ساد منذ زمن ليس بيسير في نظر الكثيرين، أن الماء ورغم دوره الحيوي لاستمرار الحياة، أبخس وأقل شأنا من يقتصد في استعماله. يلاحظ هذا في طريقة تعاملنا وسلوكنا أثناء الاستحمام ومدى الاسراف في تبذيره اثناء تنظيف المنازل والسيارات وغيرها، في سقي الأصيص والحدائق العامة إن وجدت … ولقد انتهت الجمعية العامة للأمم المتحدة في خلاصتها سنة 2010 إلى أن الحق « في الماء الصالح للشرب صحي ونقي كحق مطلق وأساسي للممارسة التامة للحق في الحياة ولكل حقوق الإنسان » باعتبار الماء عامل لا غنى عنه لتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وفي الحفاظ على التوازن البيئي والحياة عامة بكل تجلياتها. عرض مائي تهدده التغيرات المناخية والتصرفات البشرية: ولقد اعتمد المغرب على سياسة بناء السدود والآبار والأثقاب لتعبئة المياه الجوفية وتخزينها ونقلها من مناطق الوفرة إلى مناطق الاستعمال. كما السياسة التنموية تقوم في أحد أركانها على توصيل الماء الصالح للشرب إلى كل بيت في الحواضر والقرى، والتي حققت نسبة نجاح كبيرة وصلت 94%، هذا بالإضافة إلى الرهان الذي أعلنه المغرب والمتمثل في سقي مليون هكتار في أفق 2020 ويبدو انه رهان قد تم كسبه. ناهيك عن استخلاص الطاقة الكهرومائية واستعمالات صناعية عديدة. سياسة مائية واعدة انطلقت في ستينيات القرن الماضي، حيث كان معدل الفرد الواحد 3000متر مكعب للفرد الواحد في السنة. أما اليوم فإن التقارير تتحدث عن أن هذا المعدل قد انخفض إلى 450 متر مكعب في بعض المناطق، نتيجة « عرض تهدده عوامل منها التغيرات المناخية ونفاد أو تردي جودة المياه التقليدية، بسبب الأعمال البشرية المضرة ». لكل هذا وغيره، فإن هذه الاستراتيجية بدأت تبدي محدوديتها منذ جفاف 1980 وما تلاه، يُضاف إليه التنافس بين قطاعات الماء الصالح للشرب ومياه السقي ، وعجز واردات المياه السطحية وانخفاض مستوى المياه بالطبقات الجوفية، مع النقص الحاد في حقينة السدود، مما أدى إلى تراجع التزود بالماء ببعض المدن وتقليص مياه السقي، وعجز في الطاقة الكهرومائية بنسب تتراوح ما بين 25% و 50%. وذلك تفاديا للأسوأ الذي توقعه تقرير سابق لصندوق النقد الدولي، الذي نبه إلى أن حصة الفرد الواحد ستتقلص إلى النصف في أفق 2050، كما توقع معهد الموارد العالمية ، فقدان المغرب 80% من موارده المائية الحالية في أفق 2040. وهي مؤشرات تعتبر عالميا، بداية الخصاص المطلق في الماء، وهو ما لم تنفيه الحكومة التي تؤكد إحصائياتها أن الموارد المائية بالمغرب من بين أضعف الموارد. لكل هذا وغيره، توصي منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي المغرب بالانتقال من السياسات التي تركز على الإمدادات ، إلى الإدارة طويلة الأمد للموارد المائية ، معتبرا السياسة المائية التي اعتمدها غير فعالة، حيث أنها تجعل السكان في كماشة ندرة الماء. والأخبار والتقارير الصحفية، ما فتئت تنبئنا بتسارع عدد المناطق والمدن التي تشكو خصاصا في المياه. المساهمة التربوية قبل التكنولوجية لوقف الهدر المائي: وسعيا لمحاصرة