رئيس الفدرالية الوطنية لمنتجي التمور قال للمساء إن نزيف الواحات قد توقف يشرح رئيس الفدرالية الوطنية لمنتجي التمور في المغرب محمد بلحسن بنعبد الله في هذا الحوار مع «المساء» كيف أن نزيف الواحات المغربية، الذي سجل منذ آخر سبعينيات القرن الماضي، تم إيقافه، مضيفا أنه ما يزال أمام مهنيي القطاع الانتقال من نمط إنتاج تقليدي إلى آخر عصري، سواء في الإنتاج أو التثمين أو التوزيع. ويوضح بلحسن أن الهدف المحدد هو بلوغ الاكتفاء الذاتي من التمور في أفق سنة 2015. انتهى موسم إنتاج التمور في شهر أكتوبر، فكيف تبدو لك ملامح الموسم الفلاحي الحالي؟ الموسم الحالي سيكون مختلفا عن سابقه، حيث إن التمور نمت بشكل سريع في الموسم الفارط، فظهر طلع النخيل في شهر يناير، مما أسهم في نضج الثمار باكرا قبل حلول شهر رمضان (بين شهر غشت وشتنبر 2010)، في حين سيتأخر النضوج هذا الموسم لأن عرجون النخلة عرف دورة نمو بطيئة بسبب النقص في التساقطات المطرية في مناطق النخيل وهبوب رياح قارسة عليها، ويرجح أن لا يتوفر الإنتاج المحلي قبل حلول رمضان، حيث ينتظر أن تلج الغلات الأسواق خلال شهر شتنبر المقبل. - هل يمكن القول إن التدابير التي اتخذتها الحكومة، ممثلة في مخطط المغرب الأخضر وبرنامج تنمية الواحات، وضعت حدا للنزيف المتزايد لمنظومة الواحات؟ إن النزيف الذي أصاب الواحات منذ آخر السبعينيات كان مصدره الجفاف ومرض البيوض، وقد بدأت هذه المشاكل تجد لها حلولا على أرض الواقع، حيث أنتج المعهد الوطني للبحث الزراعي، بتعاون مع أحد المختبرات، فسائل مضادة للمرض تقدم بالمجان، ويمكن القول إن النزيف توقف. - لكن ما مدى تعميم هذه الفسائل على المزارعين؟ إن الأمر يتعلق ببرنامج غرس مليون نخلة أطلقه جلالة الملك، ومن أجل ذلك يقوم المختبر المشار إليه بإعداد الفسائل المقاومة للبيوض، ولكن كمية كبيرة منها لن تكون جاهزة للاستعمال إلا في بداية 2012، ويتم حاليا بناء مختبر خاص بالفسائل في الرشيدية، وآخر تم في مراكش، وثالث في مكناس، زيادة على مختبر خاص. والصحيح أن الكمية المتوفرة حاليا من الفسائل محدودة، ولكن حتى المزارعين غير مستعدين بعد لهذا المستجد. - الكثير من المزارعين يشتكون من تأثير صادرات التمور على المنتجين. كما أن النوعية المستوردة رديئة في الغالب. ما رأيك في الموضوع؟ هدفنا الأساسي هو توعية المزارعين لتزويد السوق المحلي بكميات كبيرة تجعل التمر مادة أساسية لدى الأسر المغربية إسوة بالموز، إذ إنه من المخجل ألا يتعدى معدل استهلاك المغربي للتمر كيلوغرامين في السنة، ونستورد من الخارج 60 ألف طن، و نحن نرمي إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من التمور في أفق 2015. ومع أننا لا نملك منع الاستيراد، إلا أننا نبحث خلال اجتماعات الفدرالية كيفية تنظيم استيراد التمور، ومن المقترحات المطروحة للنقاش فرض رسم على الواردات يخصص لدعم مالية فدرالية منتجي التمور، وسنبحث الموضوع مع مصالح الجمارك. - ما هي القضايا الملحة التي تنكب عليها الفدرالية حاليا؟ أولا، توعية الفلاحين بضرورة الانتقال من النمط الإنتاجي التقليدي، وإطلاعهم على الدعم الذي تقدمه الدولة في السقي بالتنقيط والحصول على الفسائل. وأشير هنا إلى أن المشاكل التي يعاني منها مزارعو النخيل مختلفة عن الصعوبات التي يواجهها الفلاحون في سوس ماسة، فالضيعة في مناطق الواحات صغيرة الحجم ولا تتجاوز 2000 إلى 3000 متر مربع، ويسيرها اثنان أو ثلاثة إخوة، أحدهما يملك النخلة والآخر الأرض، ونسعى في الفدرالية إلى دفع السلطات إلى تبسيط مساطر استغلال أراضي الجموع للحصول على ضيعات كبيرة نسبيا تتراوح بين 5 هكتارات و20 هكتارا لإقامة ضيعات عصرية فيها، حيث يستحيل توظيف أموال كبيرة في ضيعة مساحتها هكتاران مثلا. - ينبه مهنيو القطاع أيضا إلى أن فئة الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين يحققون أرباحا كبيرة مقارنة بدخل المنتج نفسه، فكيف السبيل لتجاوز هذه الإشكالية؟ كلما كانت ضيعات النخيل كبيرة استطاع أصحابها تسويق غلتها بأنفسهم دون المرور عبر وسطاء، والعكس بالعكس، حيث إن أغلبية المزارعين من صغار المنتجين، وبالتالي لا إمكانيات لديهم لنقل إنتاجهم إلى الأسواق، حيث يشتري الوسيط التمر في النخلة قبل نضجه. - حبذا لو توضح للقارئ هامش ربح كل من الوسيط والمنتج؟ يتم تقييم تمر «المجهول» في النخلة ب 35 إلى 40 درهما للكيلوغرام، وينفق عليه الوسيط قرابة 10 دراهم بين عملية الجني والجمع والنقل ليصل مجموع الكلفة إلى 50 أو 60 درهما، فيما يباع ب 100 درهم أو130 درهما للكيلوغرام، في حين لا ينفق الفلاح أي نفقات لأن النخلة لا تحتاج إلى بذور أو أدوية كأشجار التفاح مثلا، ما عدا بعض النفقات القليلة المرتبطة باستخدام الأسمدة، ولكن مع اعتماد الفسائل الجديدة لا بد من بذل نفقات إضافية مرتبطة بها. ونحاول داخل الفدرالية إقامة وحدات للتبريد، بتعاون مع الوكالة الوطنية لتنمية الواحات، وأيضا نقط لتجميع الغلة ليقوم الفلاح ببيع المنتوج المُبرد بنفسه أو يكلف التعاونية التي ينتمي إليها أوالفدرالية الوطنية لمنتجي التمور بهذه المهمة. ونخطط لإقامة وحدة للتبريد في أرفود وأخرى في كلميمة، وعلى مقربة منها تشيد وحدة تصنيع لتلفيف التمر لتكون هذه الوحدات قريبة من المنتجين. - ما هي القيمة المضافة التي قدمها المعرض الدولي للتمور، الذي نظم لأول مرة في أكتوبر الماضي لمدينة أرفود ولمنتجي التمور بصفة عامة؟ كانت مدينة أرفود تحتضن معرضا وطنيا سنويا لمنتجي التمور، ولكن السنة الماضية عرفت تنظيم معرض دولي للتمور بأوامر من جلالة الملك، الذي زار المنطقة من قبل، وقد عاد المعرض الدولي بالنفع على ساكنة المدينة وعلى المنطقة برمتها. نفع اقتصادي من خلال تحقيق رواج سياحي وبيع منتجات الصناعة التقليدية المحلية. كما استفاد مزارعو النخيل من تجارب دولة كالإمارات وتونس والجزائر، حيث اطلعنا على وثائق ومعطيات لم نكن نتوفر عليها من قبل. وبعد المعرض سيتوجه وفد مغربي من منتجي التمور للمشاركة في معرض دولي للتمور بالإمارات، وقد أثار كبر حجم تمور «المجهول» انتباه زوار المعرض، وعند افتتاح أحد أمراء الإمارات انبهر بهذا التمر ذي الأصل المغربي، وطلب شراء كمية منه ليحمله إلى أسرته. ومن ثمار المعرض أيضا عقد اجتماع بين تعاونيات وفلاحين من مناطق النخيل في طاطا وزاكورة وفكيك لتبادل الخبرات. وأهم ما أكدنا عليه خلال المعرض هو حث المزارعين على الانتقال من نمط إنتاج تقليدي إلى آخر عصري، عبر اللجوء إلى الري بالتنقيط في أراضي النخيل، وهو أمر غير معهود في منطقة الرشيدية، وإذا زرت الشباك الوحيد المحدث لدعم استخدام الري بالتنقيط في مدينة الرشيدية ستفاجأ بالطابور الطويل للراغبين في الاستفادة. - كم عدد المستفيدين لحد الساعة من دعم الدولة في سقي النخيل بالتنقيط؟ قرابة 100 مزارع في منطقة الرشيدية وحدها، كما أن منطقة زاكورة ذهبت بعيدا في هذا المجال. - إشكالية ندرة الماء تطرح بقوة، فهل السقي بالتنقيط يعد حلا كافيا؟ من خلال تجربتي، فإن التنقيط كاف، حيث يؤدي إلى اقتصاد 50 في المائة من المياه المستعملة عادة في السقي، فالنخلة لا تحتاج إلى الكثير من ماء السقي، وما أود الإشارة إليه هو أن السقي بالتنقيط لا يمكن استخدامه في الضيعات الصغيرة، حيث يمكن أن تستفيد هذه الأخيرة من مياه السدود أو مياه الخطارات. وما دام أن دعم الدولة في تقنية التنقيط قد يصل إلى 80 في المائة فإني أرى أن فرصة مهمة يجب اغتنامها. - الواحات محاصرة من جهة بزحف الرمال ومن جهة أخرى بتوسع المناطق السكنية، فهل توجد على الأرض مجهودات لحماية الواحات؟ بالنسبة لزحف الرمال، فإن إدارة المياه والغابات ومحاربة التصحر تقوم بمجهودات مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي في المناطق المعنية باستعمال حواجز من جريد النخل لوقف الزحف وأيضا بواسطة التشجير. وأما توسع البناء فإن الأمر يتعلق بالنمو الطبيعي لسكان «القصور» حيث يكبر الأبناء ويتزوجون ويرزقون بأولاد، وبالتالي يستقلون في مساكنهم، فيتوسع العمران خارج «القصر». ورغم أن الوكالة الحضرية تحاول حصر هذا التوسع، فإن المطلوب هو إيجاد حل يحفظ للناس حقهم في البناء والسكن ويحمي نسيج النخيل المحيط بالقصور، إذ يمكن تجميع هؤلاء ضمن إقامات سكنية في مكان واحد عوض أن تتم عمليات البناء هنا وهناك داخل أراضي النخيل. - بمناسبة الحديث عن «القصور»، هل تتخوف من تضرر الواحات من التوجه الحكومي ضمن الرؤية السياحية 2020 للمضي في التأهيل السياحي للقصور لإبراز العرض السياحي المحلي؟ أبدا، فإن ترميم القصر سيدفع السائح الذي يزور هذه المعلمة للاطلاع على خصوصيات العمران ونمط العيش، وهو ما يشكل منتوجا سياحيا مهما، ولن يكون له ضرر على الواحات، فالقصور أصلا موجودة منذ 400 سنة وبدل أن يزورها السائح وهي في حالة رديئة، فإن ترميمها سيزيد من قيمتها وجاذبيتها، حيث إن العديد من السكان غادروا القصور بعد تصدعها وشيدوا منازلهم خارجها. وعوض أن تترك القصور خاوية على عروشها ومهددة بالتلف، فإنه من الجيد تكليف مستثمر سياحي بترميم هذه القصور لتصير نقطة جذب كقصبة الوداية في الرباط. - بعض الدول كالإمارات قطعت شوطا كبيرا في تثمين التمر، فعوض عرضه في الأسواق بشكله الخام فقط، يتم تسويق الكثير من مشتقاته في تلفيف مميز، مع الإشارة في الغلاف إلى كيفية الاستعمال وجوانب أخرى تهم المستهلك، فهل المغرب بعيد عن هذه التطورات؟ ما زلنا بعيدين عن هذا المستوى، ولكننا بدأنا في الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث زار وفد مغربي مكون من ممثلين عن وزارة الفلاحة ووكالة تنمية الواحات والقرض الفلاحي وحدات للتبريد والتصنيع في الإمارات، وسنقوم بزيارة أخرى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يتم استخدام آليات متطورة في تثمين التمور، وهي المستعملة في الإمارات. والهدف هو التقيد بالمعايير الدولية في عرض التمور، من حيث الإشارة إلى تاريخ الإنتاج والصلاحية، وهو ما سيضفي قيمة مضافة على التمور المغربية عند عرضها في التظاهرات التجارية. - وكيف ستمولون وحدات التبريد والتصنيع التي تنوون إقامتها؟ سنحصل على التمويل من وزارة الفلاحة والوكالة الوطنية لتنمية الواحات، وستكون بدون شك مساهمة للفلاحين المعنيين في هذه المشاريع، وتقدر كلفة إنشاء وحدتين للتبريد بثمانية ملايين درهم، إضافة إلى مليونين أو ثلاثة ملايين درهم لوحدتي التصنيع.