لا يَخفى على كلِّ مُتَأَمِّلٍ لِمَواقِفِ المَخلوق العربي أن كينونته ضامِرة تحت رُكامِ المُعْتَقَد و المَكبوت و المُتَخَيَّل، شَخْصية زئبَقية مائعة ،لا تملك آليات التماهي مع حَرَكية الزّمن و الأحداث ، تعيش في مُنْعَرجات اللغة ، الموغلة في عشق البَيان اللفظي و المُحسِّنات الصّوتية ، نموذج يحيا بالقَول المُنسلِخ من واقعيته… ! إنَّ واقِع "الأعراب" مُؤسِفٌ جداً ، بل و مثيرٌ للشَّفَقة حد القلق ، لِأَنَّ مَجال الحُرِّية الذي يَتمَثَّلونه في صَيَحاتهم النضالية ضَيِّقُ الأبعاد ، لا يَتَجاوَز حد تصريف الرَّغبات المَكبوتة و ليس هيكَلة الوجود بشَكلٍ معقول… على مَدِّ الربيع العربي و مَوجة الاحتجاجات الشَّعبية نَلْحظ دائما ارتباكا فضيعا عند الجَماهير من خلال ذلك الزَخَم من المَطالب الرَّعناء والغير المُنسجمة مَعَ بَعضها، حُمَّى من اللَّغط تُؤكِّد عُمق الجهل و غياب الوعي عند الشَّخصية "الأعرابية"، لإنَّ فَحوى ما يَصِلُ إلى الأسماع من شِعارات ليس تَعبيرا واقعيا عما يَتداوله هؤلاء الساخطون حَقيقةً في سياقهم اليومي… إلى يَومنا هذا لم يَجرؤ مفَكِّرٌ بَعد على صياغَةِ كوجيطو "أعرابي" واقعي ، لأنَّ الغَربي حينما يقول "أنا أفكر إذن أنا موجود" نلمسُ أنَّ قوله مُجسدٌ في كل مَناحي حياته…. لا يُمْكِنُنا استِشراف ارتِقاء حَضاري مُشَرِّف في ظلِّ هذا التَمَزُّق بين الخطاب و الفعل، و إهدار الطاقة في اللَّغة و التَّوصيف… إنَّ مسؤولية وُجودنا تَبقى رَهن جُرأةِ الفعل بِما يَنسجم مع خصوصيتنا ، نحن لسنا الغَرب و الغربُ ليس نحن ، و ماذا أَعدادنا لنا كي نُغادرو نملك خلاصنا من جُبَّة " الغير" و نكون كما يَجب لنا أن نكون ؟