثل "جرحا غائرا " في جسد المدينة ، وفضاء أجرد يشوه المنظر الحضري ، و ينغص حياة الصغار والكبار وعامة المتنقلين كلما جادت السماء ،وامتلأ بالمياه المنحدرة من المطحنة الصناعية إلى أسفل المحطة الرئيسية للتصفية. اختار المجلس الجماعي إذن مكانا عيوبه الطبيعية ثابتة ، ولا يملك عنه أية دراسة سطحية او باطنية ،لينجز أول مشروع سكني يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية، بعد المسؤولية القانونية .فكيف سيتم تدبير المراحل المختلفة للانجاز؟ ثانيا : التدبير القانوني للوعاء العقاري المحتضن للتجزئة : كانت المسؤولية والتدبير الجدي يفترضان البداية من تصفية الوضعية القانونية للأرض باقتنائها من مالكها الأصلي ،وهي الجماعة القروية للحنك، ثم تحفيظها قبل التصرف فيها وبيعها للغير. ذلك ما لم يكن ، ولم يتعرف عليه الكثير من المستفيدين إلا في وقت متأخر. جهل أو تجاهل أو استصغار لأمور كبيرة أو كل ذلك مجتمعا ؟ ثالثا :الاعداد الهندسي للتجزئة : المعروف لدى أهل الاختصاص أن الأعمال التقنية للتجزئة تنطلق من عمليات الردم والتسوية للانتقال بالأرض المجزأة من حالتها الطبيعية إلى الوضعية الهندسية التي تجعلها قابلة لاحتضان المنشآت العمرانية في ظروف آمنة .لكن شيئا من ذلك لم يتم ، واختصر الأمر في بناء قناة حجرية مكشوفة إلى اليوم ، لتصريف مياه الجداول المنحدرة من الشمال الغربي. ممر يخترق التجزئة بكاملها ،ويمثل اليوم بعد 35 سنة إلى جانب بشاعته ، مطرحا متوحشا للازبال ، ومقبرة مفتوحة للجيفة من مختلف الأنواع ،تضاف الى ذلك الهشاشة الغالبة على كافة التجهيزات الاساسية وفي مقدمتها الطرقات. رابعا : التصميم وعملية التجزئة (l e lotissement ) : لقد تعامل " المهندس المجزء" مع الأرض المعنية مثلما يتعامل الخياط مع قطعة القماش التي "يفصل" منها بذلة او معطفا ويترك الباقي الذي لا يصلح لا قميصا ولا طربوشا ولا منديلا . ودون التساؤل هنا أيضا عن كون الأمر جهلا أو تجاهلا أو هما معا ، نقف فقط عند هاته الأرض "الشايطة" التي لا زالت مشكلة متعددة الأبعاد ، وتظل عبئا ثقيلا على المجالس البلدية المتعاقبة ، فضلا عن كونها سبب تصارع واصطدام وعداء أحيانا بين الجيران . ولعل ابسط ما كان يفترض ان يقوم به المكلفة بالتعمير . خامسا : التعامل مع طلبات الاستفادة : عند ما فتحت التجزئة أمام الناس ، كان الراغب في الاستفادة يختار بين ثلاثة عروض : 600م2 – 900م2 – 1200م2 . ولم يكن احد يتحدث حتى مجرد الحديث عن قطع 300م2 . ومع مرور الوقت ، وغياب حاجة فعلية ملحة وقتذاك الى نوع السكن من المستوى الرفيع ،ولغايات في نفوس أصحاب القرار آنذاك ، وميل الكثيرين من المستفيدين شديدي التنوع الى المضاربة اكثر من البناء والسكن ، تعرض المشروع للكثير من الانحرافات ، وارتفع الطلب على القطع بشكل غريب يتجاوز التوقعات.وبعبقرية "متفردة" ، سيجتهد "المهندس" ليوفق بين العرض والطلب ، مستخدما اسلوب الاستعمار عندما كان يرسم الحدود على الخرائط في المكاتب ، دون استحضار للواقع ولتبعات ذلك التصرف.اختار إذن ان يزيد من عدد "الفيلات" المعروضة ، ب"تصريفها " على الورق : *قطعة 600م2 اعطته 02 قطع من 300م2 . *قطعة 900م2 اعطته 03 قطع من 300م2 . *قطعة 1200م2 اعطته 04 قطع من 300م2 . هذا دون ذكر التوسيع العشوائي خارج التصميم الأصلي ،و القطع التي أنزلت لاحقا على الطرقات ، او التي ألصقت قهرا بالمباني الرسمية مثل ثانوية ابن طاهر، ومدرسة النهضة.... لدرجة أن العدد النهائي للقطع السكنية بهذا الحي العجيب لا يعلمه إلا الخبراء الممسكون بالوثائق المعمارية للبلدية.فهناك من استفاد من 300م2 ووجد بجانبها "خلاء" أكثر منها ،وهناك من لم يعثر حتى على رقعة الثلاثمائة متر مربع التي أدى ثمنها . وفي وقت ما ، ستضيع حسابات الكثيرين الذين راهنوا على المضاربة عوض إنجاح مشروع جماعي . وذلك مع ظهور البدائل المغرية مثل عروض المؤسسة الجهوية للتعمير والبناء (l'E.R.A.C. ) او الصيغة الناجحة نسبيا للوداديات السكنية المهنية التي ستزدهر وتسهم في بوار تجزئة الفيلات . كل هذا وقع أمام تسليم المستفيدين واستسلامهم لأمر واقع ما زال الكثيرون منهم يؤدون ثمنه إلى اليوم . ولم نعثر في ارشيف الاعلام المعاصرما يشير الى وجود رد فعل امام الخدعة التي تعرض لها العشرات ممن تقدموا بطلبات الاستفادة على أساس العرض الأصلي . وتبقى هاته واحدة من غرائب هذا السفر الذي نحن بصدد قراءته .
