نحن في حاجة إلى ثورة ثقافية تحرر العقل المغربي من الأوهام والخرافة والسحر و الشعوذة السياسية وتخرجه من ثقافة القرون الوسطى، التي أكل الدهر عليها وشرب، إلى ثقافة الديمقراطية الحقيقية وخلق آليات دولة الحق والقانون و تسليح الإنسان بالوعي النقدي الذي يؤهله للمشاركة الحقيقية والفعالة في صنع القرار. ومن الواجب على الإنسان المغربي أن يضع جميع مسلماته وأفكاره وأحكامه الجاهزة والموروثة عن عهود سابقة بين قوسين وطرحها للتساؤل والشك والنقد والتفكيك وإعادة البناء من جديد لأن المرحلة تتطلب تلك المراجعة، نحن في حاجة الى نقد مزدوج والى ثورة على الذات أولا ثم على الأخر. لكن هنا يطرح السؤال هل يمكن أن تتم أي ثورة ثقافية في ظل غياب الوعي بأهميتها ودورها الكبير في الرقي بالمجتمع؟ الثورة الثقافية هي الكفيلة بالنهوض بالمجتمع المغربي ولن يتحقق هذا التطور والرقي والازدهار إلا بالتأسيس لثقافة جديدة تقطع مع الممارسات والسلوكات البائدة وتكريسها، ولتحقيق هذه الغاية لابد من وجود تعليم هادف و قادر على خلق إنسان ذو رؤية نقدية للأشياء الموجودة من حوله، وفي مقدمتها واقع السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها من داخل المجتمع الذي ينتمي إليه، للأسف تم تفريغ المؤسسات الثقافية بالمغرب من محتواها. وكذلك لن تتحقق هذه الغاية إلا بوجود إعلام مسؤول يهدف إلى نشر الوعي وثقافة الجرأة في الحق وليس الوقاحة في الباطل لأنه ركيزة أساسية في تطور المجتمع، إذ يجد فيه الإنسان مرتع خصب للمعارف ومصدر التوجيه و التوعية والإرشاد ، فإذا أحسن استخدامه وتوجيهه سيشكل قوة كبرى في بناء وتطوير والنهوض بالمجتمع، لكن للأسف هذا ما يفتقده التعليم والإعلام بالمغرب وهذا ما يكرس عدم الاهتمام بالثقافة. يتضح كذلك غياب الاهتمام بالجانب الثقافي في برامج الأحزاب ففي كل استحقاق تجد جميع الأحزاب تركز اهتمامها بما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، لكن الثقافة بما هي وسيلة للتنوير والنقد والحوار تبقى بعيدة عن هذه البرامج. حتى المثقف المغربي الذي يعتبر صوت الشعب و العين التي يرى من خلالها ما يقع في العالم من أحداث وتطورات بجميع أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لأنه هو الكفيل بتفسيرها، ووضعها في سياقها، لم يعد يقوم بهذا الدور، وبالتالي يمكن أن نقول أنه انسحب من الحياة العامة، وحتى وإن إنخرط فإنه لم يعد بريء في طرح الأفكار وإنما من ورائها أهداف شخصية أو حزبية ويمكن كذلك أن تكون دينية وبالتالي فقد الموضوعية في تعامله هذه المستجدات. فغياب المثقف أصبح واضحا في المشهد المغربي، ونسي إن لم نقل تناسى رسالته الإنسانية النبيلة وهي قيادة المجتمع وإيجاد حلول لمشاكله الكثيرة والتعبير عن أحلام الناس وتطلعاتهم، من هنا يتضح أن قول ادوارد سعيد " المثقف يتوقف عن كونه مثقفا عندما يقترب من السلطة" تنطبق على المثقف المغربي. لا يمكن لمجتمع ما أن تقوم له قائمة إلا بالقطع مع الممارسات والسلوكات البائدة ووضع الميكانزمات والآليات الكفيلة بنشر الوعي، سيكون كل شيء جميل ربما ليس اليوم ولكن يوما ما.