- الجوع بين الإعتقاد الخاطئ والحقيقة. - هل القضاء على جوع وسوء تغذية أكثر من 800 مليون شخص حول العالم هدف ممكن التحقيق؟. - التكنولوجيا الحيوية الزراعية تقدّم أحد أكثر الأساليب الواعدة لإطعام جياع العالم. "الثورة الخضراء"ومعركة الإنسان ضد الجوع والحرمان، والأمراض البيئية قد تصبح أسرع من الجوع في التأدية إلى انحطاط البشر. - المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة،وكسر دورة الجوع التي تتوارثها الأجيال من جيل إلى آخر. 1 - الجوع بين الإعتقاد الخاطئ والحقيقة يتخذ الجوع أشكالا مختلفة، ولكنها جميعا يمكن أن تسبب الموت والمعاناة المفرطة، خاصة في الدول النامية. ويعاني أكثر من 850 مليون شخص من الجوع مع أن العالم ينتج ما يكفي من الغذاء لإطعام كل فرد فيه. وفي حين أن المعونات الغذائية تساعد في أوقات الطوارئ، إلا أن هناك حاجة على المدى الطويل إلى حلول مستديمة للتحرك نحو تحقيق الهدف الدولي بتخفيض عدد الأشخاص الجياع إلى النصف. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن عدد الجياع في العالم يبلغ حالياً أكثر من 850 مليون نسمة، يعيش 820 مليونا منهم في الدول النامية. وكانت محطة تلفزيون سي إن إن قد عرضت في الثمانينات من القرن الماضي صورا لملايين الأطفال والبالغين المتضورين جوعا في إثيوبيا، مظهرة للعالم الغربي شكل الجوع في الدول النامية. وتدفقت المعونة والمساعدات على ذلك البلد. إلا أننا أصبحنا الآن معتادين إلى حد ما على ظاهرة الجوع إذ أصبح كل عام يجلب معه الصور المألوفة جداً للمجاعات والفيضانات وغيرها من الكوارث أو صور الفقر المدقع. تأثير الجوع سوء تغذية البروتين-الطاقة -- PEM (استهلاك كميات غير كافية من البروتين وسعرات الطاقة) -- هو السبب الرئيسي لوفاة الأطفال في الدول النامية. نقص المغذيات الدقيقة (الافتقار إلى "مغذيات دقيقة" أساسية كالحديد واليود وفيتامين د) مساهم رئيسي في وفيات الأطفال وإعاقة النمو والتطور والقدرة على التعلم بين ملايين الأطفال. ويبدو وجود قرابة بليون (أي ألف مليون) شخص جائع في العالم في هذه الأيام رغم المكاسب التي تحققت في الإنتاج الزراعي، شيئا لا يمكن تصوره. وقد حددت القمة العالمية للغذاء في العام 1966، إدراكا منها لحجم هذه المشكلة الهائل، هدفاً لنفسها هو تقليص عدد الجياع في العالم إلى النصف بحلول العام 2015، وتمت إعادة تأكيد ذلك في أهداف الأممالمتحدة التنموية للألفية. إلا أنه أصبح من الواضح، بعد انقضاء نصف الفترة المؤدية إلى العام 2015، أنه لن يتم تحقيق هذا الهدف، وقد ارتفع العدد المقدّر للأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية من 798 مليونا في العام 2000 إلى حوالي 852 مليونا في هذه الأيام. ما هو الجوع؟ الجوع ظاهرة مرتبطة بانعدام الأمن الغذائي. وقد عرف بيان القمة العالمية للغذاء للعام 1996 الأمن الغذائي على أنه وضع "يوجد عندما يحصل جميع الناس، وفي كل الأوقات، على ما يكفي من الغذاء المأمون والمغذي لسد احتياجاتهم الغذائية وأغذيتهم المفضلة لممارسة حياة نشيطة وصحية." وينجم الجوع عندما يفتقر الأفراد والأسر إلى الأمن الغذائي لفترة من الزمن. ويؤثر الجوع في نمو جسم الإنسان وتأديته لوظائفه بالشكل الطبيعي ويسهم في عبء الأمراض العالمي من خلال تخفيض قدرة الجسم على مقاومة الالتهابات. وتنتج الوفاة في الحالات بالغة الشدة إما نتيجة المجاعة الناشئة عن جوع طويل الأمد أو نتيجة الوقوع في براثن الأمراض المعدية. ويضعف الجوع الناس جسديا. ولما كان الجوع المستمر والمزمن يحدّ من قدرة الجسم على استخدام الطاقة لممارسة النشاطات، فإن من يعانون من سوء التغذية يواجهون صعوبة في الأداء في المدرسة وفي العثور على وفي العيش كأشخاص منتجين. وقد ينظر أرباب العمل والمعلمون إلى الأشخاص الجياع كأشخاص بطيئين وكسالى، في حين أنهم يعانون في حقيقة الأمر من الخمول، وهو رد فعل الجسم على الحرمان طويل الأمد من السعرات الحرارية والتغذية. وهكذا فإن الجوع يوقع الأفراد والأسر في حلقة مفرغة من الحالة الصحية السيئة والقدرة المتضائلة على التعلم والعمل، مما يسبب الفقر والموت ويسهم في انتشارهما على نطاق واسع. وتمتد رقعة هذا التأثير الضار بحيث تشمل المجتمعات والاقتصاديات. ويقوض الجوع المنتشر على نطاق واسع قدرة الدول على النمو. وتؤثر التغذية المحسنة على النمو الاقتصادي بشكل مباشر عن طريق تحسين إنتاجية العمال. وقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في الدول النامية على مدى 30 عاما أنه إذا زادت الدول التي تعاني من معدلات عالية من سوء التغذية كمية ما يتم تناوله من طعام إلى مستوى ملائم، فإن إنتاجها الاقتصادي، أو ناتجها المحلي الإجمالي سيزداد بنسبة 45 بالمئة. وتوصل فريق عمل معني بالجوع تابع للأمم المتحدة إلى أنه يمكن أن يسبب تقلص إنتاجية العمال نتيجة الجوع تقلصاً يتراوح بين ستة وعشرة بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي الفردي. ما هو سبب استمرار وجود الجوع؟ إن الجوع مسألة معقدة، وتحتاج معالجتها بصورة ملائمة إلى الارتكاز إلى فهم سبب وجوده في المقام الأول، بمعزل عن التأويلات الخاطئة والاعتقادات المغلوطة التي لا ترتكز إلى أي أساس من الصحة. الجوع المزمن والمؤقت يحدث الجوع المزمن عندما لا يتمكن الناس من الحصول على ما يكفي من الغذاء لفترة طويلة بسبب الفقر المستمر. ويعاني حوالي 95 بالمئة من الجياع البالغ عددهم 820 مليونا في العالم النامي من الجوع المزمن. أما الجوع المؤقت فهو حالة عابرة تنتج عن أحداث كالكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، أو على مستوى أصغر عن البطالة أو المرض أو وفاة في الأسرة. وهناك في أي وقت من الأوقات، عشرات الملايين من الأشخاص المعرضين لخطر الجوع المؤقت. الاعتقاد الخاطئ رقم 1: يقاسي الناس من الجوع بسبب عدم إنتاج ما يكفي من الغذاء – الأمر يتعلق بالإمدادات. الحقيقة: لقد حافظت إمدادات الغذاء العالمية حتى الآن على معدل نمو يجاري معدل نمو سكان العالم، متحدية سيناريوهات مالثوس المتعلقة بنهاية العالم نتيجة الانفجار السكاني أي نمو السكان بسرعة تزيد عن سرعة نمو إنتاج الغذاء. إلا أن هناك في نفس الوقت مناطق كثيرة في العالم، تعجز بصورة مستمرة عن سد احتياجات سكانها إلى الطعام من خلال الإنتاج المحلي وحده. والنقص الموسمي وفشل المحاصيل بين فترة وأخرى مألوفان جدا وليسا بالضرورة مدعاة للقلق. وعندما يكون الموسم الزراعي ضعيفاً في منطقة تتمتع بأسواق واسعة تعمل بصورة ملائمة، تتدفق عادة إمدادات السلع الغذائية من المخزون أو من مناطق تتمتع بفائض في المواد الغذائية إلى السوق استجابة لارتفاع الأسعار، مما يخفف النقص في المواد الغذائية المحلية. ولا تحدث مشاكل مستمرة في مجال توفر الغذاء عادة إلا إذا كانت الأسواق غير جيدة أو فشلت في أداء وظائفها بصورة ملائمة. ولم تعد المجاعات الناتجة عن النقص المتواصل في المواد الغذائية حدثا مألوفا في أجزاء كثيرة من العالم خلال المائة والخمسين سنة الماضية. