خصص التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيزا مهما لإشكالية الماء، مشيرا إلى أنه « لمواجهة تحديات العجز المائي المرشح للتفاقم مستقبلا، وتبعا للتوجيهات الملكية السامية في هذا الصدد، سجلت سنة 2017 منعطفا أساسيا في تدبير سياسة الماء ببلادنا، من خلال اعتماد عدد من التدابير الاستعجالية والسياسات القطاعية ذات الصلة . وقد قَدَّمت التدابير الاستعجالية المتخذة حلولا ملائمة للصعوبات المسجلة في التزود بالماء في عدد من المناطق، وهي الصعوبات التي تسببت في توترات اجتماعيات في بعض مناطق البلاد، مما يؤكد حجم المخاطر التي تهدد الأمن المائي بهذه المناطق على وجه الخصوص وبمجموع مناطق بلادنا بشكل عام». و«قد شهد المغرب بالفعل انخفاضا كبيرا في حصة الفرد الواحد من المياه، والتي تراجعت من حوالي 2560 م مكعب للفرد في سنوات الستينيات من القرن الماضي إلى نحو 700 متر مكعب للفرد حاليا ». وحسب التقرير فإن «ثمة العديد من العوامل التي من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من تناقص الموارد المائية مستقبلا، ألا وهي آثار التغيرات المناخية، وتنامي التوسع العمراني وحاجيات الصناعة والفلاحة من المياه، والاستهلاك المفرط، فضلا عن عدم نجاعة البنيات التحتية لتوزيع المياه «لا تزال بعض المناطق غير مرتبطة بشكل جيد بشبكة المياه رغم قربها من السدود الكبرى». وبالموازاة مع ذلك، ينجم عن الاستغلال المكثف للفرشات المائية، بالإضافة إلى مواسم الجفاف، تدهور المياه الجوفية، بالنظر لكون نسبة تجددها تظل أقل من حجم استغلال مواردها». و«بغية التصدي للاستغلال المفرط للمياه الجوفية، يوضح التقرير، تسعى السلطات الحكومية إلى توسيع دائرة التدبير التشاركي للمياه الجوفية، عبر تعميم «عقود التدبير التشاركي للفرشات المائية» في المجالات الترابية، وهو إطار يروم إذكاء روح المسؤولية في صفوف جميع الفاعلين، من خلال تحديد مسؤوليات وحقوق وكذا التزامات مستعملي الفرشات المائية والإدارة ومختلف المتدخلين المعنيين»، لافتا إلى «أن هذه المقاربة سبق أن اعتُمِدت في سنة 2005 في جهة سوس- ماسة، لكن تعميمها اصطدم بالفراغ القانوني في مجال تدبير هذا الصنف من العقود. وبموازاة ذلك، ولضمان نوع من العقلانية في استخدام الموارد المائية، تميزت نهاية سنة 2017 بالإعلان عن تفعيل جهاز شرطة المياه، على أن تَشْرَع في ممارسة مهامها في سنة 2018. ويتمثل الهدف من إحداث هذه الشرطة في معاينة المخالفات في مجال المياه، وتحرير المحاضر في شأنها، وتوقيف الأشغال ومصادرة الأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة». هذا وتجدر الإشارة، وفق التقرير، «إلى أن تفعيل شرطة المياه قد شهد تأخرا كبيرا، حيث تم النص على إحداثها منذ سنة 1995 بموجب القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، ولم يتم تفعيلها على أرض الواقع إلا في سنة 2018 ، بعد صدور القانون الإطار الجديد المتعلق بالماء في سنة 2016 ، وهو إطار يحدد لائحة المخالفات المتعلقة بالماء». و«يكتسي الإجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب، طابعا متعدد الأبعاد بالنظر إلى تأثيره على الأمن المائي في مجال الماء الصالح للشرب، وانعكاساته أيضا على الأمن الغذائي، من خلال استنزاف الموارد المائية المتاحة الموجهة للفلاحة، وبالتالي تقليص مداخيل الفلاحين، سيَّما أولئك الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية» يؤكد التقرير. ندرة الماء .. إكراهات جديدة أمام الفلاحين ومربي الماشية تجدر الإشارة إلى «أن مخطط المغرب الأخضر، يلفت التقرير ، شجَّع على الرفع من حصة المزروعات من غير الحبوب، نظرا