شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية المحلية بين الديمقراطية التمثيلية و الديمقراطية التشاركية

إذا كانت المسالة التنموية عموما هي رهان كل الشعوب و التجمعات السكانية في العالم فان عصبها و عمودها الفقري لا يقاس فقط في الوقت الراهن بتوفر الكم الكبير من الأموال أو التوفر على ثراء كبير في المواد الأولية و مصادر الطاقة سواء منها المستخرجة في باطن الأرض، أو التي فوق الأرض، كما انه لا يقاس بالكم الكبير من العناصر البشرية المتعلمة و المؤهلة تقنيا وإداريا فحسب وإنما هي نسق من العلائق بين كل هذه العناصر و الوسائل كاملة.

إن التنمية كما عرفتها منظمة الأمم المتحدة :"هي استخدام عام للوسائل و اتباع الطرق وتعبئة المجهودات العامة والخاصة ،بغية التوصل إلى رفع المستويات المادية ،و المعنوية للمجتمعات المحلية و القومية ،و جعلها تشارك بفعالية في تنمية أوطانها ".

لقد فتح المغرب باب ورش كبير للتنمية البشرية منذ سنة 2005 الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ويستهدف هذا الورش «... التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الأحياء الحضرية الفقيرة و الجماعات القروية الأشد خصاصة. وذلك بتوسيع استفادتها من المرافق و الخدمات و التجهيزات الاجتماعية الأساسية، من صحة وتعليم، ومحاربة للأمية و توفير للماء و للكهرباء، وللسكن اللائق و شبكات التطهير ، و الطرق ، و بناء المساجد ، ودور الشباب و الثقافة ، و الملاعب الرياضية ...." (1)

إن المسالة التنموية هي نسق ومتتالية من الأنساق المتداخلة فيما بينها، اقتصادية، تهدف إلى تحقيق أهداف النماء و الفعالية الاقتصادية، واجتماعية، تستهدف تلبية الحاجيات الإنسانية و الاستجابة لأهداف الإنصاف و التماسك الاجتماعي بما في ذلك قضايا الولوج إلى الخدمات و المرافق الأساسية و الشغل و الثقافة...وهي كذالك بيئية، ترمي إلى الحفاظ على البيئة و الموارد الطبيعية و تحسينها، و هي بشرية تجعل من الإنسان هو المنطلق و هو الهدف في ذات الوقت، وهي كذلك تنظيمية و قانونية وحقوقية. تستهدف الرفع من المستوى الراهن لأي مجموعة بشرية إلى مستوى أرقى و أعلى و فق إستراتيجية معدة سلفا تحدد نقطة انطلاقها من الآني المعيش وما يحتويه من نقط القوة أو الضعف، نحو أفق يتم فيه الرهان على حل مجموعة من الصعوبات التي يفرزها الواقع الراهن ،وفق آلية شجرة المشاكل ،التي تحدد المشاكل انطلاقا من جذورها و أسبابها و أسباب أسبابها، مرورا على المشكل الحقيقي العام أو ما يعرف، بالمشكل الأساسي ،الناتج عن تلك المشاكل الفرعية ، وصولا إلى تمظهرات المشكل الحقيقي في الواقع المعيش، خلال مجموعة من الظواهر السلبية الناتجة عن المشكل الحقيقي الكبير. إلى جانب شجرة المشاكل لا بد لأي خطة استراتيجيه تنموية ناجحة من وضع شجرة للحلول تتضمن معالجة جذور المشاكل ، مرورا على الحل الكبير للمشكل الكبير المشار إليه سالفا وصولا إلى تمظهرات الحل بحل تمظهرات المشكل الذي هو نتيجة حتمية لحل المشاكل / السبب.

