تغيرت النظرة في الآونة الأخيرة لدى السلطات الحكومية إلى قطاع النخيل من قطاع تقليدي معاشي ترك المزارعون وحدهم لعقود يصارعون الظروف الصعبة من قلة إمكانيات التمويل وضعف وقدم وسائل الإنتاج وشح الثروات المائية إلى قطاع يمكن أن يتطور ويصبح صناعة قائمة بذاتها إنتاجا وتصنيعا وتثمينا وتسويقا، غير أن التدخل في قطاع النخيل يستدعي رؤية شمولية ومندمجة تنسجم وتداخل منظومة الواحات في المغرب التي تعد نظاما بيئيا واقتصاديا واجتماعيا ذا طابع خاص وتنوع بيولوجي نباتي كبير. دينامية جديدة «لا يمكن تطوير قطاع النخيل دون تقوية التنظيم المهني لمنتجي ومصنعي التمور» هي خلاصة يجمع عليها كافة المتدخلين في قطاع النخيل، حيث كان وما يزال هذا الإنتاج يتم في إطار تقاليد جماعية متوارثة وضمن وسط عائلي محدود، غير أن جسامة التحديات والنزيف الذي أصاب مناطق النخيل استدعى التئام المنتجين ضمن تعاونيات وجمعيات ما يزال عددها قليلا، وقد شهد العام الماضي ميلاد 4 جمعيات جهوية لإنتاج التمر في كل من الجهة الشرقية ومكناس- تافيلالت وجهة سوس – ماسة - درعة وجهة كلميمالسمارة، تلاه ميلاد فدرالية منتجي التمور في 5 أبريل المنصرم والفدرالية البيمهنية المغربية للتمور في 19 من الشهر نفسه. والملاحظ في الشهور الأخيرة وجود دينامية جديدة لتدخل ودعم متزايد للدولة في قطاع النخيل تمثل في مخطط تنمية سلسلة النخيل والعقد البرنامج مع مهنيي القطاع، وأيضا توقيع اتفاقيتين مع وكالة الشراكة من أجل التنمية بقيمة 64 مليون درهم، وتخص الاتفاقية عقدة مع شركة «كوالياغرو» بقيمة 45,2 مليون درهم لتوفير 178 ألفا و800 شتيلة نخيل التمور تمنح لمزارعي مناطق الواحات، وعقدة ثانية مع مختبر للتكنولوجيا البيولوجية بقيمة 18,9 مليون درهم يتعهد بموجبها بتوفير 71 ألفا و200 شتيلة نخيل التمور تخصص للفئة المذكورة سابقا. وستوزع هذه الأغراس على مزارعي 12 واحة في أقاليم زاكورة والرشيدية وتنغير وطاطا وفكيك، وتندرج هاتان الاتفاقيتان ضمن مشروع الأشجار المثمرة الممول بواسطة هبة أمريكية، حيث تلتزم وكالة الشراكة من أجل التنمية بتقديم تمويل يقارب 219 مليون دولار من أصل 300,9 مليون دولار المخصص للمشروع برمته، أي 73 في المائة من المبلغ الإجمالي. ويرمي المشروع أساسا إلى تقوية وتهيئة بساتين النخيل بالواحات على مستوى 5 أقاليم، من خلال تهيئة السقي الصغير والمتوسط على مساحة تناهز 16 ألفا و600 هكتار موزعة على 12 وحدة سقوية، وتأهيل وتجديد بساتين النخيل الموجودة بالواحات المستهدفة، فضلا عن دعم قدرات المنتجين وجمعياتهم والمساعدة على إنشاء وحدات نموذجية لحفظ وتعليب التمور... من جانب آخر يقدم صندوق التنمية الفلاحية مساعدة مالية بخصوص شتائل النخيل، حيث يوزعها مجانا من أجل تكثيف وتأهيل الواحات ويمول بنسبة 80 % عمليات اقتناء الشتائل من أجل توسيع الواحات، فضلا عن إعانات فيما