كنا فيما كنا بقسم الباكلوريا 34 تلميذا،كعدد الأحزاب المغربية. وكان معلمنا رجلا وقورا، تبدو عليه علامات السمت. لحيته كرأسه مشتعلة شيبا يزيده وقارا، ويفرض علينا أن نكن له كل الاحترام. كان يبذل قصارى جهده ليِؤدي رسالته بصدق وأمانة، لم يكن يخشى في قول الحق لومة لائم. فلقد كان يستحق لقب مربي الأجيال بجدارة واستحقاق. وكنا نعرف مستويات بعضنا البعض. كما لم تكن تشغلنا طويلا كل الأسئلة المقرراتية - لأننا سريعا ما نصل إلى أجوبة عليها- بقدر ما كان يشغلنا سؤال متعلق بأحد التلاميذ. كيف وصل إلى الباكلوريا بمستواه المتندي إلى أقصى الحدود، إلى درجة أن البعض منا أصبح يؤكد بأنه لا يعرف حتى كتابة اسمه أو قراءته. والأدهى أن هذا التلميذ كان يعوض نقصه ذاك بالشغب، فلقد كان بارعا في إثارة الفوضى داخل الفصل. حاول أستاذنا جاهدا معه كي يحسن مستواه ويتخلى على أسلوبه المقيت، لكن عناده أو ربما غباؤه منعه من ذلك، فلقد كان كل إصرا ره منصبا على إثارة البلبلة داخل الفصل ليمنع الأستاذ من القيام بمهمته، ونحن من التحصيل الدراسي. وبعد أن باءت كل محاولات الأستاذ بالفشل، قرر في الأخير أن يرجع التلميذ إلى آخر طاولة في الفصل، ويتجاهله كل التجاهل وكأنه غير موجود. لكن التلميذ لم يستسغ ذلك وبدأ في التلاسن مع باقي التلاميذ وقذفهم بما طاب له من قبيح النعوت والأوصاف، فتارة يتهم أحدهم بأني يأتي إلى الفصل مخمورا، وتار ة يتهم التلاميذ جميعهم بأنهم سكارى. بل ذهب به الحد إلى أن وصف الأستاذ بأن به مسا ويتعين عليه زيارة بعض الأولياء. وكان كثير التباهي بالتوترات التي كان يخلقها، فما تكاد تخمد نار إحدى المناوشات حتى تندلع نار أخرى. كما أنه ابتدع مصطلحات جديدة ودخيلة على المقررات التعليمية مثل: مصرنة القسم- تونسة المدرسة- خونجة الفصل بحكم أن بعض التلاميذ أعفوا شيئا ما من لحيهم. ومع كل أنواع الاستفزاز التي مارسها التلميذ، ظل الأستاذ رزينا متأنيا. رغم أن كل تلاميذ الفصل ومعهم باقي تلاميذ الثانوية يتساءلون لماذا يصبر الأستاذ على كل هذا؟ وأحيانا نسمع بعض الهمسات بأن التلميذ لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه وأن هناك من يوشوش له بذلك. وما يزيد تأكيد هذه الهمسات أن التلميذ هدد بأنه سيغادر الفصل هو وبعض زملائه. فرسالته التي أوحى له بها وحيه هي تعطيل عمل الأستاذ وباقي الفصل مهما كان الثمن.