إن أي مقاربة تنموية لا تراعي وضع استراتيجية لها، هي بدون شك مقاربة تنموية عرجاء ، فاشلة، متعثرة ومشوهة بالقوة ، لأنها لا تمتلك خارطة للطريق ولا دليلا ييسر لها سبل النجاح .
ولكن ما هي الضمانة الحقيقية لنجاح أي استراتيجيه تنموية ؟ إن أهم شيء يركز عليه فقهاء التنمية في العالم بأسره بخصوص هذه المسألة ، هو سلسلة من المقاربات بدون توفرها و تناغمها يكون العمل التنموي غير ذي جدوى ، و يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر : المقاربة التشاركية المندمجة التي تستهدف الإشراك العمودي و الأفقي لكافة الفاعلين التنمويين على أي رقعة جغرافية... ، مقاربة النوع الاجتماعي ولا نختزلها هنا في إشراك النساء نصف المجتمع فقط، وإنما كافة الفئات ذات الاحتياجات الخاصة من أطفال و معوقين و أشخاص في وضعية صعبة..... ،المقاربة البيئية التي تحترم شروط التنمية المستدامة من خلال ضمان حسن استغلال الموارد الطبيعية بشكل يضمن للأجيال القادمة حقهم في الموارد الطبيعية ......، المقاربة المجالية الترابية بمفهومها الواسع التي تضمن إشراك كافة الفعاليات والفاعلين داخل المجال الواحد ، سواء منها الفاعلين المدنيين، من جمعيات وتعاونيات وأحزاب ونقابات، أو فاعلين من القطاع الخاص من شركات ومقاولات وغيرها، أو مؤسسات الدولة من جماعات محلية و مصالح خارجية للدولة وغيرها ......

إن أهم شيء يجمع كل هذه المقاربات هو العنصر البشري, فهذه المقاربات كلها تجعل كل الشركاء المجاليين وغيرهم مجتمعين، أو أشتاتا، كل واحد منهم يمكنه المساهمة الفعلية في التنمية المحلية الحقيقية التي تهدف إلى إحداث تغيير حضاري في طريقة التفكير و العمل والحياة عن طريق إثارة وعي البيئة المحلية ،و ذلك بدعوة أعضاء البيئة المحلية إلى التعاون و المشاركة في التفكير و إعداد و تنفيذ المشاريع ضمانا لاستمراريتها، تمكن السكان من تحسين مستواهم المعيشي وفق قرارات يكونون هم المساهمين الفعليين و الحقيقيين في صناعتها .

إن المشرع مواكبة منه للتغيرات و التطورات الاقتصادية والاجتماعية و الحضارية ما فتئ يعزز الترسانة القانونية لكي تكون مواكبة وموائمة لمتطلبات العصر. فالي جانب المؤسسات التمثيلية، التي وضعها لتسيير الشأن المحلي كالجماعات المحلية، مجالس جهوية، أو إقليمية، أو مجالس بلدية، أو قروية و التي تتكون بالإضافة إلى طواقمها الإدارية المختلفة ، موظفين و أعوان... ، من مجالس منتخبة تعبر عن إرادة الناخبين و ترافع من اجل قضاياهم التنموية اذ ".. على المجلس الجماعي بصفته ممثل للسكان أن يتوفر على أداة تخطيط خاصة به ، ترتكز على رؤيا تحدد مستقبل الجماعة وتؤدي بالضرورة إلى برمجة أولويات الجماعة ، ومن ثم تعطي إمكانية الرؤية الواضحة للجماعة وشركائها الاجتماعيين – الاقتصاديين " (2) , فان المشرع قد عزز عملها بمؤسسات أخرى غيرها، اعني بذالك هيئات المجتمع المدني و الهيئات التقليدية المتمثلة في الجماعات السلالية.. ،و مؤسسات القطاع الخاص، و المصالح الخارجية للدولة ،وغيرها من المؤسسات العصرية والتقليدية التي جعلها المشرع إلى جانب الهيات المنتخبة بالجماعات المحلية، في إطار توسيع الفعل التشاركي الديمقراطي المحلي،و أركز هنا بالخصوص على الجماعات الحضرية والقروية، لقربها ووقعها المباشر على السكان.(3)

فمن بين الأشياء الجديدة التي جاء بها الميثاق الجماعي، من اجل تسيير امثل للشأن المحلي المادة 36 التي تنص على أن المجالس المحلية لا بد لها من وضع مخطط جماعي للتنمية ،الذي يعد حسب ما جاء في دليل المنتخب الذي أصدرته المديرية العامة للجماعات المحلية هو" آلية تشاوريه تسعى إلى دفع الفاعلين المحليين إلى تحديد أهدافهم التنموية التي يتطلب تنفيذها تعبئة الموارد المحلية أولا ، ثم موارد الشركاء ثانيا " وهو "تخطيط استراتيجي ، لان الأهداف المسطرة نابعة من القرار السياسي المحلي الذي يتخذ خيارات ذات طبيعة هيكلية ترهن مستقبل الجماعة و تحدد السبل الواجب إتباعها و الوسائل الواجب إعمالها لتحقيق تلك الأهداف .."(4).

