استهواه عنوان الكتاب, فوقف يحدق فيه والدهشة تبدو على محياه , أذهلته تلك الأشكال الدائرية التي رسمت على الغلاف, شعر أنها تنسجم والعنوان إلى حد كبير, لم يكن معتادا على قراءة الكتب, ألقى نظرة خاطفة على محتواه فبدا له كأي كتاب عادي, جيش عرمرم من الكلمات المتراصة بعناية فائقة, سطور متشابهة تسلب الأوراق بياضها وتكدر صفاءها, هكذا كان يرى الكتب, نظرته السطحية كانت تغشي عينيه وتحجب عنه أنس الكتاب وحكمته, تصفحه من جديد لعله يجد صورة أخرى تبدد ما علق في مخيلته من سواد السطور الدامس لكن عبثا كان يحاول, آلاف الكلمات تصطف في طابور لانهائي تنتظر دورها كي تهمس بها الشفاه بصوت خافت أو ربما ينطلق صداها حرا يداعب أذان السامعين, كان يحس بالكلمات تتوسل إليه كي يطلع على فحواها لكن دون جدوى فقد كان مولعا بالصور أكثر من الجوهر والمضمون, يئس أخيرا من البحث فعاد يمعن النظر في الغلاف وهو يهز رأسه إعجابا, أعاد الكتاب إلى موضعه ومضى إلى حال سبيله,غاب سواده بين العابرين وضاعت أثار خطاه في أديم الأرض, رحل دون أن يخلف وراءه ذكرى, بيد أن تقاسيم الغلاف المستديرة قد طبعت في ذاكرته, كان متيقنا من عودته, لكن متى؟ لم يكن يدري