شد انتباهه و تركيزه تقرير يشاهده بإحدى القنوات التلفزية ، حول ما تعرفه فرنسا هذه الأيام من أحداث واحتجاجات معارضة لنظام التقاعد الجديد ... لم يكن هذا التقرير ليشد انتباهه لولا أنه مشرف على الستين ، سن التقاعد ، هو كذلك ، وينتظر ، على أحر من الجمر، ذلك اليوم الذي يضع فيه أوزار العمل ... وصار يعد الشهور والأسابيع والأيام ... التي تفصله عن يوم الخلاص ذاك ، وكل يوم يمر يسقطه من حساب حياته الوظيفية مغتبطا ، لأنه يقربه من باب الخروج والإنعتاق من " سجن " الوظيفة ... غيرمبال ولا مكترث بنقصان اليوم من عمره ، وأنه في نفس الوقت يقوده إلى مصيره المحتوم ... كيف لا يتوق إلى يوم تقاعده ، وهو الذي اشتعل رأسه شيبا من هموم الوظيفة ومتاعبها ، وعلت التجاعيد وجهه ففضحت كبر سنه ، وجفاف جسده ، تماما كما تفضح الندوب التي تعلو أديم أرض قاحلة جفافها ... وتدلى الشعر من أذنيه " الثقيلتين " ، وزاد شعر حاجبيه طولا حتى كاد يحجب عنه الرؤية ، وارتخى جلده ، وتقوس ظهره ، وتقلصت عضلاته ، ولم تعد رجلاه قادرتين على تحمله طويلا ، وضعفت قوته ... وصار كثير التردد على الطبيب ، لكثرة أعطابه وأسقامه ... فلم تعد الحياة " مالحة " ولا " حلوة " ... كما كانت من قبل ؟ وقد نصحه الطبيب " لذلك " بالتقليل من تناول الملح ، وعدم تناول السكريات ... ووصف له حمية أوصاه بالتقيد بها ... ليصير جسمه مثل الحياة " مسوسا " ، " مرا " ... قدم طلب الإحالة على المعاش ( التقاعد ) ، ليستريح من أعباء العمل ، " فيتصنت " قليلا لصحته ... جاءه الرد بسرعة لم يعهدها في الأدارة طيلة حياته المهنية : " ... تقديرا منا للمجهودات والخدمات التي ما فتئتم تقدمونها ، واعترافا منا بكفاءتكم العالية ، وخبرتكم الطويلة ... ورغبة منا في الإستفادة من مزاياكم تلك ، نخبركم أننا لم نعد نعتمد سن الستين سنا للتقاعد ، وقد حددنا جملة عوامل أخرى نعتمدها مقاييس لإحالتكم على التقاعد ، أو الإحتفاظ بكم للإستفادة منكم ومن كفاءتكم أكثر ... وعليه فالمطلوب منكم الدخول إلى موقعنا "كذا" والإجابة بكل دقة ومسؤولية على الأسئلة الواردة في الإستمارة التالية : 1 الآلات ( وسائل الدعم ) التي تحمل معك : هل أسنانك طبيعية أم صناعية ؟ هل تستعمل نظارات لتصحيح البصر ؟ هل تسمع بشكل عاد أم تستعين بالآلة ؟ 2 العمليات الجراحية : هل سبق أن أجريت لك عمليات جراحية ؟ عددها وحددها . 3 ماهي الأدوية التي تستعمل باستمرار ؟ 4 القدرة على التحكم والتذكر : هل تتحكم في اليدين ؟ هل تتحكم في الرجلين ؟ ما مقدار تحكمك في العضلات بصفة عامة ؟ جيد مقبول ضعيف . هل سبق لك أن تهت عن باب المؤسسة التي تعمل بها ؟ .......... .......... أجاب على كل الأسئلة الموصوعة ، ضغط على كلمة " النتيجة " كما طلب منه ، ظهرت له الرسالة التالية : " طلبكم مرفوض ، على الأقل هذه السنة ، ما دامت قدرتكم على التحكم في عضلاتكم مقبولة ، وما دمتم تتذكرون مقر عملكم . ويمكنكم تجديد طلبكم بعد سنة ، إن بقيتم على قيد الحياة " . إستفاق من نومه مذعورا ، وهو يردد : لعنة الله على الشيطان المريد ونظام التقاعد الجديد ...