فرحنا كثيرا بأسود الأطلس وبأبناء الريف الذين شرَّفوا المنتخب المغربي في كأس العالم روسيا 2018 أحسن تشريف (نور الدين أمرابط، منير المحمدي، سفيان أمرابط …)، في أداء كروي فرجوي رائع رغم الأخطاء التحكيمة في مقابلة مع البرتغال وهدف في مرمانا مع إيران، هؤلاء من شرَّفوا البلد في المونديال هم أبناء الريف. وسيفسد بعدها فرحتنا القضاء المغربي بأحكام جائرة قاسية ظالمة في حق أبناء الريف الأبطال الذين خرجوا قبل سنة ونصف (نونبر ودجنبر سنة 2016 بعد مقتل محسن فكري طحنا بشاحنة نفايات في أكتوبر2016) للمطالبة بظروف اجتماعية واقتصادية لائقة وبوضع صحي جيد وبمؤسسات جامعية وخدمات للمدينة، مطالب شأنها شأن مطالب كافة المغاربة. مطالب الريف مطالب المغاربة جمعاء، مثل مطالب زاكورة التي انتفضت من أجل الماء، ومثل جرادة التي انتفضت من أجل رغيف أسود ببقايا مناجم الفحم، ومثل تطوان وطنجة اللذان انتفضى على غلاء فواتير الماء والكهرباء … فبالعودة لتاريخ المغرب الدامي لن نتعجب أبدا لمثل هذه الأحكام لأن المغرب سبق له وأن قام بمثلها وبأكثرها سنوات القمع والرصاص والاختطاف والإعدام، نعرف زمن الحسن الثاني عندما كلف الجنرال أوفقير بالريف وأعطى تعليماته له للتصدي لأي شكل احتجاجي بمنطقة الريف. ونعرف ما فعله المخزن في انتفاضة كوميرا 20 يونيو 1981 الرافضة للزيادات في الأسعار على حساب القدرة الشرائية للمواطن حيث عمد النظام إلى توزيع ونشر الجيش المغربي بدبابته وبندقياته لمواجهة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقة من العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء والتي راح ضحيتها شهداء بالمئات واعتقلت حينها مئات المحتجين منهم نقابيون من CDT وسياسون من الاتحاد الاشتراكي وقمع الصحافة وإيقاف بعض الجرائد الوطنية التي كانت صوتًا للشعب والطبقة العاملة. وقد سمعنا جميعا خطاب الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1984 وهو يخاطب ساكنة الريف والشمال ب: "الأوباش" وأنهم يعرفون ولي العهد (محمد السادس) جيدا ولا يعرفون الحسن الثاني ومن الأحسن أن لايعرفوه. وليس ببعيد سنة 2011 في حراك 20 فبراير ورفع مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بمدينة الحسيمة أتذكر جيدا قضية محرق خمسة شبان والعثور عليهم متفحمين داخل وكالة بنكية محترقة بعد نهاية اليوم الاحتجاجي، وانتقلنا حينها رفقة الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان للقاء عائلات الضحايا وظلت ظروف وفاتهم غامضة رغم أن التهم كانت موجهة للجهاز المخزني وتم طمس الملف فيما بعد. وغير بعيد أيضا في يوليوز 2017 تم الإعلان من طرف السلطات والحكومة بشكل رسمي منع مسيرة الحسيمة التي تقرر فيها مشاركة العديد من قوافل الجمعيات الحقوقية من مختلف المدن المغربية. التاريخ لم يدون هذه الأحداث ولم ندرسها في حجرات المدرسة ونحن نقرأ فصول التاريخ، ونعرف أنه لن يذكرها، وإن ذكرها سيعتبر هؤلاء الشهداء وهؤلاء المعتقلين هم خونة وهم ضد الوطن … عن أي وطن نتحدث، وطن ندعي فيه المصالحة والإنصاف وطي صفحات الماضي وحفظ الذاكرة الجماعية تلميعا لصورة المغرب بالخارج وأمام المنظومة الدولية، أم وطن يهمه الصورة الدولية فقط. هو يوم أسود حالك في جبين وطن منمق ملمع بمستحضرات تجميل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يوم مظلم في العدالة والقضاء أوضح ان استقلال القضاء لازال مجرد شعار نرفعه في المنتديات الدولية. يوم يرقص فيه الوطن على إيقاعات موازين، على نغمات العالم برقص فاحش وسهرات العري والشواذ والسحاقيات، ومبالغ خيالية كتعويضات للمغنين والمغنيات، فكل يغني على ليلاه، والشعب يغني سمفونية الوطن. كنا ننتظر الحكم ببراءة معتقلي الريف لنجدهم محكومين ب 20 سنة حبسا نافذا (ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، سمير اغيد، البوستاتي) ، فهذه العشرين سنة صحيحة من منطق العودة الكرونولوجي فقد أعادتنا عشرين سنة وأكثر للوراء. و 15 سنة سجنا نافذا لكل من الحاكي و أدهشور و بوهنوش، و 10 سنوات لمحمد جلول، و 5 سنوات لكل من مجاوي و مخروط و الأبلق و وحاجي وفحيلي والاصرحي والحنودي و أبقوي، و 3 سنوات لكل من إبراهيم وعثمان بوزيان والحمديوي والنعيمي والهادي، وسنتين لكل من اعماروش والموساوي وفاضل والأثري ومونة وخالي وبولحجول والحاكيمي، وقدروري الحكم بسنة سجنا نافذا، ولم يتم تبرئة أحد، كما تم فصل ملف الصحافي حميد المهداوي عن ملف معتقلي الريف. شباب لا ذنب لهم سوى أنهم عبروا عن مطالبهم جهرا في مسيرات شعبية من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية فوجدوا أنفسهم يقبعون خلف زنزانات انفرادية دون أدنى شروط كرامة المتهمين ما دام القضاء يردد عبارات كل متهم بريء حتى تثبت إدانته. أين من سرقوا الوطن، من سرقوا الأحلام، من باعوا الأوهام، من فضيحة "النجاة"، لفضيحة "الكراطة" لوزير "الشكلاطة"، للاختلالات المالية الكبرى التي عرفها مشروع الحسيمة منارة المتوسط تم مكافأتهم جميعا بالإعفاء من المهام، أين ربط المسؤولية بالمحاسبة التي نتبجح بها في كل خطاباتنا، أين متابعة من سولت لهم أنفسم التطاول على الأموال العمومية وعلى صناديق الدولة وتحويل أموال المشاريع الكبرى لجهات أخرى. من يجب أن يعاقبوا بهذه المدة هم هؤلاء السياسيين الذين ثبت تورطهم في سرقات واختلالات لا أن نسلك معهم مسطرة عفى الله عمى سلف والمسامح كريم وغيرها من العبارات العاطفية تجاههم. الوطن نزف بالأمس وينزف اليوم وقد ينزف إذا إذا ما استمر الوضع وبقي على ما هو عليه في تدني الخدمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وارتفاع المعيشة وضرب القدرة الشرائية للمواطن البسيط، و ارتفاع رقعة البطالة وهامش الفقر، وامتلاء بحيرة الفساد بمياه سياسية عادمة. لك الله يا وطن، كما قال أحمد مطر: "نحن الوطن ! إن لم يكن بنا كريماً آمناً .. ولم يكن محترماً .. ولم يكن حُراً .. فلا عشنا .. ولا عاش الوطن!