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التحسينات في بنية قطاع النقل التحتية، وتوسيع الأسواق، ونمو التجارة المحلية والدولية المطرد. ومع ذلك، ما زالت هناك أماكن وأوقات يمكن أن يشكل فيها توفر الغذاء مشكلة خطيرة. فهناك أجزاء من العالم – بما في ذلك مناطق عديدة معزولة في أعماق القارة الإفريقية – ما زالت العقبات الموجودة فيها أمام التجارة من الضخامة بحيث تفشل الأسعار متزايدة الارتفاع في تحقيق تدفق كميات كافية من المنتجات عندما تكون هناك حاجة إليها. ويمكن أن يكون خطر تسبب فشل الموسم الزراعي في مجاعات في هذه الأماكن كبيرا. وفي حالات كثيرة جدا يحدث الجوع في أماكن يوجد فيها حتى فائض في المواد الغذائية إلا أن فيها مجموعات اقتصادية اجتماعية معينة تقاسي من مصاعب شاقة. وتشير عبارة "الحصول على الغذاء" إلى قدرة الأسرة، ككيان قائم بذاته، على الحصول على ما يكفي من الغذاء لسد احتياجاتها الأساسية. وتحصل الأسر على الغذاء عن طريق مزيج من الإنتاج والشراء والتوفر الاجتماعي غير التجاري (من الأسرة أو الأصدقاء أو شكل ما من أشكال الرعاية الاجتماعية). وتواجه الأسر الفقيرة الجوع عندما لا يكون إنتاجها الغذائي أو مدخراتها أو دخلها أو ممتلكاتها كافية لسد احتياجاتها الغذائية. وبين الظروف التي يحتمل أن تسهم في تعقيد مشاكل الحصول على الغذاء على خسارة الموارد الإنتاجية،وتراجع الأجور،والتغيرات في أسعار السلع التي تضعف القوة الشرائية لدى الفقراء، وتركز تحليلات "الحصول على الغذاء" الانتباه على القدرة الإنتاجية والقوة الشرائية التي تملكها الأسر الفقيرة. كما أنها تسلط الضوء على العلاقة بين الأنماط المتغيرة للتباين في الدخل وتوزع الفقر. وهناك وجه آخر حاسم للجوع هو "الاستخدام"، أي كيف يتم استخدام الغذاء نفسه بيولوجيا. هل يوفر الغذاء طاقة كافية ومغذيات أخرى كافية؟ وهل تتوفر المياه الصالحة للشرب، وهل هناك أوضاع صحية ملائمة لمنع حدوث المرض ولتمكين الجسم من امتصاص الطاقة والمغذيات الموجودة في الغذاء؟ وأخيرا، ما هي معرفة ومواقف وممارسات الأشخاص الذين يستهلكون الغذاء؟ يفتقر بعض أعضاء الأسر للقدرة على الحصول على حصة كافية من موارد الأسرة بسبب الجنس أو العمر أو بعض العوامل الأخرى المحددة ثقافيا، مما يؤدي إلى ازدياد الجوع. وأخيرا، يلعب "التعرض للخطر" دورا مهما. والتعرض هو احتمال أن يتعرض أمن الأسرة الغذائي لكارثة رئيسية، أو للآثار المتراكمة لسلسلة من الصدمات الصغيرة لسبل عيش شخص أو أسرة. ويتوقف مستوى التعرض على احتمال وقوع هذه الأحداث وعلى قدرة الأسر على التعامل معها – قدرتها على التحمل والصمود والتكيف. ومن الضروري أن تملك الأسر القدرة على مواجهة الكوارث والتعافي منها للمحافظة على أمنها الغذائي. الاختلافات الإقليمية في مستويات واتجاهات الجوع في حين أن العدد الإجمالي للأشخاص الجياع في العالم قد ازداد، فإن وضع بعض المناطق أفضل من وضع غيرها: تحقق تقدم كبير في أميركا اللاتينية وشرق آسيا وفي أجزاء واسعة من جنوب آسيا – وهي مناطق حققت نموا اقتصاديا كليا مستداما. وحدثت انتكاسات كبيرة في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، وخاصة في الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء. أصبح الجوع في الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء أكثر انتشاراً وأكثر ترسخاً، وأصبح ثلث السكان يعاني من الجوع المزمن. ويأتي معظم الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية من مزارع صغيرة وأسر لا تملك أرضا وتعيش في مناطق ريفية وتعمل في رقع صغيرة من الأرض النائية الهامشية. الاعتقاد الخاطئ رقم 2: يحتاج الأشخاص الجياع إلى الغذاء لذا فإن المعونات الغذائية هي الحل. الحقيقة: معونة الغذاء ليست هي الحل الشامل أو طويل الأمد. ولقد استجاب الشعب الأميركي بسخاء على مدى أكثر من 50 عاما لاحتياجات الأشخاص الجياع حول العالم وبشكل رئيسي عن طريق برنامج يعرف بالقانون العام 480 – الغذاء من أجل السلام. ويوفر هذا البرنامج المعونة الغذائية بوصفها مصدر المساعدة الرئيسي للاستجابة لأزمات الغذاء الطارئة والجوع المزمن على حد سواء. ولا جدل في أن هذه المساعدة، بشكلها الحالي، أنقذت أرواح الملايين. إلا أن الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية تعلمنا أنه لا يمكن حل مشكلة الجوع في العالم بطريقة بشكل مستديم عن طريق توفير المساعدات الغذائية وحدها. فهناك بعض أوجه القصور والعيوب في السياسات والبرامج الحالية. أولا، يستخدم 70 إلى 75 بالمائة من معونة الغذاء في معظم السنين لمعالجة الجوع المؤقت الناجم عن حالات طوارئ وأزمات إنسانية. ومع أن المساعدات الغذائية الطارئة بالغة الأهمية في أوقات الأزمات، إلا أنها لا تعالج أسباب الجوع المزمن الجذرية ولا تخفض احتمال ظهور احتياجات طارئة في المستقبل. ثانيا، تحتاج معالجة الجوع المزمن، على نقيض الاحتياجات الطارئة، إلى مساعدة مستديمة طويلة الأمد، وهو أمر يصعب توفيره ضمن البرامج والسياسات الحالية. فللبرامج الحالية أهداف سياسية متعددة وأطر زمنية قصيرة، مما يحول في كثير من الأحيان دون استخدام بعض أكثر الأساليب ملاءمة وأكثرها جدوى اقتصادية ولا تصل المعونة في أحيان كثيرة إلى أكثر الناس حاجة إليها. فعلى سبيل المثال، لا تصل البرامج الزراعية التي تستهدف زيادة الإنتاجية والدخل في المناطق الريفية في كثير من الأحيان إلى أكثر الأسر احتياجاً وتعرضاً للخطر، وهي الأسر التي تميل لأن تكون أسرا تملك قطعاً صغيرة من الأرض أو يعمل عائلها كعامل مياومة. كما أن معظم التدخلات مجزأة وتقوم بها وكالات عديدة مختلفة كل منها على حدة بمعزل عن الوكالات الأخرى، ولكل منها خطوط تمويل وأطر زمنية ومتطلبات إبلاغ مختلفة. ومثل هذه التجزئة تبعثر الفاعلية الإجمالية لهذه البرامج. التحديات الناشئة وتوقعات المستقبل بالرغم من توفر إمدادات الغذاء العالمية الملائمة فإن هناك تحديات ناشئة لاستمرار توفرها بالشكل الملائم. ويقول الخبراء إن اعتماد الثورة الخضراء على العناصر التكنولوجية والكيماوية قد أدى إلى ازدياد تعرية التربة وتلوث المياه الجوفية والسطحية، وسبّب مشاكل صحية عامة وبيئية خطيرة، مما وضع استدامة الثورة الخضراء موضع شك. كما أن هناك عدة دول نامية بدأت تعاني من تأثير ظاهرة تغير المناخ، ومن المتوقع أن يكون للتغيرات في أنماط الأحوال الجوية وتقلص هطول المطر وتدفق الأنهار والتصحر المتزايد أثر كبير على إنتاج الغذاء. