خرج سمير من المؤسسة بعد الساعة السادسة مساء ، إنتظر زملاءه أمام المؤسسة . قدموا واحدا واحدا ، إكتملت المجموعة ، بدأ كل واحد يحكي حصاد المساء بالقسم ، بنوع من الهزل و السخرية وتمثيل الأدوار ... من أجل تشويق أفراد المجموعة وشد انتباههم إليه ، فيصيغوا السمع ... تعالت ضحكاتهم إلى حد إثارة انتباه المارة ... أخذتهم خطاهم الوئيدة في اتجاه حيهم ، على تلك الحال . توقفوا ب(رأس الزنقة ) التي يسكن بها سمير ، نسوا أو تناسوا أنفسهم ، فالحصاد كثيف والحديث عنه طويل متشعب ، لاينقضي ... خرجت أخت سمير من المنزل ، ناداها ، سلمها المحفظة لتدخلها إلى المنزل ، حتى لا يفوته موضوع من مواضيع الحلقة ، أو حلقة من حلقات الحديث ... طال حديثهم ، وطال وقوفهم ب(رأس الزنقة ) ، وطال معه انتظار الأسرة ، فقد حان وقت العشاء ، ولم يدخل سمير . تعشت الأسرة ، وسمير لايزال يسامرالسمار ، فالمسامرة تزداد حلاوة ، وتشد المسامرين إلى بعضهم ، كلما تقدم الليل وجن الظلام ، وتنوعت المواضيع والأخبار ، خاصة أخبار الرياضة بالنسبة لسمير وأقرانه ... فالليلة ستلعب " البارصا " ضد " الريال " ، مقابلة القمة ، مقابلة لا كالمقابلات ... لايفلتها إلا من ليست فيه الروح ... حاولوا التنبؤبالنتيجة ، رشح كل واحد فريقه المفضل ، قدر عدد الأهداف ، بل حدد حتى اللاعبين الذين سيسجلون ... إشتد جدالهم إلى حد ( المخاطرة ) حول النتيجة ... قرروا الإنسحاب ، ضاربين موعدا لهم للقاء ...و بدأوا يتواصون فيما بينهم : عنداكم تفلتوا الماتش أدراري . أتهلا أمحمد . أتهلا أخاي سمير . أتهلا .... دخل سمير إلى المطبخ مباشرة ، بدأ يتلمس الأواني عل أمه تكون قد خبأت له نصيبه من العشاء ...تذكر أن الإمتحان ينتظره غدا ... ضرب يدا بيد ، وتأفف طويلا ، ما العمل ؟ قرر الجمع بين الحسنيين : المراجعة ومشاهدة المقابلة . أسند ظهره إلى الوسادة أمام التلفاز ، ضاما ركبتيه قليلا إلى صدره ، وضع فوقهما دفتره ، بدأ بالمراجعة ، وأذنه منشغلة بالتلفاز .. إنطلقت المقابلة ، واستمر في المراجعة ، ولكنه مرة مرة يختلس دقيقة أو دقيقتين لمتابعة المقابلة ... إشتد وطيس المقابلة ، فاشتد حماسه ... بدأ يعيش مع حركات اللاعبين بكل جوارحه ، مرة يصيح ، وأخرى يتأفف أو يضرب يدا بيد ، يمد رجله ثم يجمعها ، يركل ... سقط الدفتر من فوق ركبتيه ولم يشعر بسقوطه ... عاش كذلك طيلة أطوار المقابلة ... أعلن الحكم نهاية المقابلة ، فاز فريق ، وخسر آخر ، رقص لاعبون فرحا بنصرهم ، وبكى آخرون لخسارتهم ، ورجع سمير إلى دفتره ، لكن النوم غالبه ، فبدأ " يركع " على الدفتر ... ثم قرر أن يقوم للنوم ليستيقظ مبكرا من أجل المراجعة ... رن جرس الهاتف ( البورتابل ) مرات ومرات ...ولم يستيقظ سمير إلا بعد أن حركته أمه وهي تناديه : سمير ، سمير ...قم يابني ، إنها السابعة والنصف ... قام سمير ، ألقى بمحفظته على ظهره ، إنطلق مسرعا إلى المدرسة ، دخل قاعة الإمتحان ، تسلم ورقة الإختبار ، قرأ : يقال : " من جد وجد ومن زرع حصد " . توسع في شرح القولة . أعاد قراءة الموضوع، وضع القلم على الطاولة ، توقفت حركته ، وجحظت عيناه ... : هذا سؤال صعب ، لم نقرأ هذا الدرس ... لابد من المطالبة بتغيير السؤال . خاطب الأستاذ : إننا لم ندرس هذا الدرس يا أستاذ ، فالمرجو تغيير السؤال . وبعد نقاش ، وأخذ ورد ، تم استبدال الموضوع السابق بالتالي : تابعت اطوار مقابلة في كرة القدم ، حاول نقلها للقارئ . أعجبه الموضوع ، فهو في المتناول ، فقد قضى الليلة " يراجعه " ولم يترك كبيرة ولا صغيرة تفلت منه ... فرك يديه فرحا ، أخذ القلم ، شمر عن ساعديه ، ألقى بظهره على مؤخرة المقعد ، ( تكسل ) على الموضوع ، كتب جميع التفاصيل : من لائحة اللاعبين ، أسماء الحكام ، عدد المتفرجين ، اللمسات الفنية التي صفق لها الجمهور ... إلى النتيجة . دق الجرس ، فطلب منه الأستاذ تسليم ورقة التحرير ، فقد انتهى الوقت . أفاق من سهوه ، فسلم الورقة بيضاء ثم انسحب ، وقد تراءت له النتيجة .