فتحت "منال" عينيها في أسرة معدمة، ورط الأب فيها زوجته في خمسة أطفال ثم ارتمى في أحضان العشيقات و العربدة، تاركا الأم تصارع من أجل توفير مسلتزمات العيش في حدها الأدنى للأسرة، و كان عليها أن تخوض كل ليلة معركة تقاوم فيها رغبة زوجها الاستيلاء على أجرة يوم قضته في الشقاء "الأعظم" في بيوت زوجات كسولات… ولجت منال المدرسة، وبصمت على مسار دراسي متميز في المرحلة الابتدائية، فقد كانت "تهرب" من صراخ الأب و سبابه، و انتحاب الأم و شكواها إلى كتبها "المتقادمة" و دفاترها و أقلام تلوينها.. كانت ترسم بيتا صغيرا ملونا، قربه شجرة و كلب، و أُمّا و طفلين بابتسامة عريضة… بينما لا أثر للأب. غير أن مقاومتها انهارت عندما وصلت إلى المرحلة الثانوية، فالأب قد كبر في السن و كبرت معه نزواته.. و الأم أثقلتها الهموم و بدأت ربات البيوت يحجمن عن تشغيلها.. و أخوها الأكبر الذي كان أمل الأسرة قد لفظته المدارس و التقطته الشوارع و أصبح حليف أبيه -في جنوحه و فساده-… فأصبحت منال تقضي بباب الثانوية أكثر مما تقضيه في أقسامها.. أقلامها الملونة عوضتها علبة ألوان أخرى -للوجه و ليس للرسم-. نبذت كتبها و "فتحت" ذراعيها للحياة الجديدة، في البداية رافقت زملاءها الذكور إلى المقاهي و محلات "البيزا".. ثم رافقت شبانا أكبر سنا من أجل بطاقات التعبئة و بعض المال… و سرعان ما دخلت الموضوع مباشرة، و أصبحت "عاملة جنس" مبتدئة. في البداية لقيت معارضة شديدة من الأم و الإخوة.. حتى الأب خلع عنه عباءة العربدة و أصبح "حامي الحمى".. لكنه كان يتسلل ليلا الى محفظة منال و إلى ملابسها بحثا عن نقود هو يعرف جيدا مصدرها.. و مع مرور الأيام ازداد "ترسخ" منال في مهنتها الجديدة.. و خفت مقاومة الأهل مع تحول ابنتهم المغضوب عليها إلى "المنفق الرسمي" على البيت… و قد نصحتها "زميلة" لها بالابتعاد عن الزبناء المغاربة الشحيحين، و الذين يعجلون بإنهاء تاريخ صلاحية المومس… و توسطت لها عند "الحاجة" التي فتحت لها أبواب "العهر الفاخر" مع علية القوم و الخليجيين… و سرعان ما ظهرت بوادر الغنى على منال.. فاشترت سيارة فاخرة و شقة في حي راق.. و اشترت لأسرتها منزلا في حي شعبي.. مع فتح محل بقالة لوالدها و أخيها، مما فتح لها أبواب الغفران و أصبحت الدعوات تستقبلها و تشيعها كلما زارت أسرتها و نالت رسميا لقب "المرضية". غير أن شيئا في داخلها لم يكن راضيا… كانت تنظر الى نفسها بقرف و هي تستحمل حماقات الزبائن و ساديتهم من أجل حفنة أوراق.. دخلت في نقاش وجودي مع نفسها خرجت منه مصممة على إيقاف مهنتها و البحث عن "ولد الناس" الذي ستمكل معه درب الحياة التي لن تكون قاسية مادامت قد جمعت من مهنتها ما يمكنها من العيش المستور، زفت الخبر لأسرتها فاستقبلته بفتور.. رأت سوادا في وجه الأب، أما الأم فلم تمنع نفسها من قول: -الله يا ربي الله… سنرجع للأيام الصعبة… غير أن منال لم تبال بهم، و ارتبطت بشخص كانت على معرفة به، و ظنت أنه الخلاص، غير أن نبوؤة الأم سرعان ما تحققت، فقد أجهز الابن و الأب على محل البقالة فأحالاه أثرا بعد عين.. و عادت الأم تطلب من ابنتها مالا سرعان ما ينتزعه منها الأب أو ابنه بالقوة، و ليت الأمور قد توقفت عند ذلك، فقد كشر الزوج عن أنيابه، و دخل في مرحلة استنزاف ممنهج لمذخرات منال والتي اضطرت لبيع سيارتها.. ازذادات الامور سوءا.. و عندما طلبت من زوجها البحث عن عمل قال: -لو أردت العمل لما تزوجت بعاهرة.. و لكُنت مرتبطا ب"لالاك".. بعد أشهر قليلة كانت منال تحمل لقب "مطلقة"، و كانت في حالة تسمح لها بالعودة إلى الميدان، ساعدها في ذلك سمعتها "الطيبة" و شبكة معارفها الممتدة شرقا، و لم يمض وقت طويل حتى كان أبوها جالسا في باب محله و يقول لأحد معارفه: -منذ تطلقت "المرضية" من ذلك "المنحوس" لم يعد ينقصنا أي خير… الله يخلي الزواج بالخلا… ما بقاو رجال. القصر الكبير في 10 أكتوبر 2016