تعتبر الخيانة ظاهرة اجتماعية قديمة، حيث يرى البعض أنها قد تختلف من مجتمع لأخر، لكن خصوصية المجتمع العربي المحافظ يجعل السؤال يطرح عن هذه الظاهرة . و التي بدأت تأخذ منحى أخر خاصة بعد ظهور الانترنيت و الوسائط الاجتماعية التي فتحت المجال للمستور بالظهور ، إذ لم يعد بإمكان أحد السيطرة على فكر الآخر أو حتى تحديديه ، إذ أتاح هذا العالم الافتراضي للناس مساحة حرية أكبر اختلت معها المبادئ الأساسية للتربية بالمجتمعات العربية . بعض أسباب الخيانة الزوجية ؟ تعتبر الخيانة الزوجية من الظواهر الاجتماعية التي ذمتها مختلف الأعراف و الديانات عبر العصور ، ففي أوربا و المجتمعات المتقدمة ارتبطت هذه الظاهرة بالتفتح الاجتماعي و الحرية الشخصية ، ومع ذلك فقد لوقيت بالرفض و كانت لها عواقب وخيمة على الأسرة والمجتمع ، لكن الأمر يختلف في مجتمعاتنا العربية بالنظر إلى الخلفيات الاجتماعية المرتبطة بثقافة الحشمة و الحياء و التي يراها البعض رادعا أساسيا لمثل هذه الظواهر المشينة بالقيم و المبادئ الأساسية المتعارف عليها أضف إلى ذلك الخلفية الدينية التي تعتبر في غالب الأحيان المانع الأكبر لمثل هذه الظواهر لكن مع ذلك يجب أن نطرح السؤال حول هذه الظاهرة بالمجتمع العربي و التي استفحلت مع توالي السنيين ؟ و يرى البعض أن من بين أهم أسباب الخيانة الزوجية في الأوساط المغربية هي : التربية التي تتبناها الأسر خاصة فيما يخص التربية الجنسية ، و التي تظل محط غموض لدى الأطفال أو حتى من هم أكبر سنا ، كما يعزو الكثيرين ذلك إلى التربية المدرسية و التي تجعله من الموضوعات المسكوت عنها لتكرس بذلك مبدأ الحشمة و " العيب" داخل أوساط التلاميذ ، و ليظل هذا العالم غائبا عن أذهان الكثيرين إلى أجل غير مسمى، إضافة إلى هذا وذاك فإن طغيان المشاكل داخل الأسرة و عدم القدرة على خلق جو أسري متوازن ، يزيد من حدة الأمر ليبقى السبيل للخروج من الأزمة في نظر الكثيرين هو العالم الافتراضي حيث يتحول المستحيل إلى ممكن . فاطمة ربة بيت تقول : " أنا مقبلة على الزواج لكني أخشى الخيانة ، لست أدري لماذا لكنها هاجس يومي لا يفارقني" مصطفى مدير تربوي : "في الحقيقة لا أستطيع العيش دون مغامرة و لذلك فأنا أحترم زوجتي و أبنائي لكني لا أستطيع أن أبقى داخل جلدي لمدة طويلة أحتاج إلى التغيير في علاقاتي " خيانة من نوع آخر غير أن هذه العلائق التي يتحدث عنها مجموعة من الأشخاص أصبحت تتخذ منحى أخر برؤية متقدمة بالنظر إلى التقدم التكنولوجي الذي بدأ يسطو على حياتنا اليومية ، الخيانة التي اختلط فيها الحابل بالنابل فمن صداقات و دردشات حول مواضيع هامة و غيرها ........تحول الأمر إلى هروب البعض من واقعهم الذي يبدو بالنسبة لهم مرا ، كالسيدة مريم موظفة بالقطاع الخاص و التي تحكي عن تجربتها بكل عفوية " الانترنت هو عالمي الخاص ، أبتعد فيه عن الجميع أبنائي و زوجي و حتى أصدقائي الذين تعودت عليهم ربطت علاقات مع أشخاص من مختلف الأوطان العربية نتكلم في كل شيء ، لكننا قد نتحول في أغلب الأحيان عن وجهتنا لنتحدث في مواضيع شخصية ، لا أخفيكم سرا هناك علاقات بالنسبة لي تجاوزت حدها في غياب متكرر للزوج بحكم عمله " سليم موظف بإحدى الشركات الخاصة يقول : "أرى أن الانترنت له جوانب إيجابية في دعم العلاقات الإنسانية و تنويعها ، كما أعتبره نقلة هامة في المجال العلمي ، لكني أعتب على أولئك الذين يحولونه عن وجهته التي وجد لأجلها " نورة طالبة تقول "الوسائط الاجتماعية أصبحت ضرورية في حياتنا اليومية فهي وسيلة لتسهيل التواصل و تقريب المسافات بين الأفراد ، لكن البعض جعل منها طريقا لعلاقات غير مشروعة ، فقد تتحول المحادثة عبرها من موضوع مهم إلى ألفاظ قد لا يقوى المرء على استيعابها ، أعتقد أن هذا أمرا لا يرضاه أحد بالنظر إلى علاقاتنا الاجتماعية المبنية عل الاحترام و الأمانة " " أعتقد أن هناك من يستغل الوسائط الاجتماعية لأهداف لا تفيده ولا تفيد مجتمعه بل تجعل هذا الأخير يمقته ، ويفقد احترامه له في لحظة نزوة عابرة "يقول فهد موظف و أب لأربعة أطفال " لا أفهم كيف يمكن للمرء أن يقوم بخداع شريك حياته و لو عبر الانترنت ، ويعتقد أن الأمر مجرد لعبة لا تتجاوز حدود التسلية فقط في حين أن ذلك يعتبر خيانة في نظر المجتمع " تقول خديجة ربة بيت . رأي الشرع لقد حدد لنا الشرع منهجا في حياتنا ينظم