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أيضا أن يهدد الطلب المتزايد على محاصيل المواد الغذائية لإنتاج أنواع الوقود الحيوية، أمن الغذاء العالمي عن طريق زيادة أسعار الحبوب وإضعاف القوة الشرائية لدى الأسر الفقيرة. وإذا ما تحققت التن╚ؤات المتعلقة بتغير المناخ وازدياد استخدام المحاصيل للوقود الحيوي، فمن المرجح أن تحدث زيادة كبيرة في حالات الجوع المزمن. طريقة أفضل تعتقد الكثير من المنظمات العاملة في منح المساعدات الغذائية بأن الوقت قد حان لإعادة صياغة الأساليب المعتادة في مواجهة الجوع بحيث تتم معالجة الجوع المزمن بشكل كامل وذي معنى. وسيستلزم تقليص الجوع المزمن برامج تستهدف الأشخاص الضعفاء المعرضين للخطر الذين يعانون من فقر مدقع وتقدم الدعم قبل ظهور حالات الطوارئ. ويتعين أن تعتمد البرامج أساليب لا تعالج احتياجات الجياع الأساسية فقط، وإنما تركز أيضا على الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية الأساسية المسببة للجوع. وتتطلب معالجة أسباب الجوع بذل مجهود ضخم ومستديم يفوق قدرة أي دولة واحدة بمفردها أو أي جهة مانحة واحدة. ويتعين على الوكالات المانحة التنسيق مع الحكومات الوطنية ودعمها في وضع وتغطية كلفة السياسات الوطنية والاستراتيجيات والخطط بشكل مناسب بدلا من متابعة مشاريع فردية. ويجب وضع استراتيجيات مدمجة متعددة السنوات وتخصيص اعتمادات لعدة سنوات لا تخضع لفرض حدود سنوية. فمعالجة تعقيدات الجوع تتطلب التزامات مالية أكيدة وطويلة الأمد. والأهم من كل ذلك هو أن الممارسين يحتاجون إلى المرونة في البرمجة لاختيار أفضل أسلوب ملائم وذي جدوى اقتصادية لأي وضع يتعلق بأمن الغذاء. وهذا يعني التمتع بحرية معالجة الأسباب الأساسية للفقر. ولمعالجة هذه الأسباب، سيكون من الضروري أن تستثمر البرامج في التعليم والصحة ودعم سبل العيش وحماية الممتلكات. كما يعني استخدام البرامج، حيث يكون ذلك ملائما ومستندا إلى تحليلات سليمة، للموارد كالمساعدات الغذائية المستوردة، أو الطعام المشترى محليا أو إقليميا، و/أو خيارات منح نقدي (قسائم وإيصالات، وطوابع لشراء الغذاء، ونقد مقابل العمل) كجزء من استجابة أوسع. وهناك حاجة لدمج هذه العوامل كجزء من خطة للتوصل إلى تقليص مطرد ومتواصل لعدد الأشخاص الذين يعيشون في أزمة أو يتعرضون لخطر كبير، وإلى زيادة أعداد الأشخاص الذين يحصلون بشكل آمن ومستديم على احتياجاتهم من الغذاء والتغذية. وعندئذ فقط سنتمكن من بدء المسيرة البطيئة والطويلة نحو القضاء على الجوع وأسبابه لضمان عدم ذهاب أي طفل إلى فراشه جائعا. 2- هل القضاء على جوع وسوء تغذية أكثر من 800 مليون شخص حول العالم هدف ممكن التحقيق؟ يعاني أكثر من 800 مليون شخص حول العالم من الجوع وسوء التغذية القضاء على الجوع وسوء التغذية هدف ممكن التحقيق، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا اتخذت الحكومات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء القرارات السياسية الصائبة. فما من هدف عالمي أهم من القضاء على الجوع. ويعاني أكثر من 800 مليون شخص حول العالم من الجوع وسوء التغذية. ويشكل الأطفال نسبة مئوية عالية من هؤلاء الجياع. ويشكل سوء التغذية لدى الأطفال مأساة من نوع خاص. إذ يمكن أن يؤذي الدماغ بشكل يحول بصورة دائمة دون تمكن الفرد من تحقيق جميع إمكانياته. ويعد الأمن الغذائي حاجة أساسية جدا بحيث لا يمكن لا للأسر ولا للدول أن تعالج بفاعلية التحديات الأخرى حين لا يتوفر لديها ما يكفي من الطعام. ولا بد من التغلب على الجوع وسوء التغذية لكي يتحقق تقدم دائم في معالجة مشاكل التعليم والصحة والبيئة. ويمكن للقضاء على الجوع أن يكون أحد أكثر التحديات الملحة التي تواجه العالم اليوم قبولاً للتحقيق. فليس هناك نقص عالمي في الغذاء. وليست القدرة على مواصلة إنتاج كميات كافية من الغذاء لتلبية حاجة سكان العالم موضع شك. بل ينتج الجوع عن مشاكل تتعلق بالسياسة. وتجرد الحروب والنزاعات الأهلية النساء والأطفال الضعفاء المستضعفين من القدرة على الحصول على الغذاء. وتكون مساعدات الطوارئ الغذائية أحيانا ضئيلة جدا أو بطيئة جدا أو غير فعالة إلى حد يجعلها عاجزة عن تلبية هذه الاحتياجات. ولم يكن العلم والتكنولوجيا متوفرين دائما لتلبية الاحتياجات الزراعية الخاصة بالدول النامية. ولم يقدم المانحون الدوليون أحياناً تمويلاً كافياً لجهود مساعدة الدول النامية على زيادة إنتاجها الزراعي وتعزيز التنمية الريفية. وتجنبت الدول النامية أحيانا استخدام تكنولوجيات قيّمة جديدة، كالتكنولوجيا الحيوية، مستخدمة بأمان وفاعلية في الدول المتقدمة. ومع أن النظام التجاري يمكن، بل ويجب، أن يساعد الناس على تلبية احتياجات الغذاء العالمية بأقل تكلفة وأقل أثر بيئي، فإن السياسات التجارية والزراعية الخاطئة، في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، أضعفت أحيانا قدرة النظام التجاري على العمل. فعلى سبيل المثال، تتمسك أوروبا والولاياتالمتحدة بالدعم المالي الحكومي الرسمي المشوه للتجارة والذي يلحق الضرر بالمزارعين في الدول النامية. وقد استخدمت الدول المستوردة للغذاء في أحيان مفرطة الكثرة الحواجز التجارية لتوفير أفضلية غير منصفة وغير فعالة للإنتاج المحلي. إن القضاء على الجوع وسوء التغذية هدف قابل للتحقيق، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا اتخذت الحكومات القرارات السياسة الصائبة. وسيتطلب القضاء على الجوع إرادة سياسية قوية وتعاوناً وثيقاً وخطة واضحة وجهوداً مستدامة. وفيما يلي بعض العناصر الأساسية لمثل هذه الخطة: 1- توفير معونة غذائية أكبر وأسرع: عندما تترك النزاعات الدولية والمحلية الناس في ظروف لا يستطيعون فيها تحمل ثمن الطعام الذي يحتاجونه أو التمكن من الوصول إليه، يتعين على المانحين الدوليين أن ينشطوا بشكل أسرع وأكثر سخاء. وقد نشط، من خلال العمل تحت قيادة برنامج الغذاء العالمي، مانحون ثنائيون مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ويحتاج المانحون الآخرون إلى أن يدركوا أن المساعدات الغذائية شيء لا غنى عنه. ويتعين على جميع المانحين التصرف بسرعة أكبر استجابة لحالات الطوارئ الغذائية، مستخدمين أنظمة الإنذار المبكر. 2- توفير مساعدات غذائية بشكل أكثر فعالية: يتعين جعل المعونات الغذائية أكثر فعالية. ففي بعض الحالات يكون النقل المباشر للغذاء من الدول المصدّرة التقليدية كالولاياتالمتحدة أقل فعالية من شراء الغذاء محليا أو من المنطقة التي يقع فيها النقص في الغذاء. وفيما يعكف الكونغرس الأميركي على تداول إعادة صياغة مشروع قانون سياسة المزارع متعدد السنوات، تحث جماعات مثل "الخبز للعالم" على تبني إصلاحات لجعل المعونات الغذائية الأميركية أكثر فعالية. 