مؤكد أن القراءة فعل جميل، سيما في شهر الفضيلة والغفران شهر رمضان المعظم، ولعل الجو الأنسب لتقديم أطباق غذاء للفكر والعقل هو نهار رمضان وقد صام سائر البدن عن الطعام والشهوات . لاشيء يعلو على كتاب الله عز وجل، وقراءة القرآن الكريم في رمضان وفي غيره من سائر أيام وشهور السنة مسألة لابد منها، وإن كان في رمضان يكثر الإقبال على تلاوة كتاب الله تجديدا للعلاقة بين العبد وربه، وتصحيحا لما يشوب هذه العلاقة من أخطاء مقصودة وهفوات غير مقصودة . إن قراءة القرآن الكريم تأتي على رأس قائمة ما يلزم قراءته من كتب، لما يحتويه الذكر الحكيم من عبر وحكم ووصايا وتحذير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولعلو شأنه وسمو قدره بين بقية الكتب . يأتي من بعده كل الكتب المعرفية التي تضيف مسحات جمالية على حياة الإنسان بتنوير عقله وإزالة الغشاوة عن بصيرته . فالكتب التي ألفها البشر وبذلوا فيها جهدا كبيرا من دون تقصير في خدمة الإنسانية وعالجوا من خلالها شؤون حياتية بمنطق وحكمة، أو ناقشوا في ثناياها قضايا شملت مختلف الميادين، أو طرحوا عبرها مجموعة من الإشكاليات وأرخوا في موضوعية وحياد لأحداث مرت جديرة بأن تكون محط اهتمامنا للإطلاع، والروايات والقصص التي تهدف إلى تقويم بعض سلوكاتنا وهي تنقلنا إلى عالم المبادئ والقيم النبيلة بتصفحها هي الأفيد والأنفع لعقولنا . لدى المرء متسع من الوقت في نهار رمضان ليستثمر قسطا من الزمن في قراءة كتاب عوض أن يمرر جل وقته في النوم أو في الغيبة والنميمة التي لاتكف عنها الألسن . فالكتاب كما وصف هو خير جليس وخير أنيس، هو خير من رفقة السوء التي يمكن أن تجر إلينا الويلات من حيث لاندري، أنه النبراس الذي ينير لنا الطريق ويعلمنا كيف نقبل على الحياة بأريحية واستمتاع متسلحين بالمعرفة والعلم بالأشياء مع قوة العزيمة والإرادة في تحقيق ما نبغي الوصول إليه . مع تطور الزمن، اكتسحت القراءة العالم الإلكتروني الفسيح وأخذت مكانا لها به، فتحول الكتاب الورقي إلى نظير له يحمل الصيغة الإلكترونية، مما أفسح المجال أمام مجموعة من المواقع الإلكترونية لعرض عدة كتب على صفحاتها إرضاء لكل الأذواق، وتمكينا لكل مرتادي العوالم الإفتراضية من تيسير عملية القراءة دون حرمانهم منها ومن منافعها على المستوى الإلكتروني . إن ما يلزم القارئ هو أن يكون على دراية مسبقة بضرورة اختيار الأجود من الكتب وانتقاء الأفضل من المواضيع، مع وجوب توخي الحذر مما قد يقع بين يديه من المكتوب، إذ ليس كل ما هو مخطوط به منافع فكرية وأسس تثقيفية ناجعة، فهناك الكثير من السموم التي يتم ترويجها عبر الكتابة لتضليل العقول والرجوع بها إلى بحر الظلمات . فقد كثرت التيارات، وشاعت الايديولوجيات الفاسدة المفسدة للأدمغة . يقول الكاتب الإنجليزي " هنري فيلدينغ": *يمكن للكتب أن تفسدنا كما يفسدنا الصاحب* . نقر في النهاية أن القراءة في رمضان لها طعم خاص ومتعة مستقلة عن بقية المتع، ولن ينتقص شيء من كيان المرء إن أقبل عليها في مثل هذا الشهر الكريم .