من خلاله معاملاتنا مع ذواتنا ثم مع الآخر ، كما نظم العلاقات بين الجنسين و وضع لها إطارا ينظمها ومهما اختلفت الطرق و الأزمنة فإن الدين باق ليحافظ على القيم و التي بإمكانها الحفاظ على كرامة الإنسان في أي زمان و مكان ، ومهما تغيرت الوسائل التي بإمكانها أن تحقق الخيانة فإنها تبقى واحدة ، ومن الفتاوى الشرعية التي تحدثت في الموضوع ، فتوى للدكتور محمد سعدي عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر بأحد المواقع الالكترونية و التي استهلها بحديث الإمام البخاري عن عامر قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ حيث اعتبر أن الحديث بين الجنسين إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا، أما الحديث لمجرد الدردشة والتعارف فهذا لا يجوز شرعا، ومثل هذا الحديث قد يكون الآن لا غبار عليه ولكنه ذريعة إلى الوقوع في المحظورات بداية من اللغو في الكلام، إلى ما لا تحمد عقباه دراسة من الناحية النفسية إن الخيانة الزوجية جريمة يشترك فيها الزوجان.. حيث يساهم الرجل بضغوطه وإيذائه لزوجته وهضمه لحقوقها بتشجيعها على الخيانة ومن ثم على الانتقام منه بشكل خاطىء. ومن المتوقع أن زيادة القهر والظلم تؤدي إلى الفعل العدواني والذي يمكن له أن يأخذ شكل الخيانة الزوجية عند المرأة. وأيضاً فإن خيانة الزوج لزوجته تشجع على خيانة المرأة لزوجها. ومن الناحية العيادية نجد أن اضطراب الشخصية يساهم في الوقوع في الخيانة الزوجية مثل بعض حالات الشخصية الحدودية والتي تتميز بالاندفاعية والسلوكيات الخطرة وتقلب المزاج والغضب, وأيضاً بصعوبات في العلاقات مع الآخر من حيث تناوب المبالغة في تقدير الآخر أو تحقيره, إضافة لاضطراب صورة الذات ومحاولات الانتحار أو إيذاء النفس وغير ذلك من الصفات. وأيضاً فإن الشخصية المضادة للمجتمع والتي لا تتورع عن القيام بمختلف الأعمال المضادة للقانون والأخلاق يمكن لها أن ترتكب الخيانة الزوجية وبشكل متكرر ومتعدد. وأما الشخصية الهستريائية والتي تتميز بالمبالغة وجذب الانتباه والإثارة الجنسية والاستعراض وتقبل الإيحاء والتأثر السريع بالآخرين ومنهم, وسطحية الانفعالات والتفكير وحب المغامرة والإرضاء الفوري وغير ذلك من الصفات.. فإن صفاتها الأساسية وسلوكياتها تثير الريبة.. ولكنها في كثير من الأحيان لا تصل إلى درجة الخيانة الفعلية إلا إذا ترافقت شخصيتها مع صفات مرضية أخرى مثل صفات الشخصية الحدودية أو المضادة للمجتمع. ونجد أيضاً أن الأشخاص الذين يحملون عقداً خاصة مرتبطة بالجنس أو العدوانية أو من تعرضوا للإيذاء الجنسي أو الجسدي أو الإهمال وعدم الرعاية في طفولتهم.. يمكن لهم أن يندفعوا ويتورطوا في سلوك جنسي خاطىء مؤقتاً أو بشكل متكرر. وفي بعض الحالات النفسية الشديدة مثل الفصام أو الهوس يمكن للاضطراب النفسي أن يؤدي إلى سلوك جنسي غريب وغير متناسب مع طبيعة الشخص وذلك بسبب اضطراب المنطق أو المزاج. ولابد من الإشارة إلى أن الغيرة الزوجية في أشكالها المختلفة تعكس قلق الزوج أو الزوجة من الخيانة الزوجية.. والقلق العادي هنا شعور طبيعي يهدف إلى المحافظة على الشريك الزوجي وربما يصل هذا القلق إلى درجة الهذيان أو ما يقرب منها. ويساهم الزوجان عادة في تطور الغيرة الزوجية من خلال غموض أحدهما أو تصرفاته غير المناسبة.. ولابد من التفريق بين الغيرة الزوجية وبين الخيانة الزوجية الفعلية, وقد يصعب ذلك في بعض الأحيان. وفي النهاية لابد من التأكيد على أن الإنسان يحمل في داخله نوازع الخير والشر معاً.. ولابد من تزكية النفس وضبطها والابتعاد عن الشبهات في القول والفعل. ويمكن تفسير بعض أسباب الخيانة الزوجية في بعض الحالات دون أن يكون ذلك تبريراً لها. والإنسان مطالب بالتصرف المناسب والسلوك الناضج والواعي.. والمرأة تستطيع أن تفعل ذلك بالطبع... وإذا كانت حياتها غير سعيدة أو مرضية مع زوجها فإن عليها أن تتجدد وتسعى للحياة التي تناسبها بشكل منطقي وأخلاقي ودون جريمة... وعليها بالطبع أن تحاول أن تحل مشكلاتها المنزلية والاجتماعية وأن تصلح ما يمكن إصلاحه وأن تصبر على ما لا يمكن إصلاحه. ختاما الخيانة بشتى أنواعها سلوك مشين لا يجب القيام به مهما كانت الأسباب ،ليس معنى هذا أن نبتعد تماما عن التقنيات الحديثة لكن تقنين استعمالها يساهم في خلق التوازن النفسي الذي نحتاج له في حياتنا اليومية