3- مساعدة الدول الفقيرة على زراعة المزيد من الغذاء: بوسع الولاياتالمتحدة والمانحين الآخرين القيام بالمزيد لمساعدة الدول النامية على زيادة إنتاجيتها الزراعية. وقد بدأت الولاياتالمتحدة بالقيام بذلك خلال السنوات الست الماضية. ويتعين على البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية أن تعزز برامجها المعنية بدعم الزراعة. وقد أظهر روبرت زوليك، الرئيس الحالي للبنك الدولي، اهتماما بالقضايا الزراعية الإفريقية. وأرجو أن يعمل على إعادة البنك الدولي إلى مركزه القيادي في مجال زيادة الإنتاجية الزراعية في الدول النامية. 4- استخدام المعونات الغذائية لدعم التنمية الزراعية في الدول النامية: يجب أن تكون المعونات الغذائية الدولية استجابة قصيرة الأمد، وليست تمكينا للاعتماد أو الاتكال طويل الأمد. وتدعم الولاياتالمتحدة، بالتعاون مع منظمات غير حكومية، الدول التي تحاول استخدام المساعدات الغذائية للتعجيل في زيادة قدرتها الإنتاجية الزراعية. وتعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الزراعة الأميركية في بوركينا فاسو مع مجموعة تعرف باسم الفرق الطبية للشمال الغربي لدعم مجموعات المزارعين الذين يتشاركون في المعدات الزراعية وحفر الآبار. وقد ُأطلقت مشاريع ناجحة مماثلة في السنغال وكينيا وإريتريا. 5- جعل الزراعة والتغذية أولويتين وطنيتين: مع أن المساعدات ضرورة لا غنى عنها، إلا أنه يتعين على الدول التي تعاني من الجوع أن تتصدر هي نفسها أمر جعل الزراعة والتغذية أولويتين وطنيتين. وقد أظهرت الصين والهند، أكثر دول العالم سكاناً، ما يمكن القيام به في هذا المجال. ففي الصين، استهلت الحكومة إصلاحات رئيسية منحت المزارعين مزيدا من الحرية في اختيار ما يزرعونه. وفي الهند، أطلقت الحكومة مشاريع توزيع بذور لمساعدة المزارعين ومشاريع توزيع حليب لمساعدة المستهلكين. وبدأت كل من الدولتين تسخير قدرتها العلمية لمعالجة قضيتي الجوع والتغذية. وحصل صناع السياسة والعلماء من الصين والهند على جائزة الغذاء العالمية المرموقة. وعلى العكس من هذين المثالين الإيجابيين، حولت القيادة السيئة جداً في زمبابوي هذا البلد الزراعي الخصب إلى بلد جائع. وفي كوريا الشمالية، أوجدت أهداف النظام السيئة وسيطرته السياسية الخرقاء على توزيع الغذاء حالة جوع وضيق شديدين، بالرغم من استمرار تلقي البلد مساعدات غذائية سخية منذ عدة سنوات. 6- نشر قوة التكنولوجيا: في الولاياتالمتحدة، كان مواطنوها محظوظين لأنهم استفادوا من أوجه التقدم المستدام في تكنولوجيا الغذاء. ولم تؤد بعض أوجه التقدم، وخاصة في التكنولوجيا الحيوية، على زيادة الإنتاجية فحسب، بل يمكنها أيضا إنتاج أنواع من النباتات أكثر مقاومة للجفاف، وتحتوي على قيمة غذائية أكبر، وتتطلب قدرا أقل من المواد الكيماوية، كما أنها أكثر مقاومة للآفات الزراعية. ويمكن، من خلال برنامج دولي منسق، يضم كلا القطاعين العام والخاص، تسخير قوة التكنولوجيا الحيوية بحيث تعود بالفائدة على المزارعين والمستهلكين في الدول النامية. ومما يشجع أن مؤسسة بيل وميلندا غيتس ومؤسسة روكفيلر قررتا العمل معاً على معالجة موضوع الزراعة. ويمكننا، من خلال توفر مساعدات دولية أقوى، توقع مبادرات حتى أكثر أهمية من باحثين مثل مونتي جونز من سيراليون، الذي قام بتحسين تقنيات زراعة الرز في غرب إفريقيا. 7- تسخير قوة التجارة: يجب أن يكون النظام التجاري أداة في عملية القضاء على الجوع. ويتعين على المناطق التجارية الغنية كأوروبا والولاياتالمتحدة أن تقطع الدعم الحكومي الرسمي المحلي الزراعي المشوه للتجارة والذي يُفقر المزارعين في الدول النامية. ويتعين على الدول الغنية بما فيها اليابان أن تخفض الحواجز التجارية الصارمة ضد صادرات الدول النامية لكي يمكن تعزيز قدرات هذه الدول على إنتاج المواد الغذائية. وفي الوقت نفسه، كانت دول نامية عديدة بطيئة جدا في إدراك كون الحواجز التجارية ضد واردات الغذاء ترفع أسعار المواد الغذائية التي تحتاجها شعوبها وتديم انعدام الكفاءة في أنظمتها الخاصة بتوفير المواد الغذائية. وفي حين أنه قد يكون من المناسب توفير فترات تكيف، إلا أن تقليص الحواجز التي تضعها الدول النامية أمام الواردات الغذائية يشكل جزءا أساسيا من حل مشكلة الجوع في العالم. 8- جعل القضاء على الجوع أولوية سياسية قصوى: نواجه نقصا في معركتنا ضد الجوع العالمي. ليس نقصاً في الطعام. وإنما نقص في الإرادة السياسية. إن ثمانمئة مليون شخص، كثيرون منهم من النساء والأطفال، يعولون علينا. 3 - التكنولوجيا الحيوية الزراعية تقدّم أحد أكثر الأساليب الواعدة لإطعام جياع العالم مع تقدير الأممالمتحدة بأن عدد سكان العالم سيصل إلى حوالي 10 مليارات نسمة بحلول العام 2050، تشير التقديرات إلى أنه سيكون على المزارعين أن ينتجوا ضعفي كمية الغذاء التي يزرعونها في هذه الأيام. وسيكون الأثر كبيراً بشكل خاص في الدول التي تشهد أضخم زيادة في عدد السكان وأكثر انتشار في سوء التغذية. وستكون هناك حاجة لأدوات وموارد زراعية كثيرة لتلبية هذه الحاجات. وبالنظر لمساحة الأرض المحدودة المتوفرة للزراعة، وقدرة التقنيات الحالية المحدودة على إنتاج المزروعات في المناطق الجافة والتي تنتشر فيها الآفات الزراعية والمياه المالحة، فإن التكنولوجيا الحيوية الزراعية تقدّم أحد أكثر الأساليب الواعدة. ومن الأمثلة على ذلك الدور المحتمل للتكنولوجيا الحيوية في معالجة النقص في فيتامين أ. