تمر صحافة الإنترنت مع التطور التكنولوجي الذي بات يعرفه عالم الإنترنت، بالإضافة إلى التطور الملحوظ أيضا في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، بالمرحلة أو الموجة الثالثة التي نعيشها الآن، تلك التي تتميز أساسا باستعمالها للوسائط المتعددة الاتصال Multi média. كما تتميز صحافة الإنترنت التي تشتهر تحت اسم المدونات، أنها من تحرير مواطنين عاديين بالدرجة الأولى، ثم من طرف صحافيين يحاولون استغلال فضاء الحرية المطلق للتعبير عن آرائهم التي تواجه في الغالب بمقص الرقيب في الدول العربية، الأمر الذي أدى بالعديد من التجارب الصحافية في الإنترنت لأن تصبح صحافة المواطن. هذه الصحافة التي اعتبرها البعض بأنها "نشاط للمواطنين يلعبون خلاله دورا حيا في عملية جمع وتحرير وتحليل الأخبار، وبأن هذه المشاركة تتم بنية مدّ الوسائل الإعلامية بمعلومات دقيقة وموثوق بها ومستقلة تستجيب لمتطلبات الديمقراطية."[1] لقد بات موضوع التدوين في العالم العربي محط اهتمام العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وبدأت تشكل هاجسا قويا للدوائر الحكومية العربية بما تنشره من أخبار وتعاليق غالبا لا تكون في صالح هذه الأخيرة، بحيث نرى أن الجدل السياسي بالخصوص انتقل في الدول العربية والإسلامية من واقع صحيفة الورق إلى الواقع الافتراضي غير المتحكم به. وأضحت المدونات بمثابة الملاحظ والناقد والمعلق، بل والمشارك أيضا في صنع الحدث، ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى أن الفضاء الرقمي يقدم فرصا جديدة للتعبير ولحرية الرأي وللتواصل السياسي المباشر غير المسموح به غالبا على أرض الواقع السياسي الإعلامي العربي، إذ تبقى باقي أسباب انتقال هذا السجال أو المنتدى على صفحات الإنترنت واضحة يمكن إجمالها في نقطة واحدة هي، انعدام الديمقراطية والتحكم الواضح في وسائل الإعلام الرسمية، والمحاولات المتكررة لإسكات الأصوات المستقلة المنادية بحرية الرأي والتعبير. ولعل المحاكمات التي نسمعها بين الفينة والأخرى، لهذا المدون أو ذاك، ولهذا الصحفي أو ذاك، ولهذا المنبر أو ذاك، خير دليل على التخبط الذي لازلنا نعيشه مع الديمقراطية وحقوق الإنسان ومع حرية الرأي والتعبير. لقد أصبحت للمدونات كلمتها في العالم العربي بعد ما أن رسمت بعضها لنفسها الطريق أمام الشهرة والنجاح، إما من خلال ما تنشره مباشرة أو من خلال اعتقال المدون المشرف عليها. وهنا نلحظ أيضا التطور الاستخباراتي الإلكتروني العربي الذي أصبح يلاحق المدونين من أجل محاكمتهم بالمنسوب إليهم في المدونات، إذ تبقى مصر وسوريا والمغرب والسعودية والأردن، خير مثال على ذلك. وعندما نتحدث عن التدوين العربي، فلا بد أن نربطه بمواقع الشبكات الاجتماعية التي أضفت هي الأخرى على التدوين صبغة جديدة.. واقع إعلامي جديد يتمثل في فضح الخروقات ونشرها بصفة واسعة بين المبحرين في العالم الافتراضي بسرعة فائقة. فقد أصبح موقع ال Face book في مصر له وقع خاص على الحياة السياسية المصرية، ويبقى مثال استعمال نجل الرئيس مبارك جمال، استعماله لل"فيس بوك"، للتواصل مع الشباب المصري من خلال موقعه المعنون ب"شارك"[2]، دليل آخر على مدى فاعلية الإعلام والتواصل الإلكتروني نظم عبره عدة لقاءات تواصلية أجاب خلالها على العديد من الأسئلة المطروحة من طرف الشباب. الأمر الذي فسره البعض بأنه طريقة تواصلية جديدة تستهدف كسب واستقطاب الشباب قصد المشاركة في العملية السياسية، وفسره البعض الآخر المعارض