يثير قطاع العقار الكثير من المعضلات بمدينة الرشيدية، كما يمثل المجال ذاته أحد الملفات التى تنتظر من المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي للمدينة الانكباب عليه، وليس تركه كما وجد، ومعالجة المشاكل المترتبة عنه، وهوالملف الذي أطلق فيه العنان من بعض من يتحكمون في تسيير شؤون المدينة، بفسح المجال أمام العديد من الأشخاص للتطاول على الأراضي بدعوى الاستثمار، وهو ما حول المدينة الى صنادق اسمنتية مشوهة للمجال والانسان. وتمتاز مدينة الرشيدية بتوسع عمراني مهم، ساهم فيه تربعها على رصيد عقاري كبير. لكن الملاحظ اليوم، وبعد انتشار التجزئات السكنية التي فاق عددها الثماني وثلاثين، فإن المدينة أضحت تعاني من تشتت عمراني وغياب التناغم بين مكوناتها العمرانية، الشئ الذي أصبح يسيئ الى الخدمات المتعددة: قنوات الصرف الصحي، الانارة، المناطق الخضراء، تعبيد الطرقات... فأثر ذلك سلبا على السكان: البعد عن مقرات العمل، معاناة التلاميذ في الانتقال إلى فصولهم، وعلى الأخص في الفترات المطيرة، حين تقطع الطرقات بفعل الأودية التى تخترق المدينة، واختناق قنوات الصرف الصحي، التى لم تعد تواكب النمو العمراني، على الرغم من الميزانية الضخمة التي رصدت لتجديد جزء من المواسير. وأجمع العديد من الفعاليات على أن أكبر»جريمة» ارتُكبت في حق مدينة الرشيدية هي تبذير احتياطها العقاري «مجانا» . فسكان الرشيدية أصبحوا اليوم يتذكرون بمرارة الهكتارات الشاسعة التي كانت تحيط بمركز المدينة، أصبحت اليوم في كف «محظوظين». وهكذا وزعت مساحات على قوم بيافطات متنوعة: برلمانيون، مستشارون جماعيون، أعيان، رجال سلطة سابقون، ورجال نافدون... بدعوى الاستثمار. لكن لا شيءاستثمر، بل تحولت المساحات إلى صناديق اسمنتية، في انتظار سومة مقبولة. ووجد المسؤولون الحاليون تراكمات عديدة استحال معها تنظيم مجال العمران، وفرض تصور واضح بغية التحكم في مشكل العقار، نتيجة الانفلات والتسيب الذي عرفه المجال في العهد السابق، ما ساهم في تشويه صورة المدينة التي تحولت الى أوراش بناء لا تكتمل مشارعها. حتى الوكالة الحضرية التى استحدثت سنة 2004 أضحت عاجزة على مواجهة مخالفات التعمير، نظرا لانعدام الوثائق، وتشتغل بأخرى مغلوطة وادعائها بأن الأراضي المتبقية هي أراضي للتشجير. والزائر لمدينة الرشيدية يقف عند مجموعة من أوراش البناء التى غزت بعض المناطق واللأحياء، قصد الاصلاح و التهيء، لكن الملاحظ أن هذه العمليات بقيت بدون متابعة ، وتوقفت دون سابق إعلان:» حي لابيطا القديمة، حي وادي الذهب، الواد لحمر، سجلماسة...»ما جعل ساكنة هذه الأحياء تعيش وسط ركامات من الرمال والأتربة والأحجار إلى أمد غير محدود. وباتت ظاهرة المضاربة العقارية بالمدينة أمرا محتوما وغريبا على الساكنة، لأنه وبلأمس القريب، كان امتلاك سكن بالرشيدية أمرا ميسرا، نظرا لقيمة البقع الأرضية الموزعة في شكل تجزئات سكنية، كا ن سعر المائة متر مربع 30 لايتعدى ألف درهم، واليوم أصبح الثمن يصل الى أكثر من 180 ألف درهم للقطعة، ليتجلى و بشكل صريح واقع المضاربة. الكراء بدوره بالرشيدية عرف نفس المنحى، وما يبرر ذالك هو تعيين أكثر من أربعة آلاف جندي إضافي بالمدينة يحتاجون إلى سكن، الشيء الذي زاد من صعوبة العثور على شقة للكراء، لتصدم الجنود سومة الكراء التى تلتهم أكثر من نصف الراتب الشهري للبعض منهم. ويلوم سكان المدينة المجالس الجماعية المتعاقبة التى سمحت بزحف الاسمنت والبناء على المساحات الخضراء، وفتحت الباب مشرعا لأطراف الاستحواذ والاستلاء على بقع أرضية ومساحات شاسعة وبأثمان رمزية. خاصة في أحياء المسيرة، الحي الصناعي الذي مازال بدون صناعة، حي عين العاطي، والأراضي المجاورة للحي الجامعي التي كانت مخصصة للمناطق الخضراء... وحسب مصادر متطابقة، فإن أول من يخرق قانون التعمير هي المجالس المنتخبة، التي تسمح بإنجاز تجزئات فوق الوديان والتلال والمجاري المائية «تجزئة الواد لحمر، تجزئة المجلس البلدي...» رغم أن قانون التعمير يوصي بأن تكون البنايات بعيدة عن مجاري المياه، وخاصة الوديان، بأكثر من أربعين مترا على الأقل. و تفتقر مدينة الرشيدية إلى وثائق التعمير، ما جعل المسؤولين يستغلون هذه الثغرة على المستوى القانوني، وتوزيع الأراضي توزيعا عشوائيا لا يخضع إلى مقاييس التعمير، ولا إلى أي مخطط تنموي واضح للمدينة، ما أدى إلى حرمان تعاونيات فلاحية وجمعيات تنموية محلية من بقع أرضية لإقامة مشاريعهم التنموية. يقول رئيس جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي: «وضعنا طلبا لدى المجلس البلدي للحصول على قطعة أرضية لبناء مقر مجهز، لكن قوبل طلبنا بالرفض لانعدام الأراضي بالمجال الحضري.» منازل مهددة بالانهيار يقطن العديد من المواطنين بالرشيدية منازل مهددة بالانهيار في كل لحظة. ويتحدث هؤلاء، خاصة القاطنين بأحياء أولاد الحاج القديم وتاركة القديمة، عن كون منازلهم مهددة بالسقوط على رؤوسهم كلما تساقطت الأمطار، وأنهم عانوا الكثير في شهر اكتوبر الأخير، الذي عرفت فيه المدينة تساقطات غير مسنوقة، وأن العديد منهم خرجوا للمبيت في العراء، أو عند الجيران والأقارب. وازدادت خطورة هذه البنايات القديمة، وأصبحت تدق ناقوس الخطر، إذ يشكو ساكنوها من تشقق الجدران وتسرب مياه الأمطار عبر السطوح لهشاشتها، ما أدى إلى سقوط منزل إثر التساقطت الأخيرة، على طفلين بحي أولاد الحاج، توفى أحدهما على الفور. فيما تساقطت عدة منازل أخرى بحي تاركة القديمة، و لحسن الحظ كان ساكنوها قد غادروها في ذات الفترة. كما تتساقط الدور القديمة بمركز الرشيدية، كلما تهاطلت الأمطار، وفي الآونة الأخيرة، هوى ما يزيد عن ست بنايات، من بينها معبدان لليهود، ما شوه أزقة وشوارع المدينة، وما زال العديد من البنايات آيل للسقوط.