لصمود مستوى إنتاجها أمام التقلبات المناخية. بيد أن رفع حصة هذه المزروعات على حساب الحبوب قد يؤثر على الأمن والسيادة الغذائية». ويقوم مفهوم السيادة الغذائية على مسؤولية الدولة في توفير الغذاء لمواطنيها. إذ يجعل من كل دولة مسؤولة عن غذائها وعن تحديد سياستها الغذائية بما يراعي خصوصياتها. كما أن السيادة الغذائية تحمي القطاع الفلاحي المحلي إزاء الواردات». ودعا التقرير ، في السياق ذاته، «إلى تكثيف الجهود والمبادرات الرامية إلى استكشاف أصناف أخرى من الحبوب تكون أكثر مقاومة للجفاف. وفي هذا الصدد، يجدر التذكير بأن التوقيع في فبراير 2017 على اتفاقية للتعاون التقني بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، من أجل تعزيز زراعة «الكينوا»، وهي صنف من البذور يتميز بكونه أكثر مقاومة للجفاف، يُعَدُّ مبادرة ينبغي تعميمها من أجل إرساء تجانس أكبر بين الاستراتيجية الفلاحية للبلاد والأهداف الاستراتيجية للأمن الغذائي والسيادة الغذائية. ويجب أن تقترن هذه الجهود بسياسة تمويل حقيقية للبحث والتطوير في مجال الأمن المائي والغذائي». هذا ونبه التقرير إلى «أن الانقطاعات التي تعرفها عملية التزويد بالماء الصالح للشرب قد تمس بالاستقرار الاجتماعي في المناطق التي تعاني من الخصاص»، مستشهدا ببعض المناطق التي شهدت مظاهرات طالب خلالها المتضررون من هذا الخصاص ب»الحق في الحصول على الماء الصالح للشرب واشتكوا من سوء توزيع هذا المورد الحيوي. ومن بين المناطق الأكثر تضررا من ندرة المياه، هناك: زاكورة، ووزان وشفشاون، وأزيلال، وصفرو»، موضحا أنه «من أصل 681 مدينة ومركزا يُدَبِّر فيها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب هذه الخدمة، تسجل 37 منها انقطاعات في التزويد بالماء الصالح للشرب. وفي هذا الصدد، ععمدت السلطات العمومية المعنية إلى تنظيم زيارات إلى بعض المناطق خال سنة 2017 قصد الوقوف عن قرب على الخصاص المسجل على المستوى المحلي في مجال المياه واقتراح الحلول الملائمة الكفيلة بمعالجة هذه المشاكل». ومن التدابير الاستعجالية المتخذة ، فضلا عن تدابير هيكلية على مستوى السياسات القطاعية ذات الصلة ¨تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، عقدت اللجنة الوزارية للماء اجتماعا بتاريخ 18 أكتوبر 2017، تَقَرَّرَ على إثره إحداثُ لجنةٍ تقنيةٍ تتكون من ممثلِي عدة هيئات معنية، وذلك بغية وضع برنامج استعجالي للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي؛ يشمل تكثيف عمليات التنقيب عن المياه الجوفية؛ والعمل على ترشيد تدبير الرصيد المائي المتوفر؛ والتزويد بالماء بواسطة الشاحنات الصهريجية؛ والرفع من القدرة الإنتاجية للماء الصالح للشرب ببعض المراكز القروية وشبه الحضرية؛ وإنشاء نقاط لتوزيع الماء من أجل إرواء الماشية؛ وترميم وصيانة قنوات السقي بالدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة». و«بالنظر إلى الخصاص في المياه الصالحة للشرب الذي سُجِّل في بعض المناطق خلال سنة 2017 ، اتخذت الحكومة أيضا ،إجراءً استعجاليا يتمثل في الحد من سقي الأشجار المثمرة في بعض المناطق لضمان حصول الساكنة المحلية على الماء الصالح للشرب». وفي ما يخص التدابير الهيكلية ،» اقترحت اللجنة الوزارية للماء برنامج استثمارات مكثف في قطاع الماء، بهدف تعزيز إمدادات مياه الشرب والسقي، خاصة بالنسبة للأحواض الأكثر تضررا من العجز المائي، وذلك على مدى الفترة الممتدة ما بين 2018 و 2025 . ويولي هذا البرنامج عناية خاصة للمناطق القروية والجبلية عبر تسريع وتيرة الأشغال التي توجد في طور الإنجاز في هذه المناطق ووضع برنامج إضافي يهم المناطق