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يتراوح بين 140 مليونا و250 مليونا من الأطفال الذين يعيش معظمهم في الدول النامية، يعانون من أعراض خطيرة نتيجة افتقارهم إلى فيتامين أ، وهو المسبب الرئيسي للعمى الممكن تجنبه وغيره من الأمراض. وقد يساعد "الأرز الذهبي" المقوى بالفيتامين وزيوت الطبخ المشتقة باستخدام التكنولوجيا الحيوية في التغلب على هذا التحدي. وتستهدف وسائل مشابهة النقص الغذائي في الحديد والزنك وغيرها من المواد المغذية الأساسية. وقد طرح أول طعام اعتمدت في إنتاجه التكنولوجيا الحيوية في الأسواق في العام 1994، وكان نوعاً من الطماطم المحسن النضوج. ووصلت الذرة المحمية من الحشرات إلى الأسواق في العام 1996، وتلتها محاصيل الذرة والقطن وفول الصويا المقاومة للآفات والمتحملة لمبيدات الأعشاب. ومع أن أول دول تبنت هذه التكنولوجيا كانت دولا متقدمة، بما فيها الولاياتالمتحدة وكندا والأرجنتين، فإن المحاصيل المعدلة بالتكنولوجيا الحيوية تزرع الآن في 22 دولة حول العالم من قبل أكثر من 10.3 مليون مزارع، بينهم 9.3 مليونا من المزارعين الصغار الذين يعيشون في دول نامية. وتشكل الذرة والقطن وفول الصويا الجزء الأكبر من المحاصيل التي تنتج حاليا باستخدام التكنولوجيا الحيوية، إلا أن هناك محاصيل أخرى محسنة باستخدام التكنولوجيا الحيوية، بينها الببايا والقرع المقاومان للآفات الزراعية والذرة وفول الصويا والكانولا التي عززت قيمتها الغذائية. وزادت المحاصيل المزروعة باستخدام التكنولوجيا الحيوية دخل المزارعين بحوالي 27 بليون (أو مليار) دولار بين العامين 1996 و2005، ذهب 13 بليون دولار منها للمزارعين في الدول النامية. ومع ذلك فقد ولد كل هذا التقدم اختلافات في الرأي، بل وأدى إلى الخلاف والجدل. ومع أن المعلومات المتوفرة تظهر أن معظم المستهلكين الأميركيين يشعرون بأنهم يفتقرون إلى المعلومات الكافية لتكوين رأي عن استخدام التكنولوجيا الحيوية في إنتاج الطعام، إلا أن المواقف الإيجابية بين أولئك الذين يعبرون عن آرائهم تبلغ ضعفي المواقف المعبرة عن القلق. وفي مسح أجراه مجلس إعلام الغذاء العالمي في العام 2006 أشار حوالي 75 بالمائة من المستهلكين الأميركيين الذين استطلعت آراؤهم إلى أنهم واثقون، إلى حد ما على الأقل، بمأمونية طعامهم. وفي المقابل، كانت نظرة المستهلكين تقليدياً في أوروبا أكثر سلبية، ويرجح أن ذلك نجم عن عدد من الأزمات المتعلقة بسلامة الغذاء والتي لم يكن لها أي علاقة على الإطلاق بالتكنولوجيا الحيوية للغذاء. ومع ذلك، يبدو أن تقبل المستهلكين قد بدأ يتزايد وإن يكن ببطء في أوروبا؛ فقد أعرب المستهلكون الذين استطلعت آراؤهم من قبل "يوروباروميتر" (Eurobarometer) في العام 2005 عن رأي متزايد الإيجابية بشأن التطورات الطبية والدوائية في التكنولوجيا الحيوية وعن رأي إيجابي باعتدال حول التكنولوجيا ككل. وكما هو الحال بالنسبة للعديد من التطورات الرئيسية في العلوم، فقد تتحول الشكوك الأولية إلى قبول وتفاؤل مع ازدياد المعرفة والفهم. وتقابل التكنولوجيا الحيوية الزراعية حالياً بقبول متزايد في الدول في مختلف أنحاء العالم، مما يساعد المزارعين ومنتجي المواد الغذائية على مواجهة تحدي إنتاج ما يكفي من الطعام لتلبية احتياجات السكان المتزايدين في القرن الواحد والعشرين وما بعد ذلك. 4 - "الثورة الخضراء" ومعركة الإنسان ضد الجوع والحرمان والأمراض البيئية قد تصبح أسرع من الجوع في التأدية إلى انحطاط البشر استخدمت عبارة "الثورة الخضراء" في الصحافة الشعبية لوصف الزيادة المدهشة في إنتاج الحبوب- الغلال خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ولعل استخدام عبارة "الثورة الخضراء"، كما هو مستعمل عادة، سابق لأوانه ومتفائل جدا أو واسع جدا في مداه. وكثيرا ما يبدو أن العبارة تنقل انطباعا بوجود ثورة عامة في ما يغله كل هكتار وفي مجمل إنتاج جميع الغلال في مناطق شاسعة تشمل الكثير من الدول. كما أنها تدل ضمنا أحيانا على أن جميع المزارعين استفادوا بالقدر نفسه من التقدم الكبير الذي تحقق في الإنتاج. إن هذه المعاني المحملة للتعبير تبالغ في تبسيط الحقائق وتشوهها في الوقت نفسه. فالحبوب الوحيدة التي تأثرت بشكل ملحوظ حتى الوقت الحاضر هي القمح والأرز (أو الرز) والذرة. أما ما تغله حبوب مهمة أخرى كالسرغوم والدخن والشعير فلم يتأثر إلا بشكل طفيف؛ ولم تحدث أي زيادة ملحوظة في غلة أو إنتاجية حبوب القطاني (كالفول والحمص والعدس) التي تعدّ أساسية في النظام الغذائي الذي يعتمده مستهلكو الحبوب. كما يجب التأكيد على أن الزيادة الكبيرة في الإنتاج تحققت حتى الآن في المناطق المروية. كما أن مزارعي الحبوب في المناطق المروية لم يتبنوا جميعهم استخدام البذور الجديدة والتكنولوجيا الجديدة فلم يستفيدوا جميعاً منها. ومع ذلك، فإن عدد المزارعين، في المزارع الصغيرة والكبيرة على حد سواء، الآخذين في تبني البذور الجديدة والتكنولوجيا الجديدة يتزايد باستمرار، وقد كانت الزيادة هائلة في السنوات الثلاث الماضية. أما إنتاج الحبوب في المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار فما زال غير متأثر نسبياً بالثورة الخضراء، إلا أن هناك تغيراً وتقدماً لا يستهان بهما بدأا يتضحان حالياً في عدة دول. ... لقد حققت الثورة الخضراء نجاحا مؤقتا في معركة الإنسان ضد الجوع والحرمان؛ ومنحت الإنسان متنفسا. ويمكن للثورة الخضراء، في حال تطبيقها بشكل تام، أن توفر كمية كافية من الطعام لتغذية الناس خلال العقود الثلاثة القادمة ... ولقد أشار مالثوس إلى الخطر قبل قرن ونصف القرن. ولكنه أكد بشكل أساسي على الخطر الناجم عن ازدياد عدد سكان العالم بسرعة تفوق سرعة ازدياد الموارد الغذائية. ولم يكن بمقدوره في عصره أن يتكهن بالزيادة الهائلة في قدرة الإنسان على إنتاج الطعام. كما أنه ما كان بإمكانه توقع العواقب الجسدية والعقلية الهدامة الناجمة عن تركز البشر بكثافة كبيرة في البيئة السامة كثيرة الضجيج في المدن الضخمة جداً... هل يستطيع البشر تحمل الإجهاد والتوتر؟ إن الإجهاد والتوتر غير الطبيعيين يميلان إلى إبراز غرائز الإنسان الحيوانية ويدفعان الأفراد الأقل استقراراً نفسياً بين السكان إلى ارتكاب تصرفات لا عقلانية تمزق المجتمع. يجب أن ندرك حقيقة أن وجود طعام كاف ما هو سوى أول الشروط الضرورية للحياة. ويتعين علينا لتحقيق حياة شريفة وإنسانية أن نوفر أيضاً فرصة للحصول على التعليم الجيد، والعمالة التي تدر مكافأة مالية جيدة، والسكن المريح، والملبس الجيد، والرعاية الطبية الفعالة الرؤوفة. وما لم نتمكن من تحقيق ذلك، فإن الأمراض البيئية قد تصبح أسرع من الجوع في التأدية إلى انحطاط البشر.ومع ذلك فإننا متفائلين بالنسبة لمستقبل الجنس البشري. 5 - من هي الجهات المشاركة والمتحكمة في توزيع المساعدات الغذائية؟ توفر الولاياتالمتحدة أكثر من نصف مجمل المعونات الغذائية في العالم. وتشكل عملية نقل هذه المعونات الغذائية من المزارع الأميركية إلى العالم النامي أحياناً مهمة مثيرة للجدل مرعبة في صعوبتها. ويتطلب إنجاز هذه الرحلة المعقدة من الحقول إلى مراكز الإطعام عددا من اللاعبين المختلفين، بينهم الهيئات الدولية، والمجالس التشريعية الوطنية، وصناعة الزراعة، وجماعات الضغط (اللوبي) التي تمثلها، والمنظمات غير الحكومية، وجماعات الدعم. وليس هناك سوى منظمات رئيسية قليلة تقدم التوجيهات والإرشادات الخاصة بالعملية. فمن هي الجهات المشاركة وما هي القوانين والمبادرات التي تحكم كيفية توزيع الغذاء؟ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تدير برنامج الغذاء من أجل السلام، هي الوكالة الحكومية الأميركية الرئيسية التي تقدم المساعدات الغذائية الإنسانية للدول النامية. وقد سجل برنامجها مرور خمسين عاماً على إنشائه في العام 2004. وكان برنامج الغذاء من أجل السلام قد استحدث في البداية كوسيلة للحد من الجوع وسوء التغذية في بعض من أفقر مناطق العالم ولمساعدة صناعة الزراعة الأميركية. وهو يستمد تفويضه الرسمي بذلك من القانون العام 480، العنوان 2. فقد دعا القانون الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تقديم تبرعات المعونة إلى "الراعين المتعاونين"، كالمنظمات غير الحكومية، في جهودها لتقديم المساعدات الغذائية الطارئة وطويلة الأمد. ووسعت القوانين اللاحقة الصادرة عبر السنين هذه المهمة وأوضحتها. وقدمت الولاياتالمتحدة في العام 2006 ما قيمته 2.2 بليون (أو مليار) دولار من المعونات الغذائية إلى 82 دولة نامية، مما يجعلها أكبر مانح للمساعدات الغذائية في العالم أجمع. وزارة الزراعة الأميركية: وزارة الزراعة الأميركية شريك وثيق يعمل عن كثب مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في تنفيذ برامج المساعدات الغذائية الأميركية الحكومية، ولكنها تركز أكثر من الوكالة على الجوانب المتعلقة بالزراعة والصناعة الزراعية في المساعدات الغذائية الإنسانية، سواء بالنسبة للمنتجين الأميركيين أو الزراعة والصناعة الزراعية في الدول النامية. كما أن وزارة الزراعة الأميركية هي المسؤولة عن الاتفاقيات التجارية الدولية والمفاوضات المتعلقة بالمعونات الغذائية أيضا. ويتمركز الخبراء الدوليون التابعون لوزارة الزراعة الأميركية في أكثر من 90 بلداً، كما أن هناك مكاتب للتجارة الزراعية في أسواق رئيسية لخدمة المصدّرين الأميركيين والمشترين الجانب. الأممالمتحدة: اللاعبون الرئيسيون هنا هم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، والصندوق العالمي للتنمية الزراعية، وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (UNDP). ومن المرجح أن يكون برنامج الغذاء العالمي هو الجهة التي تصدر أي نداء يتعلق بالمعونات الغذائية الطارئة – لضحايا الزلازل أو اللاجئين الفارين من الحروب الأهلية. ويعتبر البرنامج أشهر كيان في مجموعة وكالات مكافحة الجوع التابعة للأمم المتحدة. وهو أول مستجيب لطلبات المعونة الغذائية في العالم. برنامج الغذاء العالمي ويوزع برنامج الغذاء العالمي، الذي يقع مقره في روما، المساعدات الغذائية على قرابة 88 مليون شخص، ويذهب حوالي ثلث ذلك لمشاريع التنمية في حين يذهب الثلثان الباقيان لسد الاحتياجات الطارئة وعمليات الإغاثة وتحسين الأوضاع. ويعمل برنامج الغذاء العالمي مع مجموعات متعددة الأطراف وثنائية، ودول بصفتها الفردية، وشركات، ومؤسسات خيرية لجمع وتوزيع الغذاء والسلع الأخرى. منظمات الأممالمتحدة الأخرى وتركز منظمات الأممالمتحدة الأخرى على الأسباب الأساسية لانعدام الأمن الغذائي وعلى الحلول لمعالجة هذه الأسباب. فمنظمة الأغذية والزراعة تعمل على تحديد وعكس أسباب الجوع العالمي في المناطق الريفية. وتساعد الدول على تحديث قطاعاتها الزراعية لكي تكون قادرة على إطعام شعوبها. وتحاول اللجنة الفرعية الاستشارية المعنية بتوزيع الفائض، التي أنشأتها منظمة الأغذية والزراعة، توزيع المواد الغذائية الفائضة بطريقة مناسبة من خلال تسهيل التبرع بها للدول المحتاجة إليها والتي يمكنها استخدامها بدون تعطيل النشاطات التجارية العادية في تلك الدول. الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أما الصندوق الدولي للتنمية الزراعية فيوفر قروضا منخفضة الفائدة ومنحا لتمويل مثل هذه الأنواع من التحسينات في القطاع الزراعي. وقد بلغ مجمل ما استثمره حتى الآن حوالى 10 بلايين (أو مليارات) دولار استثمرت في المشاريع الزراعية الريفية. ويعمل برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في عدد من قضايا التنمية، بينها مكافحة انعدام الأمن الغذائي. المنظمات غير الحكومية/ منظمات التطوع الخاصة (NGOs/PVOs): تلعب المنظمات غير الحكومية ومنظمات التطوع الخاصة دورا قياديا في إطعام الجياع في حالات الطوارئ والحالات غير الطارئة. والعاملون فيها هم الأشخاص الذين يراهم مشاهدو التلفزيون عادة في الموقع في بعض الظروف الخطرة أو المريعة، وهم يقدمون معونة الغذاء للذين يحتاجون إليها. ومن أشهر هذه المنظمات خدمات الإغاثة الكاثوليكية وكير (CARE) وأوكسفام والرؤيا العالمية (وورلد فيجن)، إلا أن هناك عشرات المنظمات المماثلة غير المشهورة مثلها والتي تعمل في دول تعاني من كون أمنها الغذائي معرضاً للخطر. شركات الأعمال ومؤسساتها الخيرية: تعمل الشركات الوطنية والدولية بصورة متزايدة على تعزيز عملها – أو عمل مؤسساتها الخيرية – في مكافحة الجوع. وقيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية هي العبارة الشائعة لوصف مثل هذه الجهود، التي توفر عادة السلع والخبرة الضرورية للدول النامية. وهناك حفنة من هذه المؤسسات الخيرية الضخمة المعروفة كمؤسسة روكفيلر ومؤسسة بيل وميلندا غيتس. وقد وجدت بعض الشركات آليات تتيح لها التشارك مع الحكومات ومع المنظمات الثنائية ومتعددة الأطراف للمساعدة في توزيع مساعداتها السخية. فعلى سبيل المثال، تعمل تعاونية لاند أوليكس (Land O'Lakes)، وهي تعاونية يملكها مزارعون أميركيون، مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ويقدم المتطوعون التابعون لها في برنامج "من مزارع إلى مزارع" في إفريقيا الجنوبية الخبرة الزراعية والتجارية في أنغولا وملاوي وموزمبيق وجنوب إفريقيا وزامبيا. كما يعمل متطوعو لاند أوليكس أيضا في تركمانستان وأوزبكستان وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا وروسيا. 6 - المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وكسر دورة الجوع التي تتوارثها الأجيال من جيل إلى آخر هناك وسائل متوفرة لتقليص عدد الجياع في العالم إلى النصف؛ أما الأمر الذي ما زالت هناك حاجة إليه فهو إرادة سياسية أقوى في الدول المستفيدة والمانحة، حسب ما تقول جوزيت شيران، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وقد أجرينا مقابلة مع شيران بعد أشهر من توليها منصبها كرئيسة تنفيذية في برنامج الغذاء العالمي وهي التي شغلت سابقا منصب وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية والتجارية، بما فيها الزراعة، كما شغلت قبل ذلك منصب نائبة الممثل التجاري الأميركي.