يخص التحاليل المخبرية والتجهيز بأنظمة السقي الموضعي والتكميلي، وقد بدأت تتوسع المساحات المشمولة بتقنية السقي بالتنقيط خارج مناطق الواحات، حيث تشمل نحو ألف هكتار في مناطق عديدة كأفوس وأرفود وبوذنبيب وكلميمة. تنوع الأصناف تمتد مساحات نخيل التمور في المغرب لتصل إلى 48 ألف هكتار ويتوفر المغرب على 4,78 ملايين نخلة توجد في المناطق الجافة الجنوبية الشرقية، وتنتشر الواحات في كل من أقاليم كلميم وأسا الزاك وطاطا وفكيك والرشيدية، ويُزرع فيها بشكل مشترك نوعان أو 3 أنواع من المزروعات. ويعد المغرب من أكثر البلدان تنوعا في أصناف التمور حيث تضم واحاته 453 صنفا من التمور إلى جانب نسبة عالية من أنواع الخلط (أي نوع من التمور غير مصنفة تحت اسم معين) والتي تمثل 45 في المائة، وتبقى أكثر أصناف التمور شهرة هي المجهول والجيهل وبوفكوس وبوزكري وأدمو، عزيزة، أم النحل، بوسليخن، بوزكاغ، بوستحمي، انيتفيت، بورار... ويظل المجهول أغلى الأصناف ثمنا، حيث يباع في غير مناطق إنتاجه ب150 درهما في المتوسط، ويرتفع أحيانا إلى 200 درهم حسب جودته. ويتسم الإنتاج الوطني من التمور بالضعف حيث يناهز معدل مردودية النخلة الواحدة 20 كيلوغراما في حين يصل لدى بلدان أخرى منتجة إلى 100 كلغ، إذ إن الاستهلاك الداخلي يصل إلى 120 ألف طن ويرتفع الطلب الإجمالي إلى 160 ألف طن سنويا في حين لا يتجاوز الإنتاج الوطني 90 ألف طن، وهو ما ينتج عنه خصاص يصل إلى 70 ألف طن يتم سده بواسطة الاستيراد من دول مجاورة خصوصا تونس. تحديات غير مسبوقة وترسم الدراسات المتخصصة صورة سوداوية عن وضع الواحات، إذ تشير إلى «أن تدهور مناطق النخيل وضياعها والتخلي عنها صارت حقائق تتهدد الحاجز الإيكولوجي الذي تمثله واحات الجنوب المغربي ضد التصحر، وتمتد هذه الواحات من المناطق الأطلسية لكلميم إلى غاية المنطقة الصحراوية الشرقية في الهضاب العليا لفكيك. وتعد منطقة كلميمالسمارة أكثر مناطق النخيل تضررا، ففي أقاليم هذه الأخيرة لا يكتسي الخصاص المائي خطورة كما يمثلها مرض البيوض والهجرة. ففي إقليم طاطا يؤثر النقص في كميات الماء بشكل كبير تنضاف إليه عوامل أخرى كالأمراض النباتية والبيوض وسوء التسويق ورداءة نوعية المنتجات. وتواجه منظومة الواحات، التي تظل لحد الساعة المناطق الأساسية لإنتاج التمور في المغرب، تحديات غير مسبوقة ناتجة عن اختلال توازنها البيولوجي تحت وقع الأمراض الصعبة وتوالي سنوات الجفاف والتصحر وتأثير التغيرات المناخية، وهي عناصر صارت معطيات هيكلية وليست ظرفية يجب التأقلم معها. ورغم ما بذل في العقود الماضية إلا أن الدولة غابت عن هذا القطاع من حيث التأطير والدعم فترك تقليدياً معيشياً، في وقت كانت تطور فيه دول عربية إنتاج وتثمين التمر حيث أقيمت مصانع ضخمة تتوفر على قدرة إنتاجية كبيرة، ويرى البعض أن قطاع النخيل لم يكن ضمن أولويات الدولة الفلاحية