إن أهم شيء ينبنني عليه المخطط الجماعي للتنمية هو المقاربة التشاركية التي تهدف إلى إشراك كافة المؤسسات التقليدية والعصرية في رسم إستراتيجية تنموية ناجحة بواسطة التشخيص التشاركي الترابي العميق الذي يؤدي إلى بيان المشاكل الحقيقية التي يعاني منها مجال معين تمكن ذات الفاعلين من رسم استراتيجية للخروج من المشاكل عبر وسائل محددة وحقبة زمنية محددة، و فق رؤية استراتيجية واضحة قابلة لإنتاج مشاريع حقيقية قابلة للنجاح و للحياة .

بالإضافة إلى المادة 36 السالفة الذكر وضع المشرع المادة 14 التي تنص على تكوين اللجان المكلفة بتكافؤ الفرص ، تتكون أساسا من ممثلي المجتمع المدني، فعلى الرغم من أنها آلية تشاوريه اقتراحيه، فإنها تعزز تكافؤ الفرص التنموية داخل الجماعات المحلية بعيدا عن التجاذبات القبلية، و السياسوية الضيقة ،بحيث جعلها المشرع وسيلة لخلق التوازنات التنموية في الجماعات الحضرية والقروية ... . أضف إلى ذلك الدور المهم الذي خوله المشرع إلى اللجان الدائمة بالمجالس، وفق المادة 14 السالفة الذكر، خصوصا اللجنة المكلفة بالتخطيط و الشؤون الاقتصادية ،و التعمير و إعداد التراب و البيئة و الميزانية و المالية ،و اللجنة
المكلفة بالتنمية البشرية و الشؤون الاجتماعية و الثقافية و الرياضية ، إن لهذه اللجان أهمية كبيرة في خلق دينامية، و حركية داخل الجماعات.

أن ثمة إشكالية معقدة تطرح نفسها، وهي مدى تأهل العنصر البشري المنتخب لتسيير الشأن المحلي على العموم وتفعيل هذه اللجان على الخصوص لكي تقوم بدورها الحقيقي الذي أراده المشرع، فمعظم أعضاء المجالس المحلية ، وهذه المسالة ليست مطلقة بالطبع ، أميون أو شبه أميين ، وحتى المتمدرسون منهم أو الحاصلين على الشهادات العليا ناذرا ما يكونون ملمين وعارفين بطرق التسيير، أو طرق وضع استراتيجيات ناجحة تمكنهم من اقتراح مشاريع فعالة و ذات جدوى ،تجعل من الجماعة المحلية قاطرة حقيقية للتنمية ، وهذه المسالة وحدها تحتاج الى نقاش سياسي وطني عميق من لذن كل الشركاء التنمويين .

إن النيات الحسنة وحدها لا تكفي لتدبير وتسيير الشأن المحلي ، فلكل لعبة قواعدها وأسسها، فبعض الجماعات لم تجتمع فيها لجانها الدائمة بالكيفية المطلوبة من اجل وضع استراتيجياتها الآنية أو المستقبلية، وبعضها لم يرفع أي توصية أو مقترحات إلى مجالسها من اجل عرضها للتداول أثناء الدورات ، وهناك من رؤساء المجالس المحلية القروية منها أو الحضرية من توجس وتحفظ على تأسيس لجنة تكافؤ الفرص بجماعته،خشية أن يخلقوا لأنفسهم أجهزة تقترح عليهم أو تلاحظهم من الداخل ... و هذا بالطبع مخالف لروح ما أراده المشرع في المادة 14 من الميثاق الجماعي.