القروية والجبلية التي لم تشملها البرامج السابقة». وقد «شرعت الحكومة سنة 2017، في عملية مراجعة المخطط الوطني للماء من أجل مراعاة المقتضيات التي جاء بها القانون الجديد المتعلق بالماء، وضمان التكيف بشكل أفضل مع انعكاسات التغيرات المناخية والحاجيات الراهنة والمستقبلية لبلادنا ذات الصلة باستراتيجية المياه. وتشمل هذه العملية عدة تدابير، منها «تحسين مردودية شبكات توزيع الماء الصالح للشرب وتحويل أنظمة السقي التقليدية إلى أنظمة السقي الموضعي، فضلا عن تعميم أنظمة السقي بالتنقيط، وخاصة في إطار البرنامج الوطني لاقتصاد وتثمن ماء السقي، الذي يهدف إلى اقتصاد أكثر من 1.4 مليار متر مكعب من المياه سنويا، «برمجة بناء أزيد من 35 سدّاً خلال الفترة 2017 – ». و«ستعزز هذه السدود التجهيزات القائمة التي تضم نحو 140 سدا، وهو ما من شأنه رفع القدرة الإجمالية من 17.6 مليار متر مكعب حاليا إلى 25 مليارا بحلول سنة 2030». «غير أن هذه الاستثمارات، حسب التقرير، تبقى باهظة التكلفة، وتتطلب برمجة مالية مناسبة ومستدامة، سيَّما عن طريق دراسة إمكانية تعزيز استغلال الشراكات بن القطاعن العام والخاص.Ÿ كما يقتضي تعزيز العرض أيضا اتخاذ تدابير تروم زيادة حجم استخدام تقنية تحلية مياه البحر من أجل تحسن إمدادات المياه الصالحة للشرب ومياه السقي، وخصوصا لتغطية التراجع الحتمي لمردودية السدود في المستقبل، نتيجة الانخفاض المستمر لكمية التساقطات المطرية». وفي هذا الصدد، تميزت سنة 2017 بإطلاق مشروع محطة تحلية مياه البحر في جهة سوس ماسة، في إطار صفقة أُبْرِمت معشركة «Abengoa» الإسبانية. ويُتوقع أن تصل قدرة هذه المحطة عند تشغيلها إلى 150 ألف متر مكعب في اليوم على أن تصل لاحقا إلى 000 200 متر مكعب، من أجل تأمين التزويد بالماء الصالح للشرب لفائدة ساكنة تبلغ 2.3 مليون نسمة في أفق سنة 2030، 20 في المائة منها في الوسط القروي، فضلا عن توفير المياه لسقي الأراضي الفلاحية». وأشار التقرير ايضا إلى «مشاريع أخرى لتحلية المياه ومعالجتها توجد قيد الدراسة أو التطوير في جهات مختلفة من قِبل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في أفق سنة 2020 .» كما تتجلى الأهمية التي يوليها المغرب لتحلية مياه البحر، باعتبارها بديلا للتزويد بالماء، في التدابير التي نص عليها قانون المالية لسنة 2018، سيَّما الإجراء المتعلق بإرجاع دين الضريبة على القيمة المضافة (crédit de taxe) لفائدة منشآت تحلية مياه البحر، كما تتجسد هذه الأهمية في الحجم الذي تمثله مشاريع تحلية المياه المزمع إنجازها من إجمالي الاستثمارات المبرمجة من قبل اللجنة الوطنية للاستثمار،أي ما يعادل 11 في المائة من المبلغ الإجمالي، ويتطلب تحسن العرض أيضا اتخاذ تدابير لإعادة استخدام المياه العادمة بعد معالجتها. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى «أن الحكومة انكبت مؤخرا على إعداد برنامج لتوسيع نطاق البرنامج الوطني للتطهير السائل ومعالجة المياه العادمة، المخصص أساسا للمناطق الحضرية وشبه الحضرية، ليشمل المناطق القروية في أفق سنة 2040، حيث سيستفيد من هذا البرنامج نحو 1200 مركز قروي». وذكر التقرير أن «الاستخدام المتزايد لتقنيات تحلية المياه ومعالجتها» إعادة استخدام المياه العادمة، «يمكن أن يكون مكلفا جدا بالنظر إلى التكنولوجيات المستخدمة وحجم الاستثمارات التي يتطلبها، وهوما يحيل على مسألة دور الدولة في دعم المشاريع ذات الصلة، حتى يتمكن مجموع السكان من الولوج إلى المياه بأسعار تكون في المتناول، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر هشاشة / فقرا ولسكان المناطق القروية والجبلية».