في وقت من الأوقات، حيث كان الاهتمام منكبا على الحبوب والإنتاج الحيواني والدوائر السقوية. ضيعات جديدة بدأت تظهر في السنين الأخيرة ضيعات نخيل عصرية في بعض المناطق كبوذنيب، وهي الموطن الأصلي لتمر «المجهول» المشهور، توظف فيها إمكانيات استثمارية كبيرة من لدن رجال أعمال بارزين كالدرهم وبودلال، حيث تمتد مساحة الضيعات على مئات الهكتارات وتستعمل فيها أحدث التقنيات ومن أبرزها السقي الموضعي، ويتم تسيير هذه الاستغلاليات ضمن مقاولات مهيكلة. وبجانب النخيل يتم غرس أشجار الزيتون في هذه الضيعات، كما أن بعض المستثمرين في هذه الاستغلاليات يقيمون مختبرات لإنتاج فسائل أنبوبية للحصول على أشجار نخيل مقاومة للبيوض، ولن ينحصر عمل المختبر على الضيعة المرتبط بها، بل مواكبة المزارعين في العمليات الجديدة للغرس. تعويل على البحوث يعد محور البحث العلمي أحد مرتكزات تنمية سلسلة النخيل في المخطط الأخضر، حيث يشدد هذا الأخير على ضرورة الاعتماد على نتائج بحوث ملائمة للبيئة المغربية، مع توفير فرص للنهوض بهذه البحوث وتثمين نتائجها على أرض الواقع. ويتم التعويل على الجهد العلمي لدى المعهد الوطني للبحث الزراعي والمختبرات المختصة في إنتاج أصناف جيدة ومقاومة للأمراض الأكثر فتكا بالنخيل وعلى رأسها البيوض الذي أهلك خلال قرن 10 ملايين نخلة، حيث يتم الاعتماد على تقنيات الإكثار النباتي والتهجين بين الأصناف لإنتاج أحسن السلالة مردودية ومقاومة للبيوض. وكانت النتيجة هي التوصل إلى 16 سلالة ذات جودة وبعضها مقاوم للبيوض ومن أبرزها «النجدة» الذي ذاع اسمه بين المزارعين وأيضا «بورهان» وسلالة «INRA3003» و«الفايضة»، في المقابل توجد أصناف عديدة جيدة من حيث الإنتاج ولكنها حساسة تجاه المرض ك«الهيبة» و«خير» و«أيور» و«تافوكت»... وتم تسطير هدف ضمن المخطط الأخضر للانتقال بإنتاج الأصول المتبرعمة للأصناف الجيدة من 10 آلاف إلى 50 ألفا خلال سنتي 2011 و2012. ويشدد المختصون على ضرورة إحداث تشبيك قوي وفعال بين 3 أقطاب هي مراكز البحث المتخصصة والقطاعان العام والخاص لتنمية واستثمار نتائج البحث العلمي في ميدان النخيل. قلق من الواردات ويقول أحد مزارعي النخيل في منطقة الجرف «عبد الغني بوسحابي» إن دخل منتجي التمور انخفض بفضل تنامي واردات المغرب من تمور الإماراتوتونس والعراق، وهي دول تتوفر على مخزون كبير من التمور يمنحها قوة تصديرية كبيرة بخلاف المغرب، ويرى عبد الغني أنه من الواجب تحديد سقف سنوي لهذه الواردات لا يتم تجاوزه. ويتراوح حجم واردات المغرب من التمور ما بين 30 و 40 ألف طن سنويا مع زيادة سنوية في هذا الحجم في الأعوام الأخيرة بنسبة تقارب 5 في المائة، وتبقى هذه الواردات ضرورية لتغطية باقي الحاجيات التي لا يلبيها الإنتاج المحلي، والسبب هو سمة التقلب التي تطغى على الإنتاج الوطني كماً وكيفاً، حيث يتراوح حسب السنوات بين 60 و130 