المشكل، وقبل التفكير في أي حلول تعتمد التكنولوجية الحديثة، والتي مهما تطورت لن تجدي نفعا أمام تضاءل وضعف التساقطات، و طلبا على الماء تزداد وثيرته بفعل النمو الديمغرافي والاستعمال الصناعي، وعدم تحمل الإنسان المسؤولية في ترشيد وتقنين استعماله بدافع داخلي ووازع أخلاقي، إيمانا بالدور الحيوي والفعال الذي يمكن أن يلعبه المواطن المسؤول والمؤتمن على ما استودعه الله في هذا الكون من موارد طبيعية، التي تزداد بحسن سلوكنا وتنقص بفعل تصرفات خاطئة مضرة بالبيئة والإنسان معا « ولئن شكرتم لأزيدنكم». مما يجعل تربية الناشئين، وإعادة النظر فيما اعتاده من يعدون من الراشدين، تفاديا للتأثيرات التي تحدثها ندرة المياه، سواء على مستوى جودة الحياة أولا، وانعكاسها السلبي على الاقتصاد ثانيا الذي يقدر بحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050. الذي يحد من استفحاله اعتماد التكنولوجيات الحديثة في توفير الماء وتخزينه وإيصاله إلى مناطق الاستعمال. وقد أصبحت اليوم عديدة ومتنوعة، بحيث يمكن للمرء أن يعالج الماء في بيته ويعاد استعماله ثانية. لكن لن تحدث التأثيرات المرجوة ما لم يصاحب ذلك بناء قيم تعلي من الماء كمادة وقيمة لا تقدر بثمن، وإعطائه المكانة الحيوية التي هو جدير بها، كونه مصدر الحياة وعامل ديمومتها، ليس نظريا فقط، بل بمناهج تربوية نشطة وفعالة داخل الفصول الدراسية، ومساهمة جادة من الفاعلين الجمعويين، وتدخل إعلامي مثير لانتباه المواطنين إلى ما يمكن يُسمى جرائم في حق الماء التي هي جرائم في حق الحياة. وتفعيل دور شرطة الماء لتطال الممارسات الفردية و الجماعية في التعامل مع الماء، التي يمكن ملامستها في كل الأزقة والحدائق، في ظل حكامة « قليلة الفعالية بسبب نقص الاستقلالية في القرار وعدم كفاية الموارد البشرية والمخصصات المالية » ( المجلس الاقتصادي والبيئي).فحكامة مائية ضعيفة وغير فعالة، ومواطن غير واع بالندرة المائية التي تهدد البلاد والعباد، لا إلا أن يصبح مصدر النزاعات الباردة والمسلحة كما نبهت إلى ذلك المؤسسات الدولية. على سبيل الختم: وكأي قضية حيوية حين تفشل السياسة في الحد من اختلالاتها، لا بد من أن تتحمل التربية مسؤوليتها، وذلك بإكساب الفرد عادات وسلوكيات قمينة بالحد من النزيف المهول الذي يتعرض له الماء، فيكفي الإشارة إلى أن غلق الصنبور أثناء تنظيف الأسنان يوفر 30 لتر من الماء حسب وكالة حماية البيئة. وأن صنبور مفتوح بنسبة 50%، يصرف 4 لترات من الماء في الدقيقة. وقل مثل ذلك في غسل الخضروات والأطباق، وغيرها من الاستعمالات المنزلية المتعددة. في وقت أصبح من الممكن جدا إعادة استعمال ماء التنظيف في دورات المياه، نجد هذا لدى دول لها من الوفرة المائية ما يجعلها في غنى عن أي سياسة تدبيرية، التي ولا شك توفر من الماء الشيء الكثير، ما أحوجنا إلى اقتباس أثرهم، ونهج منهجهم في تجهيز منازلنا برؤيا تستحضر البعد التنموي للماء وأهمية الاقتصاد فيه، وترشيد استعماله. والتي سبق للرسول (ص) أن نبه سعد وهو يتوضأ :« لا تسرف وإن كنت علة نهر جار».