في أحد أعداد مجلة " الكرمل " لم يستطع محمود درويش أن يكظم غيظه ، فانفجر ساخطا على هذا الكم الهائل من النصوص التي يحسبها أصحابها على الشعر افتراءً ، ويقحمونها عليه تعسفا ، فقال : [ … إن تجريبية هذا الشعر قد اتسعت بشكل فضفاض حتى سادت ظاهرة ما ليس شعرا على الشعر ، واستولت الطفيليات على الجوهر لتعطي الظاهرة الشعرية الحديثة سمات اللعب والركاكة والغموض وقتل الأحلام والتشابه الذي يشوش رؤية الفارق بين ما هو شعر وما ليس بشعر . … كل كلام غامض مشوش ركيك نثري عدمي قادر على تغطية تطفله على الشعر ، في هذه الفوضى العامة ، بالادعاء أنه شعر حديث مكتوب للمستقبل …] ( محمود درويش، أنقذونا من هذا الشعر، مجلة الكرمل ع 6 ص: 6 7) …. هؤلاء ( الشعراء ) الذين عناهم محمود درويش هم من أسميهم شعراء ( الكاتريام ) .. و ( الكاتريام) هو الاسم الذي كان يطلق على الدرجة الاقتصادية في القطار المغربي القديم ، وهي درجة كانت كراسيها خشبية ومرافقها متواضعة جدا وكانت دائما مكتظة يتكدس فيها المسافرون بحقائبهم وسلالهم وأكياسهم ، وأهم ما يميزها هو الضجيج واللغط والعجيج حتى إن من أصاخ لا يمكنه أن يلتقط جملة واحدة مفيدة ، تماما كما لم يستطع محمود درويش أن يلتقط من ذلك الدفق الكمي المتهور إلا ما جعله يضيق به ويمقته ويزدريه لأنه لا يفهمه . وإذا كان ابن سلام الجمحي فد وجد الشعراء عشرَ طبقاتٍ ، فقد اختزل أحد الظرفاء – لعله البحتري – تلك الطبقات في أربع مراتب أو درجات : الشعراء فاعلمَنَّ أربَعهْ فشاعرٌ يَجْري ولا يُجْرَى معهْ وشاعرٌ يُنْشد وسْط المَعمعَهْ وشاعرٌ مِن حقِّه أن تسْمَعَهْ وشاعرٌ مِن حقِّه أن تصْفعهْ ولا شك أن هذه المرتبة الرابعة هي ( الكاتريام ) التي يزدحم فيها من عناهم درويش ، والذين هم أهل عن جدارة واستحقاق للتصفيق طويلا بأيدٍ خشنة غليظة على أقفائهم .