قبل أيام من الآن بيسيرٍ من الزّمن، كان عائداً من عروس البوغاز، بعد قضائه شغلاً ادارياً ما كان ليُقضى هناك لولا التقسيم الجهوي الاعمى ، الى مدينته الام، بعد ان ولج المحطة الطرقية، ترجّل نحو حافلة بعد ان لمح يافطة خلف زجاجة مخدوشة تدلّ ان رحلتها تنتهي بمدينة فاس و انطلاقتها من مدينة طنجة، و بعد ان استمع لمرافق السّائق يردّد كالببّغاء مع تباين كبير بالنّغمات الصّوتية المدنٓ التي نالها حظّ الرّحلة، من بينها مدينة القصر الكبير، سائل بائع التذاكر: – هل من مكان شاغر صوب مسقط رأسه؟ – خمسة و تلاثون درهماً، بصوت مفعم بالغلظة و الخشونة، و تكشيرٍ عن الانياب و صعود حاجب و هبوط لآخر، هكذا أجابه تاجر الرّحلة. استلم تذكرته، وجد مُضمَّناً بها اضافة الى التّاريخ و التّوقيت و الثمن الدّال على انها خاضعة لسوق سوداء، بتواطئ مع رجال سلطة صامتة، على اختلاف الوانهم و اصنافهم، تكتفي بالتجوال جيئةً و ذهاباً بساحة المحطة، مقابل …، حيث ان هناك زيادةً لخمسة دراهم لم يتفهّم صاحبنا سببها، خصوصاً و انها بأيّام عادية، كما وجد بها رقماً يحدد مكان جلوسه، صعد من الباب الامامي، من سوء حظّه قطع مسافةً تضاهي طول الحافلة، وجد مقعده الحامل نفس ترقيم البيّي، بمقدّمة المؤخّرة، ( لا تذهبوا بعيدا، لسنا من انصار او اعداء الشيخصار، مؤخرة الحافلة يا سادة يا كرام). جلس، تمعّن في هيكلها، كراسي مهترئة، كان الله في عون المتوجّهين صوب العاصمة العلمية، مصابيح لم يتبقّ منها الا الجُخُّ يتساقط منها غبارٌ رقيق كلّما سقطت العجلات بالحفر القاطنة على طرقاتنا الوطنية، مكيّف عاطل عن العمل منذ ان وطأت عجلات الحافلة ميناء طنجة بعد تعشيرها، تلفاز صغير بالمقدّمة، هو الاخر ممنوع من البثّ، حيث وُضع على زجاجته ملصق مكتوب عليه بالبنض العريض: «ممنوع التدخين»، مع رسم توضيحي لسيجارة مشتعلة، يتصاعد منها دخان كثيف، توجد تحت دائرة يشطُرها خطّ عريض لونهما أحمر داكن، مع معادلة مُستعصية الحلّ، طرفها الرّئيسي سائق الحافلة المدخّن أثناء سيرها. بعد ان ادار المساعد المحرّك في اشارة منه بدنوِّ الانطلاقة، مستعملاً المنبّه دون كللٍ، و الدّوْس بقدمه اليمنى على المُسٓرِّع بحركاتٍ متتالية مخلّفاً خلفه صدور دخّانٍ من الشَّكمان، من اجل المساهمة في تلويث الهواء الملوّث فطرياً. في هذه الاثناء صعد كلّ من بحوزته تذكرة، مزامنة مع ذلك طفا تلاسنٌ شفهي، بين امرأة قد التحقت لتوِّها مع شابّ، ذو بنية رياضية، اسمر اللون طويل القامة عريض المنكِبيْن…. ، حول احقية احد المقاعد، بعد تدخّل لجنة تحكيميّة، بثّت في النزاع الحاصل بسرعة البرق، جلست المرأة منتشيةً بطعم الانتصار طبقاً للقانون الدّاخلي، بعد ان نهض الشّابّ، ترجّل الى الخلف يجرّ اذيال هزيمة بسبب جهله لأعراف الحافلات، باحثاً عن رقم مقعده المدوّن بتذكرته، وقف امام صاحبنا طالباً منه ان يفسح له مسلكاً من اجل الجلوس بجانبه.