الكاتب الحقيقي هو ذاك الذي ليس بمقدوره الحفاظ على علاقاته الاجتماعية أو العمل على توسيعها ، الكاتب الحقيقي هو ذاك الذي لا يعرف في حياته شيئا غير القلم ، لا يعترف بولاء ولا ضغط ولا إملاء ولا موالاة عمياء لحزب أو جمعية أو منظمة أو شخص ، هو كاتب فقط ، يكتب عن الواقع كما يراه لا كما ينبغي أن يكون ، لذا فمحترف القلم يكتب عن المسكوت عنه وعن الطابوهات ويقتحم الخطوط الحمر ، يسائل الذات والآخر ، تغشاه الدهشة وينتابه الألم ، كتاباته في مخاض أليم مستمر ، يتحدث عن هموم الشعب وانتظاراته ، نجاحاته وانتكاساته ، يتحدث عن سلطة الأب وكيفية قتلها ، وعن المدرسة العمومية والمسجد والزقاق والإدارة والتلميذ والشارع ، عن العاهرة والخادمة والعفيفة والعانس وربة البيت ، عن الجيران وبائع التقسيط والناذل والحمال ، عن البائع المتجول والبقال والمتسول ، يتحدث عن السياسي والنقابي والجمعوي وتاجر الممنوعات ، وأمام كل هذا وفي خضم مواكبته المستمرة لمفردات الحياة فحتما لن يستطيع الكاتب الحفاظ على علاقاته الاجتماعية لأن التاريخ يسجل أن اليراع كان أشد فتكا للإنسان من الأسلحة الثقيلة . الذي يمارس غواية القلم يجد نفسه دوما في مفترق الطرق ، إما أن يكون كاتبا محترفا حقيقيا سيؤدي ضريبة على ذلك في أي وقت وإما أين يكون هاويا يكتب ما يراد له أن يكتب فهو في مأمن من شر نفسه والناس .