كما أن المشرع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعزيزا منه لأجهزة الحكامة المحلية الرشيدة قد شرع تأسيس اللجان المحلية للتنمية البشرية فبالإضافة إلى رئيس اللجنة ونائبه فقد جعل ثلثها من المنتخبين خصوص رؤساء مختلف اللجان ،و الثلث الآخر من الموظفين ممثلو المصالح الخارجية للوزارات العاملة داخل الجماعة : الصحة / التعليم /الفلاحة و التنمية القروية /الشباب و الرياضة ..، و الثلث المتبقي من ممثلي النسيج الجمعوي ، بما في ذالك جمعيات النساء و الشباب و تنظيمات المنتجين و المنعشين الاقتصاديين بالجماعة، وتعاونيات ومؤسسات تقليدية من رؤساء الجماعات السلالية وغيرهم .وتمثل اللجنة المحلية للتنمية البشرية " ... الجهاز المحلي الذي يقوم بإعداد و تقرير و تدبير و تقييم و تتبع برنامج المبادرة المحلية للتنمية البشرية وينظم مسلسل المشاركة عن طريق فريق التنشيط الجماعي...كما ينسق ويصادق على التشخيص التشاركي ، ويختار و يقيم مقترحات الأنشطة الميسرة بالتشاور مع الساكنة ، ويضع برنامج المبادرة المحلية للتنمية البشرية كما يقدمه و يدافع عنه لدى اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية قصد المصادقة عليه و تمويله من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ...." (5) وقد أحاط المشرع هذه اللجان أهمية كبيرة كقوة تخلق دينامية إضافية تنموية متوازنة داخل الجماعات ، كما عزز عملها بفرق التنشيط الجماعية التي تعتبر "... البنية الإجرائية للجنة المحلية للتنمية البشرية ، حيث يساعد اللجنة في عمليات إعداد و انجاز و تتبع المبادرة المحلية للتنمية البشرية وكذا في نشر المعلومات و المعطيات .و يشكل كتابة اللجنة المحلية للتنمية البشرية ، كما يحضر المسار التشاركي للمبادرة المحلية للتنمية البشرية داخل الجماعة ، عن طريق ضمان مشاركة كافة الدواوير و المجموعات التي تمثل الساكنة الفقيرة . كما يتعين على اللجنة المحلية للتنمية البشرية تعبئة الكفاءات التقنية و التدبيرية و الإدارية و المحاسباتية و المالية لأجل دعم فريق تنشيط الجماعة مع التأكد من جدوى المشاريع " (6) كما تعد جهازا مساعدا للجمعيات والتعاونيات في مساعدتها تقنيا من اجل إعداد مشاريعها التنموية، ومدها بكافة المعطيات التي وضعتها اللجان الإقليمية للتنمية البشرية بحوزة اللجان المحلية، كما تعد فرق التنشيط الجماعية جهازا مساعدا في وضع أي استراتيجية تنموية داخل الجماعات .

بخصوص تفعيل أجهزة الحكامة المحلية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لابد من الإشارة إلى مجموعة من المشاكل و المعيقات التي تعاني منها هذه الأجهزة . ففي بعض الجماعات التي تم تأسيس اللجان المحلية و فرق التنشيط بها ، لم يستوعب أعضاء اللجان الدور المنوط بهم إلى يومنا هذا بل إن تأسيسها في بعض الأحيان يتم بوتيرة سريعة لا تحترم شروط الشفافية ، كما أن المنخرط فيها لا يستوعب حقيقتها ولا الهدف منها ، أضف إلى ذلك قلة التكوين .نفس الشيء بالنسبة إلى فرق التنشيط الجماعية التي لم تحترم في تكونها في كثير من الجماعات شروط الشفافية و الكفاءة وعدم خضوع أعضائها إلى ما يكفي من التكوين في مجالات حيوية كالتواصل وتقنياته، أو طرق إعداد المخططات الإستراتيجية أو طرق إعداد
المشاريع المدرة للدخل أو إعداد التشخيص التشاركي ، وما يتطلبه من مقاربة تشاركيه مندمجة تراعي مقاربة النوع الاجتماعي إلى غير ذلك من الأمور التي أصبحت ضرورية في الدخول الحقيقي في أي تنمية حقيقية مبنية بناءا علميا متكاملا .ومن بين المعيقات كذلك غياب التواصل بين اللجان المحلية ورؤسائها أو بين
هؤلاء وفرق التنشيط الجماعي. ابل ان بعض رؤساء المجالس قد أغلق مكاتب التنشيط الجماعي بجماعته مخالفا بذلك نص الفقرة المتعلقة بدعم فريق التنشيط المشار إليها أعلاه ، اعتقادا منهم أن اللجان المحلية وفرق التنشيط ترف بشري داخل الجماعة إن شاء تعامل معها وان شاء أهملها في إطار التعاملات البراكماتية الضيقة تتحكم فيه عقلية "الخوفقراطية"(7) و الخوف من أي رأي أخر مخالف وهو طبعا أمر ينافي الديموقراطية . وهذه مشكلة كبيرة لان المشرع وضع هذه الأجهزة التشاورية المساعدة ،لتعزيز الديمقراطية التشاركية المندمجة و تعضيض ومؤازرة الأجهزة التمثيلية ، بحيث يشارك كل الفاعلين المجاليين في اتخاذ القرار التنموي المناسب ،وهو ما يضمن نجاح المشاريع و الخطط التنموية بشكل متوازن يضمن حق الجميع في التنمية ولا يقصي أحدا .

