هناك قاعدة معروفة عند الغالبية العظمى من الناس، وهي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وهنا نتحدث عن مبدأ قانوني يأخذ به القضاء عموما هو أن الأصل براءة المتهم، ومن ثم تجب معاملة كل متهم معاملة تتلائم مع هذا المبدأ، أي أن تحفظ كرامته ولا تداس سمعته بالنعال. فالقضاء لا يتأثر بآراء ومواقف الجمهور، فكل دعوى لها صك اتهام، ويقع عبء إثباته على المدعي، أو من له سلطة تكييف الوقائع باعتبارها أفعالا مجرمة قانونا. ومناسبة هذا القول، دردشة عابرة ذات مساء مع بعض الأصدقاء حول موضوع الخيانة الزوجية وانعكاساتها المدمرة على الأسرة، والتي هي كما هو معلوم النواة الأولى لنشأة المجتمعات المتحضرة. فكثير من القضايا التي نقرأ عنها وتردنا أنباؤها تدخل في هذا الصنف وتدخل في خانة الفضائح والسبق الإخباري لكثير من الصفحات والمواقع الإلكترونية في عصر الثورة الرقمية. وكثيرا ما ننساق إلى توجيه صكوك الاتهام دون دليل مادي ملموس، إلا من شهادة شهود لم يحضروا وقائع الخيانة في الغالب الأعم، إنما رأت أعينهم ما يعرف في لغة القانون بالقرائن، هذه الأخيرة قد تصمد أو لا تصمد أمام مبدأ الشك الذي يفسر عادة لفائدة المتهم. صراحة أقتنعت بالتطرق للموضوع بعدما كنت في البداية متحفظا عن الغوص فيه، لأنه كان في تقديري أن مثل هذه الأمور يستحب أن تناقش رأسا مع المعنيين بالأمر بكثير من النضج، وبعيدا عن منطق النفخ في الكير، ثم من جهة أخرى لأن مثل هذه القضايا حينما تدخل العالم الافتراضي وتصبح جزءا من اهتمام رواد هذا الفضاء، تصير من الأمور التي يقع فيها القيل والقال، والشد والجذب، والتعاطف تارة والتشفي تارة أخرى. غير أنه وإن عجزت شخصيا عن استيعاب الوضعية النفسية لأولئك المتورطين في هكذا قضايا إن صحت طبعا، وكيف لهم أن يتعايشوا بسلوكيات متناقضة، تكون دائما متخفية تحت جدار سميك من الصمت، أفسر الأمر غالبا إلى معاناة أو جروح غائرة يجتهدون في إخفائها. إن الأمر أشبه ما يكون بهروب الضمآن من ماء متدفق بين يديه ينزل من شلال لا ينضب، إلى الغوص بحثا عنه في قرارة بئر عميق مليء بالآفات، والغوص في بئر الحرمان هذا يجعل من الصعوبة بمكان الصعود منه بأمان، لأن فقدان بوصلة الحياة تغذيها المغريات العابرة التي تؤدي بصاحبها للتيه وسط المجهول. أحد أصدقائي قال: أهون علي سماع تعرض شخص متزوج، لحادثة دهس أو وفاة، على أن أسمع أنه متورط في قضية فساد أخلاقي. جعلني ذلك أفكر مليا وتأمل وضعية ونظرة المجتمع إلى الخيانة الزوجية، وإلى مدى استعداد شخص ما بأن يضحي بكل ما بين يديه، من زوجة وأبناء ووضع اجتماعي، في سبيل تحقيق نزوة غرائزية مدمرة، ليسقط في بئر سحيق، قلنا آنفا إنه في الأصل بئر الحرمان. وهذا السقوط الأخلاقي في مجتمعنا له صدى يسمعه حتى من هو أصم. وإنه بكل تأكيد، فالخيانة مهددة لأية علاقة زوجية، بل مهدمة لها من أساسها. والخطير أن نجد حشدا من الأزواج أو الزوجات لديهم استعداد مسبق للخيانة. إن هذا الخلل الذي ينخر كيان المجتمع، له مقدمات لا تخطؤها العين، وهي قابعة في البرامج والفقرات التلفزية التي تنشأ جيلا مشبع بقيم تُشَيِّءُ المرأة وتجعلها سلعة قابلة للاستهلاك، أو مصدرا لتفريغ النزوات، وتختزل قيم الجمال لتجعله مرادفا للإثارة أو لجسد امرأة. وسأقتبس هنا فكرة قرأتها في موضع ما لأحد الكتاب راقتني كثيرا وجعلتني مشدودا لمعانيها، ومؤداها أن الصدام بين الرجل والمرأة، -وهنا نتحدث طبعا عن الزوج وزوجه-، منشأه أن الزوج لا ينظر لزوجته على أنها أجمل امرأة في الكون، وأن الزوجة لا تنظر لزوجها كونه أبهى رجل على وجه الأرض، وحينما تتحقق تلك النظرة المفقودة، نظرة الإعجاب والانبهار المتبادل نكون قد بلغنا مستوى من العمق الذهني والصفاء الروحي. فلماذا يرى جميع الرجال أمهاتهم على أنهن أجمل النساء مهما كان شكلهن، ولماذا ترى كل امرأة أباها على أنه أبهى رجل في الكون مهما كانت صفاته أو ملامحه.