لنترك القطار الخانز القادم من طنجة اليوم على الساعة الثالثة والربع والمتوجه إلى الدارالبيضاء، والذي كان مكتظاً عن آخره وهو المتأخر عن الوقت دائماً.. كل هذه المحن طغت عليها حكاية الشباب بداخل هذا القطار الجحيم والذين كانوا في مركب الموت على بعد أمتار فقط من الشاطئ وفي واضحة النهار على الساعة الرابعة بعد الزوال من أول أمس، روى فتى من مدينة الدارالبيضاء كيف انطلقوا من داخل مدينة سبتة التي تسلل إليها ليلتحق بمجموعة من الشباب من أبناء تطوان الذين يتوفرون على حق ولوج المدينة السليبة، وذلك حتى يتمكنوا من الوصول إلى غايتهم بالفردوس الأوربي، بكى المسكين وهو يحكي كيف انطلقت خمس رصاصات من فوهة رشاش موضوع على مقدمة البارجة لتصيب مرافقيه وتردي شابة في مقتبل العمر قتيلة. قال الشاب أن قائد المركب الذي كانوا عليه يقوده مواطن إسباني، ذو عضلات قوية موشومة عليها أوشام ورسومات، قيل لهم أنه موضوع مذكرة بحث في بلاده، وكان بمعيته مواطنان مغربيان من سكان مدينة سبتة، كانوا 21 مواطنا من الراغبين في الهجرة أغلبهم من مناطق الشمال، وعلموا أن البارجة البحرية التي أطلق منها الرصاص كانت عائدة من السواحل الإسبانية، ولم يكن في نية جنودها مطاردة المركب الذي كان يحمل المهاجرين المفترضين، وأن الجنود البحريين تفاجؤوا به كما ظنوا، فطالبوا في البداية إنذاره بالتوقف بغية إلقاء القبض على سائقه الذي قيل لهم أنهم يعرفون هويته ونشاطه في تهجير المواطنين، وقال لهم الجنود أنه كان سيتخلى عنهم في عرض البحر، بينما سمعوا من مرافقيه بأن مركباً آخر كان في انتظاره في المياه الدولية وهو من كان سيواصل بهم الإبحار في اتجاه البر الإسباني وبالضبط نحو مالقا. حكى أحد الشباب كيف أن الرصاصة الأولى اخترقت ذراع أحد الراكبين مما جعلها تتدلى وتظهر عروقة التي تمزقت وبدأت تفور بالدماء عليهم، واعتقد أن الرمي كان يقصد به الإسباني صاحب المركب، لكنه تجنب الرصاصات المرمية وأصابت واحدة هاتفه النقال، بينما حين أصيبت الشابة حياة كانت لا تزال تتنفس لكن بدأ لونها يميل للزرقة وقال لنا الجنود الذين حملوها معهم بمعية الجرحى الأربعة أنها ماتت لحظة نقلها، وشاهد الشباب كيف أن الجندي الذي أطلق النار لطم وجهه عدة مرات ندماً. طلب مني الشاب الهاتف للاتصال بوالده، أخبره أنه بخير وأنه على متن القطار في طريق العودة لحضنه، طلب من المسامحة وأخبره أنه أمضى ليلتين في ضيافة رجال الدرك الذين عاملوهم معاملة لائقة، كما عاملوا المواطن الإسباني بخشونة في البداية لكنهم حسنوا تصرفاتهم حين قدم القنصل الإسباني ومساعديه العاملين معه. بينما أعلم الشباب الالتحاق بأسرهم بعدما أخذوا أقوالهم وأفرج عنهم من مقر الدرك الملكي.