تتجدد في عيد الفطر معاناة آلاف العائلات المغربية والجزائرية، التي تربطها صلات القرابة الأسرية وعلاقات المصاهرة، باعتبار أن العيد مناسبة دينية لصلة الأرحام وتبادل الزيارات العائلية.
إذ يشكل إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر عائقا كبيرا أمام هذه الأسر، التي تضطر إما إلى قطع مسافات طويلة في رحلات مكلفة ماديا عبر الطائرة، أو المغامرة عبر الحدود من خلال سيارات تهريب البشر.
وتجدر الإشارة إلى أن إغلاق الحدود الجزائرية المغربية يعود إلى صيف 1994، ولم تُفتح منذ ذلك الحين رسميا إلا مرتين. الأولى عندما تم السماح للقافلة الطبية التي نظّمها النائب البريطاني غالاوي عام 2002 لمساعدة أطفال العراق، والثانية لمرور المساعدات المغربية التي أرسلها للجزائر بعد فيضانات 2003.
قطع الأرحام
وتعد عائلة الزوهري من بين آلاف هذه الأسر التي تعاني الأمرين من إغلاق الحدود بين البلدين، حيث يقيم بعض أفرادها شرق البلاد ويجدون أمامهم كل السبل مغلقة لزيارة أحد أقاربهم المريض في مدينة وهرانبالجزائر خلال أيام العيد.
وستضطر هذه الأسرة إذا ما رغبت في صلة رحم أقربائها في الجزائر بأن يسافر أفرادها إلى الدارالبيضاء لحجز مقاعد لهم في الطائرة التي تتوجه من هناك إلى الجزائر العاصمة.
وتعتري إمكانية سفر أسرة الزوهري صعوبات عملية كثيرة، منها طول المدة الزمنية التي تتطلبها رحلة طويلة بآلاف الكيلومترات بدءا من مدينة وجدة إلى مطار البيضاء ومنه إلى الجزائر، ثم التكلفة المادية المرتفعة للسفر عبر الطائرة.
وبالرغم من قصر المسافة بين مدينة وجدة مثلا شرق المغرب وبين مدينة مغنية في الجزائر حيث لا يفصلهما سوى 16 كيلومترا تقريبا، فإن الأسر التي ترغب في صلة الرحم في العيد مع أقاربها بالجزائر عليها أن تقطع مسافة يوم كامل بالقطار إلى البيضاء، ومن ثم إلى الجزائر العاصمة وبعدها إلى مغنية.
وهذا الوضع يجعل العديد من الأسر الفقيرة ومتوسطة الحال تحجم عن السفر جوا من المغرب إلى الجزائر أو من الجزائر إلى المغرب، الشيء الذي يؤدي إلى قطع الأرحام بين أفراد الأسرة الواحدة وأحيانا بين الآباء والأبناء.
وتختار بذلك أسر عديدة حلا آخر يتضمن مغامرة محفوفة بالمخاطر، وتتمثل في ما يسمى ب"شراء الطريق"، وتعني في لغة سكان منطقة الحدود "بين البلدين"، عملية دفع المال لمهربي البشر من خلال سيارات التهريب بين البلدين.
التئام الشتات
ودفعت هذه الوضعية التي تعاني منها الكثير من الأسر المغربية والجزائرية على السواء خاصة في مناسبات العيد ببعض منظمات المجتمع المدني إلى التعبئة والدفاع عن حقوق هذه العوائل في جمع شملها والتئام شتاتها.
وتعتبر جمعية "رياج" إحدى أهم هذه المنظمات التي تنشط في المنطقة الشرقية خصوصا، والتي اتخذت لها هدفا إبراز معاناة تلك الأسر والدفاع عن رغبتها القانونية والإنسانية في صلة الرحم بين أفرادها الموزعين بين البلدين الجارين.
وتقترح رئيسة الجمعية فتيحة الداودي، كحل مؤقت لهذه المعضلة، بأن يتم الترخيص عبر بطاقات مرور خاصة للأفراد الذين لديهم صلات قرابة ورحم في البلدين معا، أو تحديد يوم معين في الأسبوع لتبادل الزيارات والتعاطي مع حالات إنسانية مؤثرة أحيانا.
ويعلق المحلل السياسي عبد الرحيم بوعيدة على معاناة آلاف الأسر جراء إغلاق الحدود البرية بين البلدين، بأنها من تداعيات النزاع في الصحراء الذي تدفع ثمنه شعوب المنطقة التي تجمعها أواصر قرابة كبيرة تبرز بشكل لافت في المناسبات الدينية التي تحتاج فيها هذه الأسر إلى تفعيل هذه العلاقات.
ويعتبر أستاذ التعليم العالي في جامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث ل"العربية.نت" أن هذا الإغلاق يلقي بظلاله على المنطقة، ويكرس حالة التشتت التي تعاني منها هذه الأسر الجارة.
ويضيف: "هذا مشكل تتعنت الجزائر إزاءه وتخلط أوراق هذه العلاقة التاريخية بأوراق الحل في الصحراء، التي تسعى الجزائر جاهدة إلى تعقيده بالتدخل في قرارات جبهة البوليساريو، وتوجيهها نحو سد الباب أمام أية مبادرة يقوم بها المغرب".
ويستطرد بوعيدة بأن تداعيات هذه المشكلة الاجتماعية العويصة تتحملها شعوب المنطقة التي كُتب عليها أن تعيش في أتون هذه الأزمة، مع أن واقع الجوار يحتم أن يكون هناك تعاون وتكامل بين الشعوب نظرا للمؤهلات الاقتصادية والسياحية التي يملكها كل بلد على حدة.
ويخلص المحلل المغربي إلى أن حل المشكل يشترط "تواجد إرادات سياسية حقيقية لدى جميع الفاعلين السياسيين لتجاوز هذه العقبة الكأداء، والأخذ بعين الاعتبار مصلحة شعوب المنطقة وحدها".. العربية