إن هذه الأمور التي وضعها المشرع من اجل تعزيز الحكامة المحلية إنما يهدف من وراءها الرفع من مؤشرات التنمية الشاملة خصوصا منها التي لها علاقة مباشرة بالطبقات الفقيرة والمعوزة فالجميع بإمكانه أن يساهم اليوم في تقليص الفقر و الهشاشة والإقصاء الاجتماعي في قرى ومدن البلاد ولكن شريطة إبعاد عقليات الإقصاء و التهميش في المساهمة في اتخاذ القرار المناسب الذي يرجع بالنفع على الجميع . فالأمر إذن لا يحتاج إلا إلى تغيير العقليات وفتح اوراش لتكوين كافة الفاعليين المحليين تكوينا يؤهلهم للانخراط الحقيقي في الأجهزة التمثيلية المنتخبة او في بقية أجهزة الحكامة المحلية ، وجعلها مسايرة للترسانة الكبيرة من النصوص التي وضعها المشرع من اجل إشراك الجميع في التنمية، من جميع نواحيها، فالتنمية البشرية فعل بشري إنساني يكون البشر هو منطلقها ووسيلتها وغايتها ، لابد للمنخرط فيه من تنمية معارفه و صقلها. إن منطق الإقصاء الممنهج لأي احد من الشركاء قد انتهى و يعد هدرا للوقت و المجهود و لخيرات الوطن و تضييع لمصلحة المواطنين.

فكل تجربة تنموية لا تحترم المنطق التشاركي تحت أي سبب كان، هي تجربة مختلة ، محدودة الجدوى ، فكما جاء في الخطاب الملكي السامي ليوم 18 مايو 2005 ".... تدلنا تلك التجارب على محدودية جدوى المقاربات التنموية غير المندمجة ، ذات الطابع القطاعي الانفرادي ، المنعزل عن باقي القطاعات الأخرى . فضلا عما تؤدي إليه من الاختلالات الناجمة عن تعدد الفاعلين ، و تشتيت الجهود ، وتبذير الموارد ....." . إن التجربة الناجحة إذن هي المعتمدة على الاندماج و التشارك و التنسيق بين كافة الفاعلين المجاليين و المحليين، تعزيزا للديمقراطية الحقيقية في أرقى تجلياتها ، كما جاء في الخطاب الملكي السامي ليوم 20 غشت 2005 :".....إن حرصنا القوي على مصداقية هذه المبادرة لا ينحصر في الالتزام بآماد تنفيذها و بتمكينها من الموارد البشرية و المالية اللازمة. بل يشمل الجوهر الديمقراطي لتحقيقها ، القائم على الإصغاء والتشاور مع القوى الحية للأمة ، و انتهاج المقاربات التشاركية التعاقدية ، و إسهام النسيج الجمعوي المحلي و السكان أنفسهم ....." .

إن آي مقاربة تنموية حقيقية إذن هي تلك التي تنبني على حسن الإصغاء و التشاور بين القوى الحية في البلاد. وكل من يفكر في تنمية أحادية التفكير، فانه يفكر بمنطق الأصم المستبد برأيه الذي لا يدرك ما حوله او ما يصطلح عليه منطق " الحكرقراطية "(8) وهو لا شك ضد منطق الديموقراطية . إننا في مرحلة جد مهمة وحساسة . مرحلة التنمية البشرية التي يراهن عليها الجميع في تقليص جميع المؤشرات السلبية في ميادين الأمية ،وولوج الخدمات، والشغل، وحقوق الإنسان ،و الإقصاء والتهميش الاجتماعيين و الفقر .
حميد اهبار
فاعل جمعوي بكلميمة
(1)مقتطف من الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة محمد السادس الى الشعب المغربي بتاريخ 18 ماي 2005 .
(2) دليل المنتخب( الطبعة الاليكترونية ) الذي أصدرته المديرية العامة للجماعات المحلية اكتوبر نفمبر 2009 الباب المتعلق بدليل إعداد المخطط الجماعي للتنمية ص 4 .
(3). ساتطرق مستقبلا لبقية الفاعلين التنمويين كلما سمحت الفرصة بذالك .
(4) دليل المنتخب( الطبعة الاليكترونية ) الذي أصدرته المديرية العامة للجماعات المحلية اكتوبر نفمبر 2009 الباب المتعلق بدليل إعداد المخطط الجماعي للتنمية ص 2 .
(5) دليل المساطر دليل محاربة الفقر بالوسط القروي ص 11.
(6) نفسه ص 13 .
(7) (8) المهدي المجرة :الاهانة في عهد الميكا امبريالية ص:21 .و ص 7 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.