توجهت الجمعة الماضية نحو المسجد الأعظم الذي يعد من الآثار الهامة بمدينة القصر الكبير و شاهد تاريخي على حقبة زمنية برعت فيه يد الصانع المغربي و أبدعت ، قصدت المسجد باكرا حتى أقوم بجولة قصيرة بين جنباته و أستمتع بذاك السكون النفسي الذي طالما شعرت به داخل مسجد لازال يحافظ على عبق التاريخ و دفئه. مضت سبع سنوات على أخر زيارة لي لهذا المسجد ، و بمجرد أن وطئت قدمي عتبة المسجد حتى انتاباني شعور غريب لا يمكن وصفه، كدت على أثره العدول عن الدخول و التوجه لمسجد أخر ، لكنني دخلت و سرحت ببصري بين جنبات المسجد بذهول لأنني لم أشعر بذاك الدفء و تلك النسائم الروحانية ...اخترت مكانا و أديت تحية المسجد و جلست ، لا ادري كم من الوقت مر علي و أنا هائم بين أفكار و أسئلة حائرة حتى شعرت بيد أحدهم تضرب على كتفي ، رفعت بصري ...و إذا به "مقدم الحومة" أعرف جيد يخاطبني بجفاء شديد :" نوض من هذ البلاصة ...رجع للوراء...واش مشوفتيشي الخط الأحمر..." التفت فإذا بالمسجد مملوء عن أخره و أنا أجلس في المقدمة وحدي ، على خط أحمر...رجعت للخلف متسائلا: ما سر الخط الأحمر؟؟؟ لم يكن علي أن أنتظر الجواب طويلا ، و إذا بباب مجاور للمحراب فتح و دخل رجال يلبسون طرابيش حمر و جلابيب بيض، لم يكونوا سوا المسؤولين و أصحاب القرار بالمدينة... شرع الأمام من على المنبر يتلو خطبته و يداه ترتعشان...كانت الخطبة أقرب إلى نشرة إخبارية رسمية ، يمجد و يشيد و يرفع و يعلي...كل شيء على ما يرام و الوضع جيد و الناس بخير...و أصحاب الطرابيش الحمر ، القاعدين على الخط الأحمر يهزون برؤوسهم و ينفخون صدورهم باستعلاء ، و كأن المسجد لا يقع وسط حي تعشش فيه كل أنواع البؤس و علامات الفقر. ختم الإمام نشرته الإخبارية ...أقصد خطبته بدعاء طويل عريض دسم و بدء المصلون تململون...لأن أغلبهم كان نائما طيلة وقت الخطبة القصير جدا ، ونهضوا للصلاة ،فوجدت نفسي انسل بين الصفوف هاربا...و ما إن وصلت الباب و استنشقت هواء نقيا ممزوجا بروائح البؤس و الفقر ، حتى حمدت الله و أثنيت عليه لأنه أخرجني و كفاني عبء الصلاة خلف الخط الأحمر و من عليه.