سادسا : واقع حي "الفيلات" بعد 30 سنة من إحداثه : رحم الله الحسن الثاني عندما خاطب المهندسين المعماريين في احدى المناسبات قائلا : " تذكروا ايها السادة انكم عندما تضعون تصميما للسكن ، فانكم تلرسمون فلسفة للحياة " لقد تأكد مع مرور الوقت والتطورات اللاحقة ،أن صاحب المشروع لم يكن فقط يفتقر الى الوسائل العلمية والتقنية اللازمة للتعاطي مع هذا النوع من الملفات ، من دراسات تقنية وتصاميم ، بل كذلك الى تصورعن نوع المدينة التي يريدها ، عن صورتها العمرانية ، واتجاهات نموها. فالمجلس الجماعي الذي سارع الى انجاز حي سكني يدخل به تاريخ المدينة ويطبع جغرافيتها ، سينسى ويتنكر لصنيعته جملة وتفصيلا ، ويظل متفرجا أو مباركا لتناسل التجزئات هنا وهناك في السنوات الموالية ، لا يمكن للكثير من قاطني حي "الفيلات "اليوم ان ينكروا بانهم يعيشون في مساكن ضيقة بالقياس مع المساحات الموعود بها في العرض الاصلي ،مساكن مفضوحة ، يتفرج ساكنوها بعضهم على "عورات" البعض الآخر، يتبادلون الإزعاج بأبسط التصرفات وأقل الحركات غير المقصودة.جيران من كل الآفاق ، لم يكونوا يتعارفون فتحول البعض منهم الى متخاصمين أمام القضاء، بسبب الأخطاء التي ارتكبها مصممو التجزئة.وقد انتهى الأمر ب"مستوطني" الحي السكني الراقي، لهذه المدينة(....) الراقية إلى اتخاذ مبادرة إحداث ودادية على رأس مشاغلها ضمان الحراسة والأمن ، وكأن الأمر يتعلق بحي من الهوامش الحضرية ،في بلد ليست فيه دولة ولا نظام عام ولا تؤدى به ضرائب. نعتقد في النهاية اننا امام مثال بئيس للتدبير الحضري في ظل غياب سلطة جماعية حقيقية وحريصة على إنجاح مشاريع تحمل اسمها ، خاضعة لهيمنة الإدارة الوصية . تركت التجزئة لسنوات مرتعا للمضاربات في الأرض الخلاء ، وحقلا لممارسة الأنانيات من مختلف الأنواع والأحجام . مما افرز تنوعا هائلا في تركيبة الساكنة. تضعف معه كل حظوظ التأسيس لاي تقارب او تنظيم مؤطر.يقود حركة لنوع من "جبر الضرر الجماعي" الذي يحق لعدد من السكان على صاحب المشروع. ونختم بعرض حالتين اجتماعيتين أمكننا التعرف على معطياتهما ، نترك للقارىء التأمل فيهما : الحالة الاولى : جاران احدهما مهاجر عامل بالخارج ، والثاني موظف بقطاع حكومي بالمدينة . جمع بينهما سوء الحظ ، فوجدا بجوارهما "أرضا شايطة" ، هدية مسمومة من أخطاء المجزء .طمعا فيها واختلفا حولها ،وتخاصما بسببها ،وانتهيا بالترافع امام القضاء لعدة سنوات . فصل القضاء، وترسخت العداوة ،والسبب خطأ اصلي في التجزئة ، وعقليات متحجرة. كيف يمكن ان يتعاونا بعد هذا على اي شي ء مشترك ؟؟ الحالة الثانية : ساكن ملاك تطل"فيلاته" على طريق محوري في التجزئة .بادر الى بناء الرصيف أمام بابه فجعله مائلا بشكل غريب في اتجاه الطريق ، فلما نبهه أبرياء ذوو نيات حسنة إلى الإساءة المحتملة للمارة بصنيعه ذاك .رد عليهم دون تردد أو تحفظ : أنا اعلم ذلك ،وقد فعلته عمدا لتنزلق قدم كل من مر بجانب داري او اقترب منها ..فهل يرجى امل مع هذا النوع من العقليات ؟؟
-عبد الواحد مهداوي - ********************************** الهوامش 1. بتاريخ 17 نونبر 1975 ، تم تغيير اسم المركز من "قصر السوق" الى الرشيدية . (2)عند تحضير الخريطة الانتخابية لاستحقاقات 1992 ، واخدمة لحسابات لم يكن يعلمها الا اصحاب المقص والمستفيدون منه ، الحقت بعض الاحياء الهامشية بالمدار الحضري.وهي قصور امزوج- انكبي- ايت باموحى- اوليت كير- تاركة - قصر الدخلاني او السهب . (3) ستظل على راس المجلس الجماعي اغلبية واحدة من 1976 الى 1996 ؟ (4) قانون ابريل 1914 وقانون يوليوز 1952 ). (5) يجب انتظار 1992 ، عند إلحاق القرى/الاحياء العصرية المجاورة بالمدار الحضري ، لتطلق اول الدراسات لإعداد تصميم للتهيئة الحضرية لمدينة الرشيدية، بمبادرة من القطاع الحكومي المكلف بالتعمير ******************************* المراجع (1) « urbanisation et intégration des espaces périphériques :cas de la ville d'Er-Rachidia » – thèse de D.E.S. – institut national d'aménagement et d'urbanisme – rabat – Hajjaji Habibi.- 1999. ouvrage dactylographié.