بأنه محاولة للوصول إلى أصوات مؤيدة له عبر الشبكة. بهذا الأسلوب أصبحت لعامة الناس كلمتهم المسموعة، وبهذه الطريقة أضحت العامة تحس بأن لها وجودا يفرض على الآخر الإنصات والتجاوب معها. وبذلك يكون العالم الافتراضي قد قدم من خلال عملية التدوين فرصا جديدة للتعبير لفئات تكاد تكون مهمشة ولا رأي لها. ساعد الانتشار الهائل إذن للإنترنت في الدول العربية عموما ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، على توسيع مجال التعامل الشعبي العربي مع الفضاء الرقمي. وتؤكد الإحصائيات الخاصة بشركة الإنترنت العالمية [3]Internet Word States أن المستخدمين في الشرق الأوسط قد ازداد عددهم في الفترة الممتدة بين سنوات ال2000 و 2009 بنسبة تتجاوز 300%، في الوقت نفسه الذي يعرف فيه العالم نموا مضطردا في حركة التعامل مع الإنترنت. إنها الثورة الرقمية بكل تأكيد، لكن مقابل ذلك نلاحظ أيضا أن الدول العربية تجتهد بدورها في إجراءاتها الرقابية، سواء كانت القانونية أم الإجرائية التقنية. ففي دراسة حديثة تحت عنوان "رسم خريطة لمجتمع المدونات العربية: السياسة، الثقافة، والمعارضة"، صدرت في شهر يونيو 2009 عن مركز "بيركمان للإنترنت والمجتمع" [4] Berkman Center for Internet & Society التابع لجامعة هارفارد الأمريكية، حول المدونات العربية ومدى علاقتها بقضايا المنطقة العربية، سياسيا وثقافيا ودينيا وإعلاميا، ومدى علاقتها أيضا بالشؤون الدولية، تم التأكيد على أن مصر تأتي في مقدمة الدول العربية في عدد المدونات، وبأن السعودية تأتي في المرتبة الثانية، ثم الكويتيون، وفي المرتبة الرابعة العراقيون، والخامسة السوريون، بينما احتل المغرب المرتبة الأخيرة من بين المدونين العرب الذين شملتهم الدراسة التي غطت 35 ألف مدونة، حيث استعان المركز بمجموعة من الباحثين العرب لتتبع هذا الكم الهائل من المدونات العربية. كما أكدت الدراسة أن عدد المدونات في السعودية يفوق بكثير عدد المدونين الرجال، وبأن القضية الفلسطينية تُعد القاسم المشترك بين جميع المدونات العربية بحيث يأتي ذكرها في كل المدونات تقريبا. ويهتم المدونون العرب بالأخبار المحلية سواء السياسية أو القضايا الاجتماعية، و كشفت الدراسة أن معظم المدونات العربية ذات طابع شخصي، تتخذ أسلوب الملاحظة وكتابة اليوميات، ولا يهتم المدونون العرب بالحديث عن الولاياتالمتحدة كثيراً، لكنهم إن تناولوها فهم دائمي النقد لها. وبخصوص مسألة الإرهاب فإن 19% من المدونين العرب يرفضون الإرهاب بشكل لا لبس فيه، في حين يدعم أقل من 1% فقط ممن شملتهم الدراسة الإرهاب بشكل واضح. ولاحظت الدراسة أن العدد الكبير من المدونات المصرية لمدوني جماعة الأخوان المسلمين، وبأن المدونين السعوديين يهتمون أكثر من غيرهم العرب بالتكنولوجيا وتطبيقاتها. وكان من أبرز ما توصل إليه الباحثون هو أن الغالبية العظمى من المدونين العرب هم من الشبان، حيث أن نسبة 75% منهم تحت سن الخامسة والثلاثين، وداخل هذه الفئة العمرية نفسها يوجد 45% بين سن 25 و35 سنة.[5] إن المتتبع للتطور الملحوظ في مجال الكتابة الصحفية الإلكترونية، يمكنه الجزم بأننا في بداية الحقبة الذهبية للصحافة الإلكترونية بشتى مناحيها. وتبقى المدونات إحدى مظاهر هذا التقدم، وذلك بالنظر لما أصبحت تكتسيه من أهمية ومن قيمة لدى الدوائر الرسمية العربية. لدى فقد تنبأ العديد من الخبراء في مجال المستقبليات أن خمسين بالمائة من الإنتاج الصحفي سيتم بواسطة المواطنين بحلول عام 2021.