يعد الوالي محمد القباج من بين الأطر التي راكمت تجربة طويلة في مجال التسيير والتدبير. وكانت توكل إليه ، على مر الأعوام ، مسؤوليات تدبيرية مهمة، منها المدير العام للأشغال العمومية، إذ هو الذي أشرف على بناء «الاطوروت» الأولى في المغرب ، بعد ذلك سيتولى مهمة وزير التجهيز، وهي المسؤولية التي قضى فيها سنوات قبل أن يشغل منصب وزير المالية. سبق أن ترشح باسم حزب الاتحاد الدستوري بفاس وفاز بمقعد برلماني. بعد وفاة الحسن الثاني سيعين مستشارا للملك محمد السادس، الذي سيعينه بعد ذلك على رأس العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن الدولة أبرمت اتفاقات مع بنوك وشركات عربية وأجنبية من أجل النهوض بعاصمة المال والأعمال، والتي برمجت فيها العديد من المشاريع الكبرى، وتعيينه كان على هذه الخلفية، بحكم أن له تجربة في التسيير والتدبير، إضافة إلى خبرته الاقتصادية، لكن الرجل سيصطدم أثناء «إشرافه الولائي» بمشاكل ذات تربة مغايرة لما صادفه من قبل خلال مشواره المهني، لم تسعفه في توفير الأجواء الملائمة لاحتضان هذه المشاريع وجعلها ترى النور بطريقة سلسة ودون إثارة غبار كثير! أول مشكل واجهه هو نخبة سياسية مسيرة غير منسجمة، ولا مشروع متكامل لديها، لا تحقق النصاب في دورات مجالسها إلا بالكاد، وأغلب قراراتها تمرر بأضعف عدد من أعضاء مجلس المدينة ! ثاني عائق اعترض طريق القباج في الدار البيضاء هو مشكل الاحتلال العمومي، أو احتلال الملك العام، الذي سبق وحاول ادريس بنهيمة التصدي له ، لكن واجهته مقاومة شرسة من قبل اللوبي المستفيد من عشوائية تدبير شؤون المدينة . معضلة أخرى أربكت حسابات القباج تمثلت في الاكتظاظ الذي غرقت فيه شوارع وطرق الدارالبيضاء ، جراء غياب نقل عمومي حقيقي عصري ، من شأنه التخفيف من وطأة الاختناق الذي تعاني منه الحركية العامة لحاضرة تضم أهم الإدارات والمعامل والشركات والمرافق الخدماتية.. وهي معضلة قائمة على أرض الواقع تعاكس ما يخطط له في دواليب الدولة. مشكل عويص آخر وجد القباج نفسه وجها لوجه معه يُجسده لوبي المنعشين العقاريين، الذين ترامى أغلبهم على كل الأراضي الفارغة، ولم يتركوا شبرا لمشاريع الدولة، ليتحول دورهم الاستثماري إلى وظيفة سياسية، وأداة ضغط ذات تأثير كبير وواضح على تسيير الدارالبيضاء ، تتحكم في كل المجالس المنتخبة ، وجعل القرارات والإجراءات الاستراتيجية تُرسم وفق أهواء وأهداف هذا اللوبي، الذي أخذ يتحكم حتى في جزء كبير داخل الإدارات العمومية! والأعوص من ذلك أن القباج حين بحث عن أراض في الضواحي، في أفق تنفيذ مشاريع الدولة ، سيفاجأ بأنه أيضا والِ على مدن عشوائية يضاهي عدد سكانها حجم سكان الدار البيضاء الموجودة على ورق وخرائط وزارة الداخلية!!