ألف طن، كما أن نسبة «المجهول» لا تتعدى 3 إلى 4 في المائة، وتناهز حصة الأصناف الجيدة للتمور (بما فيها المجهول) نسبة 50 في المائة، والصنف المتبقي جودته دون المستوى المطلوب للتصدير. ويرى عدد من المختصين أن المغرب لا يملك قوة تنافسية في السوق الدولية للتمور لأنه مسبوق من حيث الإنتاج والتطوير والبحث العلمي والتكوين في مختلف المجالات المتصلة بهذا القطاع، حيث تغطي عليه التقنيات التقليدية في الإنتاج ولا يتوفر على مسالك قوية للتوزيع، كما أنه لا توجد في المغرب لحد الساعة وحدات كبيرة للتجميع والتبريد والتصنيع. ويحتاج المغرب لبذل جهد مضاعف من لدن المنتجين مع تدخل ودعم قويين من الدولة لاستدراك الفارق بينه وبين كبار المنتجين كتونس ومصر والإمارات، حيث تطور قطاع التمر خلال السنوات العشر الأخيرة من خلال تصنيع مشتقات متعددة للتمر كالطحين والحلوى والشكولاته والخل والعصير وغيرها، وانتقلت قيمة التجارة العالمية للتمر من 238 مليون دولار سنة 2000 إلى 650 مليون دولار سنة 2010. وتغيب التمور المغربية عن بورصتي التمور في العالم وهما الإمارات ومرسيليا في حين تحضر التمور الجزائرية والتونسية، ويتم توجيه التمور إلى البورصتين لتوزع في مختلف أنحاء العالم. ويرتقب المختصون أن يعرف قطاع التمور في العقد المقبل تطوير استعمالات التمور لأغراض طبية، مع ظهور مواد مشتقة جديدة منها، وينتظر أن يفوق الإنتاج عشرة ملايين طن. السوق الدولي انتقل الإنتاج العالمي من التمور حسب إحصائيات منظمة «الفاو» من 1,8 مليون طن سنة 1961 إلى 7,1 ملايين طن سنة 2009، حيث سجلت زيادة سنوية في الإنتاج بلغت 6,5 %، وتوجد 67 في المائة من الأراضي المغروسة بنخيل التمر في دول إيرانوالإمارات والسعودية ومصر والجزائر، وتؤمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسبة 92 في المائة من الإنتاج العالمي. وبلغت صادرات التمور سنة 2008 نحو 570 ألف طن، ويلاحظ المختصون أن معظم أصناف التمر في البلدان المنتجة غير صالحة للتصدير من حيث الجودة، كما أن هذه الصادرات تظل متقلبة من سنة لأخرى تبعا لأوضاع البلدان المنتجة وتأثير التغيرات المناخية، فقد انتقل متوسط الصادرات من 260 ألف طن سنة 1961 إلى 400 ألف طن سنة 1970 ثم انحدر إلى 230 ألف طن سنة 1980 قبل أن يرتفع إلى 570 ألف طن كمتوسط في الفترة ما بين 2001 و2008. وتعد دولة الإمارات أول مصدر للتمر في العالم حيث تستحوذ على حصة 27 في المائة تليها إيران ب24 في المائة فباكستان بنسبة 14 في المائة، غير أن تونس التي تعتبر أيضا من الدول المهمة من ناحية الإنتاج والتصدير تبقى صاحبة أعلى الأسعار لصادرات تمرها، حيث تصدر الطن الواحد ب3000 دولار وهو ما يفوق 7 مرات سعر تصدير التمر الإيراني، ويعزى تفوق الصادرات التونسية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم إلى جودة الأصناف وحسن التسويق.