فتح المغرب باب تدريس اللغة الهولندية على المستوى الجامعي، في أولى المبادرات على صعيد العالم العربي. حوالي مئة طالب وطالبة سجلوا أسماءهم منذ أن شرعت كلية الآداب بجامعة الحسن الثاني في الدارالبيضاء في عملية التدريس، بدءا من شهر أبريل نيسان 2009. ولكن ما الذي يدفع الطالب لاختيار دراسة اللغة الهولندية، رغم صعوبتها ومحدودية انتشارها وتداولها؟
انفتاح على الآخر "في الواقع، جاء الأمر صدفة، لأنني كنت أريد دراسة اللغة الألمانية. بالنسبة لي، أعتقد أن أهمية اللغة الهولندية أكثر من اللغة الألمانية، وذلك بسبب متانة العلاقة بين هولندا والمغرب". هكذا تقول الطالبة كوثر (24 سنة) في لقاء مع وكالة الأنباء الهولندية. تدرس كوثر مادة الفلسفة واختارت الهولندية كمادة مكملة. وترى الطالبة كوثر أن على المجتمع المغربي أن ينفتح على الثقافات الأخرى، ومنها الثقافة الهولندية.
تجربة تدريس اللغة الهولندية في المغرب حديثة، وربما جاءت متأخرة، بالنظر لتاريخ الهجرة المغربية نحو هولندا، والعلاقات الثنائية بين البلدين. وإذا كان جانب تدريس اللغة الهولندية في المغرب ظل بعيدا عن الاهتمام الرسمي، فإن مبادرات خاصة على شكل مدارس خصوصية، تدرسها منذ سنوات، وخاصة للأطفال المغاربة الذين يعيدهم آباؤهم إلى المغرب للدراسة في الوطن الأم. ولعل إحدى المبادرات المعروفة، هي تلك التي شرع فيها منذ سنوات، أحد البنوك المغربية المهمة، والذي يتوفر على فروع له في المدن الهولندية الكبرى.
ضرورة اقتصادية
قد يعتقد البعض أن دوافع دراسة اللغة الهولندية في المغرب، ربما تعود إلى التخطيط للهجرة نحو هولندا. إلا أن من استجوبتهم وكالة الأنباء الهولندية يستحضرون اعتبارات أخرى، أهمها اقتصادية. تؤكد الطالبة سكينة (41 سنة) على أهمية الانفتاح على الآخر والاحتكاك بثقافته، لكنها تشدد في ذات الوقت على الجانب الاقتصادي كدافع أساس لاختيارها هذه اللغة. وترى أن تعلم اللغة الهولندية تفتح أمامها آفاقا أرحب مقارنة مع اللغات الأخرى، كونها لغة جديدة وحديثة في المغرب. درست سكينة علوم الأحياء، وتفكر في بدء مشروع خاص لها، يتمثل في إنشاء مكتبة رقمية اعتمادا على الخبرة الهولندية في هذا المجال.
يمول المشروع 'اتحاد اللغة الهولندية‘ وهو مؤسسة رسمية تضم كلا من هولندا وبلجيكا (القسم الفلاماني) وجمهورية السورينام (مستعمرة هولندية سابقا). تهتم هذه المؤسسة أساسا باللغة الهولندية، تدريسا وأدبا وانتشارا في أوربا والعالم.
يؤكد تقرير وكالة الأنباء الهولندية، أن طلبة اللغة الهولندية لا يفكرون في الهجرة نحو هولندا. فهم يعتقدون أن فرص العمل في المغرب مستقبلا ستكون أحسن وأوفر، خصوصا مع توافد الشركات والمستثمرين الهولنديين على المغرب. "هم يأتون إلينا وعلينا أن نستعد لهم، على الأقل عن طريق تعلم لغتهم"، يقول أحد الطلبة.
صاحب الشعر الأصفر تسعة طلبة يستمعون إلى أستاذتهم السيدة فان دين بورخ، وهي تشرح لهم الفرق ما بين كلمة "أحيانا" و كلمة "كثيرا ما". رضوان طالب من مدينة آسفي الجنوبية، يقول إنه يدرس اللغة الهولندية بهدف التعرف على الثقافات الأخرى. "الناس لا يعرفون ثقافات الآخر وهذا يحمل معه توترات لا فائدة منها. عندما تتعرف على لغة وثقافة الآخر، يمكن أن تفهمه بطريقة أفضل"، مشيرا بصفة خاصة إلى تنامي المد اليميني في أوربا، وإلى "ذلك الرجل الذي يصبغ شعره باللون الأصفر، وصاحب فيلم فتنة"؛ وهو يقصد السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، زعيم الحزب من أجل الحرية.
يستمر هذا المشروع خمس سنوات، وبعدها هل ستتوقف التجربة إذا توقف الدعم الهولندي عنها؟