وتواجه جهود تقليص الجوع تحديات كثيرة: مرض الإيدز والفقر والحكومات الضعيفة وتغير المناخ وارتفاع ثمن الطعام بسبب ازدياد الوقود الحيوي، وغيرها. إلا أن شيران أعربت عن الأمل بأن تنجح الجهود المنسقة في كسر دورة الجوع التي تتوارثها الأجيال من جيل إلى آخر. سؤال: يقتل الجوع والأسباب المتصلة بالجوع ما يقدر بحوالي 25 ألف شخص في اليوم، وتقول الأممالمتحدة إن عدد الجياع بصورة مزمنة في العالم يزداد بحوالي 4 ملايين في السنة. فهل نحن نخسر المعركة ضد الجوع العالمي؟ شيران: لقد حققنا انتصارات ضد الجوع في العالم خلال العقود القليلة الماضية. ولكن بالنظر للنمو السكاني في بعض أفقر المناطق في العالم، فإن عدد الجياع اليوم – من حيث الأرقام المطلقة – يفوق عددهم في أي وقت مضى. إنني أومن بقوة بأن بإمكاننا التغلب على الجوع، يمكننا ذلك وسنحقق ذلك، ولكن علينا أن ننشر ونحشد ليس فقط العلم والتكنولوجيا المتوفرين لدينا، بل أيضا الإرادة السياسية لتحقيق ذلك. ولا زلنا نفقد اليوم طفلا يسقط ضحية للجوع كل خمس ثوان – وهو ثمن غير مقبول يفرضه الجوع علينا. ومع ذلك فنحن الآن في مرحلة من تاريخنا يتوفر لدينا فيها العلم والتكنولوجيا لإطعام كل شخص في العالم. وآمل في زيادة الوعي حول سبل تحقيق ذلك وفي تقديم الشكر العميق لمواطني الدول الكثيرة الذين يساهمون بشكل كبير في محاربة الجوع. سؤال: كيف يساهم برنامج الغذاء العالمي في محاربة الجوع؟ شيران: يطعم برنامج الغذاء العالمي نصف الجياع الذي يتلقون مساعدات غذائية، عادة في أصعب وأبعد بقاع الأرض. هذه هي مهمتنا. لقد أنشأنا، عبر عقود عديدة، قدرة لوجستية ضخمة وفعالة جدا حتى أنها أصبحت الذراع الإنسانية الرئيسية للأمم المتحدة للوجستيات – ليس فقط للغذاء، بل أيضا للأدوية والخيام والبطانيات، وكل ما يحتاج إليه الناس في حالات الطوارئ. ولكن حتى مع ما يتوفر لدينا من ميزانية سنوية تبلغ قرابة 3 بلايين (أو مليارات) دولار وآلاف السفن والطائرات والعربات التي تنقل الغذاء كل يوم، لا نصل إلا إلى حوالي 10 بالمئة فقط من الجياع في العالم. ولذا فإننا ما زلنا نفقد 25 ألف شخص كل يوم يموتون نتيجة أسباب متصلة بالجوع – وهو المشكلة التي تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث تهديدها للصحة العامة، إذ يقتل الجوع من الناس أكثر مما تقتل أمراض السل والملاريا والإيدز مجتمعة. ويتعين علينا ببساطة أن نعزز كل ما نفعله لكي نسبق منحنى الجوع. سؤال: ما هي في نظرك أكبر التحديات التي تواجه برنامج الغذاء العالمي؟ شيران: هناك عدة أشياء آخذة في الحدوث. فلدينا ما نطلق عليه "التهديد الثلاثي" المؤلف من مرض الإيدز والفقر والقدرات الحكومية الضعيفة – خاصة في منطقة إفريقيا الجنوبية – الذي يجعل التغلب على الجوع أمرا في غاية الصعوبة. ونواجه أيضاً أمراً آخذاً في التطور هو ما يمكن أن يكون "العاصفة مستكملة جميع الشروط" المؤلفة من تغير المناخ ، وتكاليف العمليات المتزايدة، والمطالب التي يفرضها الوقود الحيوي على نظام الغذاء العالمي. وشهدنا في برنامج الغذاء العالمي خلال السنوات الخمس الماضية ارتفاع تكاليف شراء السلع الأساسية بنسبة 50 بالمئة. وينتج ذلك عن مجموعة من العوامل: ازدياد الطلب العالمي على الحبوب الذي أدى – إلى جانب ظهور الوقود الحيوي – إلى ازدياد أسعار السلع الذائية، والارتفاع السريع في تكاليف الوقود والشحن. ولذا، حتى لو حافظ برنامج الغذاء العالمي على نفس حجم ميزانيته أو حصل على ميزانية أكبر بقليل، فإننا نطعم عددا أقل بكثير من الناس. كما أن ثمن المواد الغذائية المتزايد الارتفاع يعني أن أفقر الناس في العالم يجدون صعوبة أكبر في إطعام أنفسهم على مستوى الأسرة. سؤال: ما هو تأثير الوقود الحيوي؟ والتغير في المناخ؟ شيران: يمنح الوقود الحيوي المزارعين الفقراء فرصة مهمة، ولكنه يشكل أيضا تحديا للفقراء لأن أسواق الحبوب تواجه ضغطا في الإمدادات ولأن أسعار المواد الغذائية أعلى مما كانت عليه منذ عقود. ومع تغير المناخ، تتكهن الهيئة الحكومية المشتركة حول تغير المناخ [هيئة توافق عالمية تمثل عمل مئات العلماء] بأن كمية الغلال الناتجة عن الزراعة التي تعتمد على المطر، ستنخفض في بعض المناطق إلى النصف بحلول العام 2020. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة، شقيقتنا في الأممالمتحدة، أن 95 بالمئة من الزراعة يعتمد على المطر. وحتى في حال عدم تحقق هذه التنبؤات بصورة كاملة، يمكننا أن نرى أن هناك مناطق ستواجه تحديات ضخمة، مثل إفريقيا التي ستكون الأكثر تأثراً بالتغير المناخي- حيث ستصبح المناطق الجافة أكثر جفافا، والمناطق الماطرة أكثر مطرا. سؤال: ما هي العقبات السياسية التي تحول دون التغلب على الجوع في العالم؟ شيران: لا بد من وجود الإرادة السياسية لتحقيق النجاح على كل مستوى – من القرية إلى الأقاليم، ومن المستوى القومي للبلد فما فوق. سؤال: هل تتحدثين عن الدول المتلقية أم المانحة؟ شيران: إنني أتحدث عنها جميعا لأن لكل جهة مصلحة في هذه المعركة. وللاستشهاد بمثال إيجابي، نعلم أن الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، (نيباد)، بذلت جهودا كبيرة في إفريقيا مع الاتحاد الإفريقي لجعل الزراعة والجوع أولوية قصوى بالنسبة للدول الإفريقية. وهذا يشتمل على التعهد بتخصيص 10 بالمئة من الاستثمار للزراعة. ونعلم أن الطريقة الوحيدة للتغلب على الفقر والجوع – سواء في سوازيلاندا اليوم أو في إيرلندا أو الولاياتالمتحدة قبل سنين كثيرة – هو فهم كيفية معالجة محنة المزارع الفقير. ونرى تقدما وتطورا اقتصاديا في الدول التي تتوصل إلى كيفية معالجتها. ونرى الجوع المزمن المتأصل يصبح جزءا من التاريخ. لقد أفلتت دول عديدة من قبضة الجوع، ولكن الأمر يتطلب عملا منسقا كما يتطلب دوماً تقريباً مساعدات خارجية في مجالي التكنولوجيا والمعرفة، وأحيانا الاستثمار. سؤال: كيف تقومين تقدم العالم نحو تحقيق أهداف التنمية الألفية للأمم المتحدة الخاصة بتخفيض نسبة الفقر والجوع إلى النصف بحلول العام 2015؟ شيران: حققت دول بينها تشيلي أهداف التنمية الألفية بالفعل بتخفيض الفقر والجوع إلى النصف، في حين أن غانا والبرازيل أصبحتا قريبتين من تحقيق ذلك. ولكننا كمجتمع دولي لا نسير نحو تحقيق أهداف التنمية الألفية ضمن الإطار الزمني الموضوع. والشيء الثوري فيما يتعلق بأهداف التنمية الألفية هو أننا نجحنا في النهاية في الجمع بين زعماء العالم في اجتماع والحصول على موافقتهم على مجموعة محدودة من الأولويات للقضاء على أسوأ أشكال التفاوت في مجالات الفقر والجوع والصحة والتعليم، إلخ. ووضعت محافل مثل مجموعة الدول الثماني خطط عمل عملية لتحقيق هذه الأهداف، وهو شيء أؤيده بشدة. والتغلب على الجوع في العالم يشكل مهمة كبيرة مرهقة لا يمكن تحمل عبئها بالنسبة لمعظم الناس. ويتعين علينا أن نجد سبلاً لجعل ذلك أمرا ممكن التحقيق تدريجا. سؤال: ما الذي يتعين حدوثه؟ شيران: أهم شيء في محاربة الجوع هو كسر دورة الجوع التي تستمر عبر الأجيال منتقلة من جيل لآخر. وقد تم التوثيق في عدة دول لكون النساء اللاتي يقاسين من الجوع يلدن أطفالا يعانون من سوء التغذية، وهو "جوع متوارث" يمكن أن يستمر لعدة أجيال. لذا فإن جزءا مما نحاول أن نفعله في مجلس الغذاء العالمي هو مواجهة دورة حياة الجوع هذه في منشئها. وإذا تمكنا من كسر دورة حياة الجوع، ستتوفر للمجتمعات فرصة لكسر دورة الفقر. إن هذه الأشياء متداخلة تماما. فإذا عانى طفل من إعاقة في نموه الجسدي الطبيعي بسبب سوء التغذية، فإن دماغه/دماغها سيعاني من عدم اكتمال النمو. تخيلوا مدلولات ذلك بالنسبة للتنمية الاقتصادية في الدول التي تزيد فيها نسبة الإعاقة في النمو الطبيعي الجسدي بين الأطفال على 50 بالمائة! علينا أن نصل إلى الجوع في منشئه – بين الأطفال الصغار والأمهات الحوامل – وأن نحاول في المرحلة التالية جلب الأطفال إلى المدارس. ومن الأشياء التي تمعنت في دراستها ما لإطعام الأحداث في المدارس من تأثير قوي. وعندما يحصل الأطفال على وجبة واحدة على الأقل في اليوم في المدرسة، تأخذ أنواع كثيرة من الأمور الاجتماعية الجيدة في الحدوث: يرتفع التسجيل في المدارس، خاصة بين الإناث، ويتحسن الحضور والأداء الأكاديمي. كما ثبت أن للتعليم تأثيراً قوياً في تقليص الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة. هذه ليست أهدافا غير قابلة للتحقيق. إنني مفعمة بالأمل أيضا – لأن العلوم – علم البذور وعلم التربة وعلم تعبئة ونقل المواد الغذائية بطريقة مأمونة وفعالة – أصبحت تحمل في طياتها إمكانية تمكن العالم من تلبية الاحتياجات الغذائية لكل مواطن في العالم. وأعتقد أن هذه التحديات تنطوي على إمكانية القضاء على الجوع بطريقة تحقق رؤيا أشخاص مثل العالم نورمان بورلوغ وغيره ممن كانوا جزءا من الثورة الخضراء التي أنقذت ملايين كثيرة من الأرواح في شتى أنحاء آسيا وفي غيرها من الأماكن. إننا نعرف أن ذلك ممكن الحدوث لأننا رأيناه يحدث. سؤال: هل لديك شيء تضيفينه؟ شيران: أعتقد بأنه ينبغي على الأميركيين أن يكونوا فخورين بمساهماتهم عبر عدة عقود في محاربة الجوع. ولا يقتصر الأمر على كون الحكومة الأميركية هي أكثر المتبرعين لبرنامج الغذاء العالمي سخاء، بل إنها تطعم نصف الجياع تقريبا الذين يمكن الوصول إليهم عن طريق المساعدات الخارجية كل عام. وتولى مكتب الغذاء من أجل السلام التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية موقع القيادة بالفعل منذ أن أسسه [الرئيس الأميركي دوايت] آيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي ثم وسعه الرئيس جون كنيدي في ستينيات القرن الماضي. والغذاء من أجل السلام هو الآن حجر الزاوية في محاربة الجوع في جميع أنحاء العالم. 7 - للمزيد من المعلومات اتفاقية المعونة الغذائية (FAC): اتفاقية المعونة الغذائية، التي تم التوصل إليها في العام 1967، مطروحة لإعادة التفويض أو التمديد في العام 2007. وقد تمت إعادة تفويض هذه الاتفاقية عدة مرات منذ تأسيسها. وتتناول هذه الاتفاقية التعاون بين 23 دولة من الدول المانحة الرئيسية للمعونات الغذائية، وتحدد مستويات الحد الأدنى للتبرع بهدف ضمان توفير كميات كافية من الغذاء لسكان الدول النامية الذين يحتاجون إليه. ويدير الاتفاقية مجلس الحبوب الدولي الذي يتخذ من لندن مقرا له، وهو الجهة المسؤولة عن جمع الإحصاءات المتعلقة بحجم المعونة الغذائية التي تم التبرع بها والمكان الذي قدمت له. منظمة التجارة العالمية (WTO) : لم يتوصل أعضاء منظمة التجارة بعد إلى اتفاق حول كيفية معالجة هذه المنظمة للمعونات الغذائية. وقد علقت الجولة الأخيرة من المفاوضات التي كان موضوع إصلاح المعونة الغذائية أحد المواضيع المثيرة للخلاف فيها. شراكة المعونة الغذائية الدولية: أصدر الكونغرس الأميركي قانون شراكة المعونة الغذائية الدولية في العام 2000. وكان الهدف منه زيادة عدد المنظمات الشريكة المساهمة في نشاطات المساعدات الغذائية الإنسانية، بما في ذلك إعداد المواد الغذائية والسلع الأخرى وخزنها ونقلها وتوزيعها. أما الالتزامات الحالية بالتقدم في المستقبل،فتتجلى في: الأهداف التنموية للألفية التابعة للأمم المتحدة (MDGs) : يدعو أول أهداف الأممالمتحدة التنموية للألفية إلى القضاء على الفقر المدقع والجوع. وتدعو الأهداف بالتحديد إلى تخفيض نسبة الأشخاص الذين يعانون من الجوع إلى النصف. وقد وضعت هذا الهدف وسبعة أهداف أخرى لبرنامج الأممالمتحدة لتنمية الألفية في بداية العام 2000 الدول الأعضاء في الأممالمتحدة في محاولة لبدء القرن الجديد بخطة طموحة لتحسين العالم. وحدد العام 2015 كتاريخ لتحقيق الهدف المتعلق بالجوع والأهداف الأخرى بحلوله. وكان التقدم الذي تم إحرازه حتى نهاية العام 2006 ملحوظا ولكنه كان بطيئا. فرغم أن معدلات الجوع (مقياس للنسبة المئوية من الأشخاص الذين يعانون من الجوع المزمن) انخفضت، إلا أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع ارتفع. وترمي الأهداف والتاريخ المحدد إلى تشجيع الدول الأغنى على اتخاذ خطوات ذات معنى لمساعدة الدول الفقيرة على التغلب على الجوع داخل حدودها. مبادرة مجموعة الدول الثماني: في العام 2004، قطعت مجموعة الدول الثماني الصناعية (G8) – الولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وروسيا والمملكة المتحدة – وعودا بمعالجة الجوع في دول القارة الإفريقية التي تعاني من بعض أسوأ الأوضاع، خاصة في القرن الإفريقي. وتتألف المبادرة من ثلاثة أجزاء: توفير شبكة أمان للمجتمعات التي تواجه انعدام الأمن الغذائي بصورة روتينية، وتحسين الاستجابة العالمية للأزمات الغذائية في القارة، وزيادة الإنتاج الزراعي في المناطق الريفية بإفريقيا. والهدف هو القضاء على المجاعات في القرن الإفريقي بحلول العام 2009. وشملت قمم مجموعة الدول الثماني في الأعوام 2005 و2006 و2007 تقارير عن أحدث ما تم تحقيقه من تقدم في هذه الجهود. وفي العام 2005 على وجه الخصوص عالجت أغنى دول العالم موضوع التنمية في إفريقيا. مبادرة الرئاسة الأمريكية للقضاء على الجوع في إفريقيا: أعلنت هذه المبادرة التي أطلقتها الولاياتالمتحدة في العام 2003. وهي جزء من مجهود أميركي للوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها في قمم مجموعة الثماني لمعالجة هذه المسألة. وتعمل الولاياتالمتحدة، بناء على هذه المبادرة، عن طريق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، على إصلاح القطاع الزراعي في الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء طبقا لبرنامج التنمية الزراعية الإفريقية الشامل.